هل صحيح أن الثلج تساقط في غزّة؟
تاريخ النشر : 2021-01-20 14:32

شبكة نوى | قطاع غزّة:

"تساقط الثلج في غزّة" جملة مرّت أمامي في موقع فيسبوك كتبها صديق مرفقاً صورة لبضع حبّات من البَرَد الذي تساقط أخيراً على قطاع غزّة، جملة ربّما أضحكتني وأعادت لي تخيّلات وأسئلة أظن أنها صارت "بائسة". بالمناسبة، كيف هو شكل الثلج الحقيقي على الطبيعة؟

سبق أن قلت إنني بلغت الـ 30 عاماً دون أرى جبلاً، ولم أرَ نهراً، ولم أرَ ثلجاً، ولم أرَ شكل السّماء خارج حدود قطاع غزّة، الوصف الذي يعبّر عني دون ملل. وأنا نفسي أنزعج من تكراره وأحاول أن أتجنّب الموضوع. حسناً سأعود إلى السبب الأساسي في مأساتي أنا ومعظم البؤساء هنا، حصار غزّة. ثمّ حصار غزّة القابض على أرواحنا وأحلامنا، وحياتنا.

ذات يوم، بينما كنت في العاشرة من عمري، قالت لي صديقتي "هل الثلج الذي نراه في التلفاز يتساقط على الضفة الغربية والقدس هو نفسه الذي نشاهده في المسلسل الكرتوني "سالي"؟".

ذات يوم، بينما كنت في العاشرة من عمري، قالت لي صديقتي "هل الثلج الذي نراه في التلفاز يتساقط على الضفة الغربية والقدس هو نفسه الذي نشاهده في المسلسل الكرتوني "سالي"؟". كانت تتساءل باستمرار، هل "المداخن" التي يشعلها الناس في بيوتهم في الكرتون للتدفئة حقيقية؟ يا ليتنا نعيش هناك في هذه المسلسلات.

لنرى، يسقط البَرَد حوالي مرّة أو مرتين كلّ شتاء، يصنع منه أطفالنا "رجل ثلج" يذوب بمجرّد الانتهاء منه والتقاط صورة له لمشاركتها مع الناس والتعريف بأبهى رجل ثلجي في غزّة، يظن الأطفال أنه كالذي يشاهدونه في التلفاز، يحاولون قذف بعضهم به حتى تبدأ الشجارات بينهم ثم البكاء، هذا لأنه اختلط بالرمال والحجارة المتبعثرة بالشارع. ربّما من المجاري التي تطفح كلّ شتاء، وربّما بفعل حجارة منزل قصفته طائرات الاحتلال تناثرت في الحي.

في كلّ مرة أحاول أن أكتب، أجد أن "الحروب" الإسرائيلية على قطاع غزّة والحصار، هو الموضوع الأقرب لوجعي، الموضوع الذي يمسّني أنا وأكثر من مليوني إنسان يعيشون هنا. هذا الذي يدفعني إلى البوح باستمرار عن ما يفعله الاحتلال بنا في كلّ آن، وهل تنتهي الحرب؟ بالطبع لا.

اليوم أعلم جيداً أن كل خطوات حياتنا مرهونة في "الحياة تحت الاحتلال" وهل نحن أحياء بالأساس؟ أشك في الأمر. العيش في غزّة، اختصاصي في الجامعة، عملي في الصحافة، كلّه نتيجة الاحتلال، ليس هنا، بل حتى حبّي الذي وجدته ثمّ ارتبطت به، هل أنا أصلاً سعيدة به؟ وهل سيتم زواجي؟ هل سأنقل أغراضي الشخصية إلى مملكتي الجديدة مع شريكي؟ أم أن الحرب ستنتزعها منّي؟ كما الزلزال تماماً، يهتزّ بدني كلما فكّرت بذلك.

في كلّ مرة أحاول أن أكتب، أجد أن "الحروب" الإسرائيلية على قطاع غزّة والحصار، هو الموضوع الأقرب لوجعي، الموضوع الذي يمسّني أنا وأكثر من مليوني إنسان يعيشون هنا.

ما يحصل بعد ذلك هو الحاصل دائماً. تتركني الكتابة دون أن يكون الأمر مرتبطاً بعملي، دون أن يكون عن الناس بشكل مباشر بكلامهم هم، حتى يتملّكني خوفي المفضوح على الملأ بكتابة مادّة جديدة تدور أحداثها بنفس الدوّامة، دوّامة الحرب والحصار.

وبالعودة إلى الوضع الذي نجبر على تصنيفه "طبيعي"، فلا قصف في هذه اللحظة. الحياة جميلة. أحاول الالتفاف على الدوّامة وأتحايل عليها بصورةٍ أو مقطع فيديو للبحر والمطر، أمسك هاتفي ثمّ أستمتع بكلمات فيروز التي تدندن في أذني "شتّي يا دنيا تايزيد موسمنا ويحلى، وتدفق مي وزرع جديد بحقلتنا يعلى".