قطار الانتخابات الفلسطينية لم يتخذ مساره بَعد
تاريخ النشر : 2021-01-06 15:25

غزة:

وافقت حركة حماس أخيرًا على إجراء انتخابات فلسطينية متتالية (برلمانية- رئاسية-مجلس وطني) بعد إصرارها السابق على أن تكون متزامنة، تَبِعها طلب الرئيس الفلسطيني محمود عباس من رئيس اللجنة المركزية للانتخابات د.حنا ناصر البدء بالإجراءات اللازمة لهذا الأمر.

خطوات وتصريحات إيجابية متبادلة بين الحركتين اللتين تديران مقاليد الحكم فعليًتا في فلسطين؛ يمكن اعتبارها تحريكًا للمياه الراكدة عقب حالة الجمود الواضحة التي تبِعت اجتماع الأمناء العامون للفصائل الفلسطينية في بيروت بتاريخ 3 سبتمبر، وتعطّل تنفيذ مخرجاته وأهمها الاتفاق على المقاومة الشعبية لمواجهة قرار الضم الإسرائيلي، وكذلك إعادة إصلاح النظام السياسي الفلسطيني.

لكن ثمة شيطان يكمن في تفاصيلٍ قلبت كل موائد الاتفاقات السابقة بدءًا من اتفاق مكة عام 2005 وصولًا إلى اجتماع بيروت 2020، وهو ما يطرح شكوكًا صوب التحركات الحالية.

إلا أن عضو المجلس الثوري لحركة فتح كفاح حرب قالت لنوى إن هذه التحرّكات هي في الاتجاه الصحيح، وتعبّر عن خَيار القيادة الفلسطينية بالذهاب إلى الانتخابات ليأخذ المواطن حقه في اختيار من يقود المرحلة القادمة، والتي لا بد أن تستند إلى الوحدة الوطنية، وهي -أي الرسائل المتبادلة- تأتي في سياق اتصالات لم تنقطع مع حركة حماس للوصول إلى هذا التوافق.

وعزت حرب حالة الجمود التي تلت اجتماع الفصائل في بيروت إلى إصرار حماس على تثبيت خَيار إجراء انتخابات بالتزامن، وهذه أخذت حيزّا كبيرًا من النقاش لدى كل الأطراف حتى التوصّل إلى أن الانتخابات المتتالية هي الحالة الأفضل والأنسب، بحيث تنعقد الانتخابات التشريعية بعد 6 شهور، يليها الرئاسية بعد شهرين منها ومن ثم المجلس الوطني، ليكون الوقت كافٍ لتأخذ كل انتخابات حقها الطبيعي والوصول إلى قيادة تمثّل شعبنا وتمر بالقضية إلى بر الأمان.

حرب: فتح وحماس منفتحتان على أي نتائج يأتي بها صندوق الاقتراع، وفي حال تعثّر إجراؤها فستبقى فتح دومًا الباحثة عن شراكة حقيقية

وتجزم حرب إن الظروف السياسية الآن مواتية تمامًا لإجراء الانتخابات، فالرئيس دعا رئيس اللجنة المركزية للانتخابات حنا ناصر للبدء في الخطوات العملية، وهناك حراك قوي داخل التنظيمات الفلسطينية للتباحث في آلياتهم والوصول إلى عدد المقاعد المطلوب، نافية أن يكون وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن معرقلًا لها، فهذه التخوفات كانت موجودة حتى في عهد سلفه دونالد ترمب، والقيادة الفلسطينية يجب أن تكون جاهزة لكل هذه التحولات.

لكن ما الضامن لعدم تكرار تجربة 2006 في حال جرت انتخابات؟ تجيب حرب عن الضامن في هذه الحالة هو نزاهة الانتخابات وانتباه التنظيمات جيدًا، والباقي مرهون بما سيأتي بعدها، فحركة فتح ومثلها حماس منفتحتان على أي نتائج يأتي بها صندوق الاقتراع، وفي حال تعثّر إجراؤها فستبقى فتح دومًا الباحثة عن شراكة حقيقية ووحدة وطنية للوصول مرة أخرى إلى انتخابات.

أما الناطق باسم حركة حماس حازم قاسم، فوضّح لنوى إن الرسائل المتبادلة بين الطرفين تأتي في سياق الحوارات البينية التي لم تنقطع للوصول إلى تفاهمات وطنية حقيقية بين الكل الفلسطيني خاصة بعد عودة السلطة الفلسطينية إلى التنسيق الأمني مع الاحتلال.

وأضاف:"إلا أن حماس بإيجابيتها المعهودة تحركت مرة أخرى في هذا المسار وأرسلت رسائل لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس تتحدث عن ضرورة إعادة ترتيب البيت الفلسطيني وأن تكون الانتخابات هي مدخل لذلك وأن حماس تقبل بأن تكون متتالية".

قاسم: التجربة التي مر بها النظام السياسي الفلسطيني بأكمله جراء إنكار البعض لنتائج الانتخابات السابقة كانت صعبة، بالتالي هذه المرة الجميع معنيّ باحترام النتائج

ويعزو قاسم موافقة حماس أنها في سياق بحثها المستمر عن صيغة عمل مشترك والوصول إلى حالة وطنية موحدة لإعادة ترتيب النظام السياسي، ومن منطلق المرونة التي تبديها في مسار العمل الوطني، فموقفها المتعلق بالانتخابات المتزامنة كان نابع من عدم السماح للسلطة بالتهرب من باقي الاستحقاقات، إلا أن حماس وافقت بعد حصولها على ضمانات من أربعة دول (روسيا-مصر-قطر وتركيا).

فحالة الجمود التي تبعت لقاء الأمناء العامون للفصائل- وفقًا لقاسم- مردّه عودة السلطة الفلسطينية إلى التنسيق الأمني مع الاحتلال ما اعتبر انقلابًا على مخرجات الاجتماع، وكذلك فهي – أي السلطة الفلسطينية- لم تطبق المقاومة الشعبية ولم تفعّل اللجان لتجديد النظام السياسي الفلسطيني، إلا أن قاسم يجزم أن البيئة السياسية الآن مواتية تمامًا لإجراء انتخابات فالنظام السياسي بحاجة لإعادة بناء ولا يمكن أن يستمر بهذه الحالة، والانتخابات هي مدخل معقول لذلك، لكن المطلوب توفير المناخات اللازمة لذلك مثل وقف الاعتقالات السياسية في  الضفة ورفع العقوبات عن قطاع غزة.

لكن ما الضامن لعدم تكرار تجربة 2006 في حال جرت انتخابات؟ يجيب قاسم إن الضامن هو شعبنا الذي أصبح أكثر وعيًا بأهمية أن يعبّر عن خياراته وألا يسمح للأطراف بالتلاعب بهذه النتائج، وأيضًا التجربة التي مر بها النظام السياسي الفلسطيني بأكمله جراء إنكار البعض لنتائج الانتخابات السابقة كانت صعبة، بالتالي هذه المرة الجميع معنيّ باحترام النتائج.

إن إجراء الانتخابات الفلسطينية – في حال كانت الإرادة حقيقية- تتطلب جملة من الخطوات التي تضع قطار الانتخابات في طريق الانطلاق، أولها تحديث سجل الناخبين وبدء الفصائل الفلسطينية في الاستعداد لهذا الأمر.

الباحثة اسماعيل: إجراء العملية الانتخابية يتطلب بيئة سياسية مواتية فيما بتعليق بعلاقة حركتي حماس وفتح مع بعضهما ومع الجمهور

وترى المحللة السياسية دنيا الأمل إسماعيل، إن هناك فرصة  قد تكون الأخيرة لإجراء انتخابات، وتدارك الكثير من الأزمات التي نتجت عن تعطل الحياة السياسية ، فهي الأيام الأخيرة لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في منصبه، أراد تثبيت موقف لا تستطيع الحركة التراجع عنه وهو اختبار حقيقي لأبنائها بعد التغيرات الأيديولوجية التي جرت وعلاقتها بالمجتمع الدولي، وبالنسبة للرئيس محمود عباس، فهو الآن أمام محكّ تاريخي ويشعر أن الساحة تنفض من حوله، وخياراته ضئيلة، بالتالي هو ذاهب لانتخابات كمخرج للملمة شتات القضية الفلسطينية.

لكن إجراء العملية الانتخابية يتطلب بيئة سياسية مواتية فيما بتعليق بعلاقة حركتي حماس وفتح مع بعضهما ومع الجمهور، فالناخبين والناخبات سيجدون في الانتخابات فرصة لتغيير المتحكمين الرئيسين في حياتهم والذهاب إلى طرف ثالث، لذا سنرى في الأيام القادمة ردود الفعل، وقد نشهد "مناوشات" صغيرة على مستوى أقلّ من السابق، خاصة وأن مرحلة الانقسام أفرزت الكثير من المستفيدين ممن لن يقبلوا بتغيير الواقع الحالي.

كذلك فإن إجراء الانتخابات يتطلب الاتفاق على النظام الانتخابي هل هو التمثيل النسبي الكامل أم المختلط أم يبقى النظام القديم، وتحديث سجل الناخبين والناخبات وفتح باب الترشح وهذا يحتاج إلى دعوة الرئيس لرئيس اللجنة المركزية للانتخابات حنا ناصر للبدء في هذه الإجراءات، وكذلك نحتاج إلى التوافق حول موضوع القدس كيف ستجري فيها الانتخابات.

وتعدّ الانتخابات – وفقًا لاسماعيل- اختبار آخر للحركة النسوية الفلسطينية التي طالها الانقسام، وكيف ستمثل نفسها، هل ستلتزم الفصائل فقط بنسبة 20% أم 30%، وهو اختبار حقيقي في ظل أنها تعاني من ترهل تسبب في تفكيك بنيتها.

لكنها تبدي تخوفًا من احتمالية تكرار تجربة 2006 وعدم تقبّل النتائج بالتالي نذهب إلى انقسام آخر، خاصة أن هناك الكثير من الملفات التي خلفّها الانقسام لم تُنجز بعد، أما في حال عدم إجراء الانتخابات فيُخشى من تصدير الأزمة باتجاه شن الاحتلال عدوانًا جديدًا على قطاع غزة، وكل لاحتمالات واردة.