التغريبة الفلسطينية صفعةٌ على وجه المُطبّعين
تاريخ النشر : 2020-12-31 08:54

غزة- شبكة نوى:
ملحمة دراميةٌ عظيمةٌ جسّد من خلالها المخرج السوري الراحل حاتم علي معاناة الشعب الفلسطيني خلال النكبة، وذل اللجوء والتهجير، مقابل تمسك الفلسطينيين بأرضهم ومقاومتهم من أجل التحرير لتخرج "التغريبة الفلسطينية" بتفاصيل توثق التاريخ وتحارب محاولات تشويهه.

رحل المخرجُ السوريّ المبدع في وقتٍ عصيبٍ يعيشه الشعب الفلسطيني، حيث تُصفَع قضيّتُه بهرولة التطبيع العربي مع المحتلّ، لقد غاب المُخرِج، لكنَ المُخرَج بات حاضرًا من جديد على شاشات غالبية البيوت الفلسطينية، خاصة في ظل فترات الحجر الطويلة.

التقت – شبكة نوى- بعدد من الأسر التي أحيت فيها وفاةُ المخرج ثورةً وطنية دفعتها للمسارعة إلى متابعة المسلسل من جديد فتفاعلت معه وعايشته وأنعشت تفاصيل المأساة والحق بدواخلهم.

رنا: تابعتُ التغريبة الفلسطينية على موقع يوتيوب بعد وفاة المخرج العظيم خاصة أنني أمتلك وقت فراغ في ظل الحجر

فالشابة رنا الكحلوت من غزّة تروي:" تابعتُ التغريبة الفلسطينية على موقع يوتيوب بعد وفاة المخرج العظيم خاصة أنني أمتلك وقت فراغ في ظل الحجر، وقبل ذلك تابعته مراراً وسأتابعه دومًا، إنني لا أملّه، وفي كل مرة تصيبني الدهشة وكأنني أشاهده للمرة الأولى، الدهشة ذاتها حين تابعت المسلسل وأنا في السادسة من عمري وحتى الواحد والعشرين، وفي كل مرة أكتشف شيئًا عظيمًا جديدًا ".

وتقول:" عشنا طفولتي والفضول يقودني دومًا لمعرفة أحداث النكبة وتلاحقني عشرات الأسئلة التي لم يكن يتسع لها مفهوم الوطن والتهجير بداخلي".

وتضيف:" إلا أن الذي كنت أعيه جيدا هو إيماني كطفلة بحقي بوطني وأرضي وهويتي الراسخة، والتغريبة الفلسطينية جاءت كإجابات لكل الأسئلة بداخلي منذ صغري وحتى اليوم".

التغريبة.. نقاش مستمر

وتوضح:" التغريبة جعلت بيتنا دائم النقاش في تفاصيل قضيتنا، مع والديّ وإخوتي الكبار وهي دافع لي لقراءة تاريخ فلسطين عن قرب وبدقّة".

وتضيف:" حتى أخي الأصغر محمد ذي التسع سنوات اليوم يتابعها ولا ينفكّ يسألنا عن تفاصيلها فلا نتردّد نحن الكبار عن التوضيح له".

ليس محمد وحده الذي يتعرف على قضيته الفلسطينية ويعيش مشاعر النكبة التي عايشها أجدادنا ليدحض مقولة أن "الكبار يموتون والصغار ينسون"، بل هناك الطفلة حور العين أسعد حمودة المقيمة مع عائلتها في كوالالمبور، وأختها الصغرى تتابعان المسلسل بحبّ وشجن، وتُكثران من الأسئلة حول التهجير والنكبة والفدائيين والتي لا يمل والدهما من الإجابة عليها.

يقول أسعد:" المسلسل أثار شجوني من جديد بوفاة المخرج ونظرًا للانشغال أتابع الكثير من المقاطع لشدة ما تشدّني وليس الحلقات الكاملة".

ويضيف:" لا أخفيكم سرًا فدموعي تفرّ مني وأنا أتابعه، لكثرة ما أشعر بالوجع والقهر، لقد أعادني المسلسل من جديد لتفاصيل مأساة ونكبة ما قبل 70 عامًا، لكن الوجع يحيي فينا وبأطفالنا التمسك بحقنا بأرضنا حتى يرحل المحتل".

لمّة العيلة

أما الدكتور معتز ياسين الفلسطيني السوري المولود بمخيم اليرموك والذي يعيش مع أسرته بألمانيا، فقد باتت "التغريبة الفلسطينية" بعد وفاة المخرج هي اللّمة المهمة للعائلة، وقد ساعد على ذلك وفق قوله –لشبكة نوى- طول فترة الحجر بسبب جائحة كورونا حيث التعليم إلكترونيا، وقد مكّنهم ذلك من حضور العديد من حلقات المسلسل على جِلسةٍ واحدة عبر الإنترنت.

يوضح ياسين المهجّر من قرية الخالصة قضاء صفد:" بالأمس كنا نتابع المسلسل برفقة أطفالنا جنى وجاد وحلا، وقد شاهدنا خمس حلقاتٍ متتاليات ونحن على نفس الجِلسة، وحين طلبت منهم أن يذهبوا للنوم، إذ بابني جاد ذي العشر سنوات يطلب مني أن نكمل الحلقة السادسة وكانت حينها الساعة قرابة الواحدة بعد منتصف الليل".

 ففي الوقت التي تكثر فيه المحاولات الخبيثة المستمرة لتسميم وتزييف الوعي العربي للقبول بذلك الكيان الصهيوني على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، ينغرس الأطفال في تفاصيل النكبة والظلم الذي عاشه أجدادهم من خلال تلك الملحمة العظيمة.

ويبين "صغيري غرق واندمج في المسلسل كما لو أنه يعيش القصة حقيقة، وكنت أنا ووالدته نجيب على علامات الاستفهام التي تراوده أولًا بأول، لتصل له القصة والرسالة واضحة تماماً خاصة وأن أجدادي عاشوا التفاصيل الدقيقة التي قدّمها المسلسل وتحديدًا فيما يتعلق بالتعليم".
ولشدة ما تأثّر ياسين بوفاة المخرج حاتم يتساءل:" هل كنت تعلم وأنت ابن الجولان أن حياتك ستنتهي بتغريبة طويلة؟  ونحن على يقين أن حياتنا ستنتهي بمنفى مُكرهين، وأن الأحلام كانت كبيرة، وأكبر وأبعد من تحقيقها، وأن للسوريين وقبلهم الفلسطينيين خريف واحد لا فصول أربعة، هل كنت تعرف أن الربيع في قرطبة وليس في دمشق؟ وحتى شتاء دمشق أصبح بارداً وتائهاً، ملوك الطوائف من أجبرت صقر قريش على الفرار والبحث في المجهول، لو كان عمر بن الخطاب بيننا لما آلت أحوالنا إلى هذا المآل، ولكن عنجهية الزير سالم أوصلتنا إلى نقطة اللاعودة ، هل كنت تعلم أن الدمع عصيّ علينا حتى، و رغم ذلك ذرف قلبنا دماً مراراً و مراراً، وكذب من قال لا يبكي الرجال، وأن واقعنا يحتاج لأكثر من قلم حمرة ليصبح أقل تشوهاً، رحلت يا حبيب الأيام الدافئة، بعيداً عن أرضنا الباردة رحلت، ولو لم يكن لك سوى التغريبة الفلسطينية لكفتك".

إعادة النظر

وتقول زوجته دانية المليجي الحاصلة على إجازة في الكيمياء التطبيقية من جامعة دمشق:" ما يخطط له الساسة والحكومات العالمية  اليوم من صفقة قرنٍ وتطبيع وغيره من تهويد للأراضي الفلسطينية يلغيه ببساطة توقيع مُخرجِ مؤمنٍ بأن الأرض لأهلِها".
وتضيف:" التغريبة الفلسطينية هي فرصة لإعادة النظر بقرارك نحو التطبيع"، إنها صفعةٌ في وجه من شرّع التطبيع وهرول نحوَه.

 يذكر أن حاتم علي ولد في 2 يونيو/حزيران 1962، في الجولان السوري المحتل، وأجاد الكتابة والتمثيل منذ صغره، وأخرج ما يزيد عن 25 مسلسلاً أبرزها "التغريبة الفلسطينية" الذي أدى خلاله دور "رشدي"، ومسلسل"عمر"، و "صلاح الدين الأيوبي"، "الزير سالم"، "ثلاثية الأندلس"، وغيرها وحصل على أكثر من 17 جائزة عربية ودولية.