فلسطين 2020م.. من شهيد الجرّافة إلى عرب "عيد الأنوار"
تاريخ النشر : 2020-12-21 11:58

رام الله/ شبكة نوى- فلسطينيات:

نهاية شباط 2020م، كان جسد محمد علي الناعم من مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، يُسحق تحت سلاسل جرافة إسرائيلية، قبل أن يعلق على أنياب كبّاشها. بعد المشهد بتسعة أشهر، اقتلعت كباشات الجرافات الإسرائيلية ذاتها جذور المواطنة سُميّة أبو كباش وعائلتها، و(73) فلسطينيًا غيرهم من قرية "حمصة" في الأغوار الشمالية، ضمن أوسع عملية تهجيرٍ تنفذها "إسرائيل" هناك منذ عشر سنوات، وفق تقارير الأمم المتحدة.

بين غزة والأغوار، تنغلق أبواب العام على مشهدٍ "فانتازي" لإماراتيين، ومستوطنين، يحتفلون معًا بعيد "الأنوار اليهودي" أمام حائط البراق جنوب المسجد الأقصى، إحياءً لـ "ذكرى تحرير أورشليم، وإعادة تكريس الهيكل" حسب العقيدة التلمودية.

على مواقع التواصل الاجتماعي، تساءل الفلسطينيون تعليقًا على المشهد الأخير، الذي لحق بإعلان بدء التطبيع العلني بين الإمارات ودولة الاحتلال بأشهرٍ قليلة، إن ما كان هناك مشاهد "أكثر ألمًا" سيلقيها العام الصادم فوق ظهورهم قبل انصرافه؟! هم ولا شك سيحتارون في مشاركة الوسم السنوي: " لقد كان عامًا مليئًا بـ.."، وقد كان مليئًا بالكثير.

سياسيًا، سيحدد المراقبون الفلسطينيون محطات رئيسية وسَمَت العام 2020م، ابتداءً من إعلان "صفقة القرن"، ثم تشكيل حكومة ائتلافٍ إسرائيلية تتبنى خطة ضم أراضي الضفة الغربية، وردة فعل السلطة الفلسطينية بتعليق الاتفاقيات السياسية والأمنية، ثم عودتها عن ذلك منتصف تشرين ثاني/ نوفمبر، وإعلان أربع دول عربية التطبيع علنًا مع "إسرائيل"، وأخيرًا اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية تلفزيونيًا بين رام الله وبيروت، ردًا على كل ذلك.

جرى هذا في ظلال جائحة "كورونا" العالمية، التي أصابت نحو (130) ألف فلسطيني، وأودت بحياة نحو (1500) آخرين في الوطن والشتات. وتزامن مع تجدد الأزمة التي تعصف بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، التي قال مفوضها العام: "إنها وصلت حافة الهاوية"، مع عجزٍ قدره (115) مليون دولار، هدد قدرتها على دفع رواتب (28) ألف موظف، عدا عن خدمات اللاجئين، وذلك على خلفية ما راكمه وقف الدعم الأمريكي للوكالة، منذ عام 2018م، وما تلاه من تراجعٍ في الدعم العربي عامي 2019م، و2020م.

سُجِّل يوم 28 كانون الثاني/ يناير، إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "صفقة القرن" تحت مسمى "خطة السلام"، بحضور نتنياهو، وممثلين عن الإمارات والبحرين وعُمان.

وفي رصد "نوى " ليوميات ذلك، سُجِّل يوم 28 كانون الثاني/ يناير، إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "صفقة القرن" تحت مسمى "خطة السلام"، بحضور نتنياهو، وممثلين عن الإمارات والبحرين وعُمان.

وردًا على ذلك، دعت الرئاسة الفلسطينية حركتي حماس والجهاد الإسلامي لاجتماعٍ واسع، وهو التحرك الذي تطوّرَ إلى اجتماع الأمناء العامين للفصائل والرئاسة الفلسطينية تلفزيونيًا، في الثالث من تشرين الثاني/ أكتوبر.

وفي الخامس من آذار/ مارس، أعلنت السلطة الفلسطينية حالة الطوارئ القصوى، وأغلقت كافة المرافق، بعد اكتشاف أولى الإصابات بفايروس "كورونا" في مدينة بيت لحم، وهي الحالة التي امتدت حتى آيار/مايو، وخلفت خسائر اقتصادية قُدّرت بأكثر من 2.5 مليار دولار.

وفي استجابةٍ لاعترافها السابق بالقدس عاصمةً لـ"إسرائيل"، ودعمها لخطة ضم الضفة، أطلقت الخارجية الأمريكية في 11 آذار/مارس الماضي مصطلح "مواطنين غير إسرائيليين" على أهالي القدس.

وضمن دعمها لخطة ضم الضفة، أطلقت الخارجية الأمريكية في 11 آذار/مارس الماضي، مصطلح "مواطنين غير إسرائيليين" على أهالي القدس.

وفي 19 نوفمبر/ تشرين الثاني، زار وزير الخارجية مايك بومبيو مستعمرة "بسغوت" شرق مدينة البيرة، ومواقع استيطانية في الأغوار، في الوقت الذي أعلن فيه إعطاء الأفضلية لمنتجات المستوطنات، والتعامل مع منتجات الضفة وغزة كُلًا على حدة، كما صنف حركة المقاطعة (BDS) "كمعادية للسامية".

الضم والتنسيق

وفي السابع من نيسان/أبريل، صادق الكنيست الإسرائيلي على تشكيل حكومة ائتلافٍ إسرائيلية، بقيادة نتنياهو، ومنافسه غانتس، وبالتناوب، تستندُ إلى برنامجٍ ضَم (30%) من أراضي الضفة الغربية.

في 18 من آيار/مايو، أعلن الرئيس محمود عباس التحلل من الاتفاقيات الموقعة مع "إسرائيل" والولايات المتحدة الأمريكية، ردًا على قرار الحكومة الإسرائيلية بتشكيلتها الجديدة، تطبيق خطة الضم.

ورغم الكُلفة السياسية والاقتصادية، التي تحمَّلَها الفلسطينيون بسبب تأييدهم لوقف العلاقات مع الاحتلال، عادت القيادة الفلسطينية يوم 17/11/2020م، وأعلنت عودة علاقاتها مع "إسرائيل".

لكن، ورغم الكُلفة السياسية والاقتصادية، التي تحمَّلَها الفلسطينيون طيلة ستة أشهر، من تأييدهم لوقف العلاقات مع الاحتلال، عادت القيادة الفلسطينية يوم 17/11/2020م، وأعلنت عبر تغريدةٍ لعضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" حسين الشيخ، عودة علاقاتها مع "إسرائيل"، كما كانت قبل وقف العمل بالاتفاقيات، وذلك على وقع تفاؤلها بتجديد علاقاتها بالإدارة الأمريكية الجديدة، بعد تقدم المرشح (جو بايدن) في الانتخابات الرئاسية.

وعلى ضوء ذلك، أظهر استطلاعٌ للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث المسحية مطلع كانون الأول/ ديسمبر، تراجعًا حادًا في شعبية الرئيس محمود عباس، حيث طالب ثلثا الجمهور الفلسطيني باستقالته، على خلفية العودة للتنسيق مع "إسرائيل".

رأت أغلبية أن هذه العودة "ستؤدي إلى المزيد من التطبيع العربي مع "إسرائيل"، وإلى إفشال المصالحة، وإضعاف فرص إجراء الانتخابات".

ورأت أغلبيةٌ فلسطينية، أن الاحتلال هو الرابح الأكبر من ذلك، وأن هذه العودة "ستؤدي إلى المزيد من التطبيع العربي مع "إسرائيل"، وإلى إفشال المصالحة، وإضعاف فرص إجراء الانتخابات" رغم خفوت التفاؤل بشأن إجرائها أصلًا.

التطبيع

بصورةٍ صادمة، وفي الثالث عشر من آب/أغسطس الفائت، أعلنت الإمارات التطبيع الكامل مع "إسرائيل" تحت عنوان "اتفاقية سلام"، مؤكدةً أن الاتفاق جاء بعد تراجع "إسرائيل" عن خطة الضم.

لاقى ذلك عاصفة تنديد فلسطينية وعربية، مقابل مباركة مصر وعُمان والبحرين، التي ستنضم لركب التطبيع أيضًا إلى جانب السودان والمغرب تباعًا.

في نهاية آب/أغسطس، انطلقت أول طائرة إسرائيلية تجارية إلى أبو ظبي، لبدء مباحثاتٍ رسمية بحضور أمريكي، بعد توقيع اتفاق التطبيع بين الطرفين.

وفي نهاية آب/أغسطس، انطلقت أول طائرة إسرائيلية تجارية إلى أبو ظبي، لبدء مباحثاتٍ رسمية بحضور أمريكي، بعد توقيع اتفاق التطبيع بين الطرفين، وحملت الطائرة اسم "كريات غات" المستعمرة المقامة على أراضي قريتَي "عراق المنشية"، و"الفالوجة" المهجرتين.

ويعزو عمر البرغوثي، أحد مؤسسي حركة مقاطعة "إسرائيل" (BDS) الانزياح العربي نحو التطبيع مع "إسرائيل"، إلى "ضلوع المستوى الرسمي الفلسطيني في التطبيع مع نظام الاحتلال، وكذلك في التهاون والتماشي مع التطبيع العربي، والتغطية عليه أحيانا"، إلى جانب "رغبة النظام العربي في طي صفحة القضية الفلسطينية، ومعها تطلعات الشعوب العربية نحو التحرر الحقيقي، بتحقيق العدالة الاقتصادية، والاجتماعية، والحريات" على حد قوله.

وفي إشارته إلى رفض أكثر من (88%) من الشعوب العربية التطبيع، يضيف البرغوثي: "إن دعوات (بي دي اس) لمقاطعة الأنشطة المدعومة من قبل "نظام الإمارات" مثلًا، لاقت أصداءً هامة بين الفنانين والفنانات، نشطاء وناشطات الحراكات الشعبية والثقافية، في المنطقة العربية".

مناصب تنتظر إشغالها

وفي منتصف كانون أول/ ديسمبر، أعلنت المرأة الفلسطينية الوحيدة في أعلى هيئة قيادية بمنظمة التحرير الفلسطينية، حنان عشراوي استقالتها من اللجنة التنفيذية للمنظمة، على خلفية ما وصفته بـ "التهميش الذي تعاني منه اللجنة، وعدم المشاركة في صنع القرار".

حنان عشراوي أعلنت استقالتها من اللجنة التنفيذية للمنظمة، على خلفية ما وصفته بـ "التهميش الذي تعاني منه اللجنة، وعدم المشاركة في صنع القرار".

وجاء ذلك بعد أكثر من شهرٍ على رحيل أمين سر اللجنة التنفيذية صائب عريقات، متأثرًا بإصابته بفايروس "كورونا"، بتاريخ العاشر من نوفمبر/تشرين ثاني الفائت.

ولا يخفى على أحد، أن وفاة عريقات، فتحت الباب واسعًا أمام سباقٍ جديدٍ في الساحة الفلسطينية لملء منصبه، وسط توقعاتٍ بتغيير حكومي مقبل، وقد أصبح رئيس الحكومة محمد اشتية من أبرز المرشحين لخلافته في منصب أمين سر المنظمة، وقيادة الملف التفاوضي.

تحدّيات القادم

لقد كان عامًا حافلًا حقًا، إلا الوزيرة السابقة وعضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية ماجدة المصري، قالت: "إن خطة الضم الإسرائيلية، كانت أخطر ما واجه الفلسطينيون خلال 2020م".

وتضيف إلى ذلك "التطبيع العربي، الذي جاء في إطار معادلة تغييرٍ تطال الأنظمة العربية، لبناء أحلافٍ جديدةٍ في المنطقة العربية".

المصري: لا يمكن للحركة الوطنية الفلسطينية،  مواجهة مشاريع الضم الاستيطانية، إلا بإنهاء الانقسام، وتكريس الوحدة، والعمل بتوصيات اجتماع الأمناء العامين للفصائل.

وبرأي المصري، لا يمكن للحركة الوطنية الفلسطينية، وأي مستوى سياسي رسمي أو شعبي، مواجهة مشاريع الضم الاستيطانية، التي كان يرعاها "ترامب"، وسيكمل طريقها أي رئيسٍ أمريكي جديد، "إلا بإنهاء الانقسام، وتكريس الوحدة الوطنية، والبناء على اجتماع الأمناء العامين وتوصياته"، رغم وصفها ما تعرضت له المصالحة بـ "الانتكاسة"، إثر الإعلان المفاجئ عن عودة التنسيق الأمني، وعودة سريان الاتفاقيات مع "إسرائيل".

تضيف المصري: "كان هذا موجعًا، لكنه يفرض على الكل الفلسطيني، مواصلة التحدي والعمل لمواجهة المشروع الاستيطاني المستمر، عبر النضال الشعبي على الأرض، وبالتحرك في الأطر الدولية، ودعم حركة المقاطعة، لعزل "إسرائيل"، وفضح انتهاكاتها، دون المراهنة على تغييرٍ قد تحدثه إدارة بايدن".