"كورونا".. مفاضلةٌ بين لوحةٍ ودجاجة!
تاريخ النشر : 2020-12-14 21:01

"الوضع من سيء لأسوأ، لم يعد الفن يشكل أولويةً بالنسبة لأي مواطن، حتى لأولئك المهتمين الشغوفين"، تقول الفنانة التشكيلية الشابة إلهام الأسطل، التي لم ترسم أي لوحة جديدة منذ عدة أشهر كونها تعرف جيدًا أنها لن تُباع بسبب وشاح الفقر الذي ألبسه "كورونا" لغزة.

حتى مشروع تعليم الأطفال بواسطة الفن، الذي بدأته مطلع العام، قبل تفشي فايروس (كوفيد- 19) داخل المجتمع بقطاع غزة أواخر أغسطس/ آب الماضي،  في أحد المراكز التعليمية المتخصصة بتلك الفئة، توقف تمامًا، نتيجة إجراءات الوقاية والسلامة، وما فرضته من حجر وإغلاق وتباعد اجتماعي.

تنظر مليًا إلى لوحةٍ زينت بها أحد جدران غرفتها، وتكمل: "لا أرسم إلا ما يطلبه الزبائن مني عبر صفحتي، وهم قلة، فمن المستحيل أن يضحي أي مواطن بمبلغ من المال مقابل لوحة، مهما كانت عالية الجودة والجمال، في الوقت الذي يستطيع أن يوفر بالمبلغ ذاته، طعامًا وشرابًا لأهل بيته يكفيهم أيامًا في ظل الأزمات الاقتصادية المتلاحقة".

اضطرت الأسطل للعمل في تغليف الهدايا، عن ذلك تتابع: "هو أمر كنت أفعله في أوقات الفراغ لمن أحب من الأهل والأصدقاء، لكن وتحت ضغط الظروف الحالية، وتوقف كل أشكال العمل في المؤسسات الأهلية بما يتعلق بمشاريع كنت أعمل ضمنها، وندرة الطلبات على رسم البورتريه، لم أجد بُدًا من العمل في أي مجال".

ليس من السهل (والحديث لإلهام)، بعد سنواتٍ من العمل في مجال الفن، أن تغامر باسمها الذي صنعته، وأن تقدم تنازلاتٍ بالعمل في غير مجالها، أو حتى الرسم بأدواتٍ ذات جودة رديئة، ملفتةً إلى أن دور وزارة الثقافة في هذه الأزمة، في دعم ومساندة الفنانين التشكيليين في قطاع غزة لا يُذكر.

لم تستوعب الأسطل فكرة التقليل من ثمن لوحاتها، أو تبخيس قيمتها، ما جعلها تتعامل مع الفترة الحالية على أنها "استراحة مقاتل"، تستجمع فيها قواها لتعود في ظروف أفضل بقوةٍ أكبر.

لكن الأمر مختلف بالنسبة للفنان الذي برع في الرسم بالحرق على الخشب، ناجي نصر (43 عامًا)، ففي نظره الحياة تحتاج إلى عمل، ومسؤولياته تجاه أسرته تضطره إلى تقديم تنازلات من أجل استمرار الحياة.

نصر الذي يعد من ذوي الإعاقة، لإصابته في إحدى قدميه، أعلن عبر صفحته الخاصة عن تخفيض أسعار اللوحات، لتصبح اللوحة ذات المقاس الصغير بقيمة 30  شيكلًا، وهو مبلغ لا يساوي الجهد المبذول ولا القيمة الفنية للوحة، "وحتى هذا التخفيض لن يقابله إقبال على شراء اللوحات الفنية، فأي مفاضلة للمواطن بين لوحة فنية، أو دجاجتين لأطفاله، ستفوز بالتحدي الثانية دون أدنى شك" يقول.

يزيد: "المواطن مع دخول فايروس كورونا، بات مطحونًا أكثر من قبل، في السابق، كانت لي في فندق المشتل زاوية دائمة، وكانت الأمور تسير على خير، حيث كنتُ أعتمد في تحصيل رزقي من تلك الزاوية على الوفود التي تزور القطاع من حين لآخر، ما جعلني أبدو محظوظًا بالنسبة لغيري من الفنانين، ناهيك عن تميز لوحاتي، ودقة تفاصيلها".

ومع ضرورات المرحلة، لجأ نصر إلى تغيير الخامة التي يستخدمها في الرسم، فاتخذ بديلًا لخشب الزان في لوحاته الجديدة، خامة الكرتون الأقل تكلفة، التي تتماشى مع المقدرة الشرائية للزبائن، ويكمل: "حتى بعد أن بخست من سعر اللوحات لم يأتيني خلال الأيام الماضية سوى طلبين، ولكي أكون صادقًا، أنا لا أملك المال لشراء أدوات الرسم ومتطلباته في الوقت الحالي".

الفنانون في قطاع غزة، وحتى قبل جائحة "كورونا"، يعانون من ارتفاع أسعار الأدوات والمواد الخام، الأمر الذي يعرقل في كثير من الأوقات عملهم، ويدفعهم للجنوح عن الرسم، حتى نصر الذي يرسم بالحرق على الخشب أو الكرتون، لم يتمكن من شراء الماكنة المختصة للرسم بالحرق، لعدم توفرها في قطاع غزة، وصعوبة إدخالها أيضًا من قبل الاحتلال "لأسبابٍ أمنية".

وينتقد نصر كما زميلته الأسطل، دور وزارة الثقافة أو حتى المؤسسات الموسومة بالثقافة، في دعم ومساندة الفنانين التشكيليين في قطاع غزة، وتمكينهم من الصمود في مواجهة كافة الأزمات، بل إنه لا ينسى أبدًا أنه اضطر ذات يوم لعرض لوحاته في الشارع، ولم يجد من يمد له يد العون حينذاك أبدًا.