المواءمة وفرص العمل.. أغلالٌ تكبّل ذوي الإعاقة بغزة
تاريخ النشر : 2020-12-03 15:46

غزة:

"الاحتلال أولًا"، تقول الشابة سهام عويضة -وهي من ذوات الإعاقة الحركية- ردًّا على سؤال "نوى" عن أبرز المشكلات التي تواجه ذوي الإعاقة في قطاع غزة، ثم أكملت: "مواءمة الأدوات المساعِدة، ومرافق الحياة، بالإضافة إلى شح فرص العمل والتوظيف".

عويضة التي تسكن منطقة النصيرات وسط قطاع غزة، تعمل منذ عامٍ ونصف على مشروع صنع الإكسسوارات بالخيوط والخرز، بعد أن حوّلت موهبتها إلى مهنة، وهي في الوقت ذاته تتطوع ضمن مجلس إدارة الاتحاد الفلسطيني لذوي الإعاقة، لغاية تقديم خدمة مناسبةٍ لأقرانها.

وفي اليوم العالمي لذوي الإعاقة، الموافق الثالث من ديسمبر، من كل عام، قدّر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عدد ذوي وذوات الإعاقة في فلسطين، بـ 92,710 شخصًا، أي ما نسبته 2.1% من مجمل السكان، موزعين بنسبة 48% في الضفة الغربية، و52% في قطاع غزة.

بالعودة إلى سهام، فتضيف: "المؤسسات تتعامل مع الأشخاص ذوي وذوات الإعاقة من منظور التعاطف والمساعدة، وحتى من يديرون المؤسسات الخاصة بنا كذوي إعاقة، هم من الأشخاص غير ذوي الإعاقة"، متساءلةً بعد لحظة صمت: "لماذا لا نكون نحن؟!".

سهام: حتى الأماكن تمت مواءمتها، لم يتم تأهيلها بالشكل السليم، فكثيرًا ما نرى المدخل مرتفع جدًا أو بَعده سلالم

منذ عام 2011م نشطت سهام إلى جانب مجموعة من النشطاء والناشطات، دفاعًا عن حقوقهم، ومطالبةً بتمثيل أنفسهم كونهم الأقرب لاحتياجاتهم، تقول: "كثيرون آمنوا بهذا ودعمونا، ووفروا لنا التدريبات اللازمة، حتى تمكّنا من تمثيل أنفسنا".

تكمل: "منذُ أن تسلّمنا عضوية مجلس إدارة الاتحاد، حدثَت نقلة نوعية، نريد أن نكون نموذجًا، ونؤسس بإيجابية للجيل القادم مثلما أسس لنا من سبقَنَا، ومع ضخ دماء جديدة في الاتحاد، نعمل على تفعيل قضيتنا من منظور الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التي صادقت عليها دولة فلسطين عام 2014م، حصلنا على تدريبات بخصوصها، ونسعى لتطبيقها".

لكن الشابة التي لم تحظَ حتى الآن بفرصة عمل، وتدير شؤونها الخاصة من خلال مشروعها الذي تعاني فيه من تبعات الحصار الإسرائيلي، وعلى رأسها الفقر الذي يخيّم على قطاع غزة، وتسببّه في صعوبة التسويق، وغلاء المواد الخام التي تحتاجها.

"أكثر من 48 ألفًا من ذوي وذوات الإعاقة في قطاع غزة، يواجهون مشكلة عدم مواءمة المرافق والأماكن العامة"، تزيد سهام، و"حتى تلك التي تمت مواءمتها، لم يتم تأهيلها بالشكل السليم، فكثيرًا ما نرى المدخل مرتفع جدًا أو بَعده سلالم، وهذا ليس مواءمة صحيحة، إضافةً إلى عدم مراعاة مواءمتها لأصحاب الإعاقات البصرية والسمعية".

الأكثر صعوبة بالنسبة لها، أنه حتى المعارض التي يتم إقامتها بغرض التسويق، عادة لا تكون موائمة لاحتياجاتهم، لا من حيث المدخل ولا طبيعة المرحاض الذي يحتاجون لاستخدامه.

لكن الأقسى هو الانتهاكات الإسرائيلية، فحين تحدث عمليات القصف، ويهرب الناس، كثيرًا ما يحول الركام بين الشخص ذي الإعاقة وكرسيِّه المتحرك، أو أداته المساعدة، أو يتسبب في خروجهم إلى مناطق ليست موائمة لهم على الإطلاق.

تمامًا كما تقول سهام: "حدث هذا في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014م، حين اضطررنا وتحت القصف الإسرائيلي للهروب من منزلنا الذي يوائم احتياجاتي، واستأجرنا منزلًا غير مناسب نهائيًا".

وتعلّق: "أسكن شرق منطقة النصيرات، وكنت تحت الخطر، كثيرون مثلي عند القصف تكسّرت كراسيهم المتحركة، واضطر ذووهم لحملهم، صحيحٌ أنهم نجوا من الموت ولكن تخيلوا الحالة النفسية التي عاشوها أثناء الحدث".

وتكمل: "إن الانتهاكات الإسرائيلية لا تقف عند هذا الحدّ، فمن يلعبون في بطولة السلة من ذوي الإعاقة، يحرمون حتى الآن من السفر لتمثيل فلسطين في البطولات الخارجية، بداعي عدم صدور تصاريح لهم من قبل الاحتلال الإسرائيلي، هذا محزن ومؤسف ويزيد واقعنا سوءًا".

تمامًا، هذه الانتهاكات يعاني تبعاتها الشاب بدر مصلح من دير البلح وسط قطاع غزة، وهو من الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية.

بدر: حرمني الاحتلال من المشاركة في مؤتمر دولي للحديث عن تجربة الأشخاص ذوي الإعاقة في فلسطين

الشاب الذي درسَ التاريخ والآثار، وبدأ عقده الثالث من العمر، حرمه الاحتلال الإسرائيلي السفر إلى خارج قطاع غزة لحضور فعاليات وتمثيل فلسطين، يقول لـ "نوى": "الاحتلال يحرمنا الكثير من الأدوات التي نحتاجها، ويمنع دخولها إلى قطاع غزة المحاصر منذ 14 عامًا، إضافة إلى منع الحركة الرياضية من الخروج للمشاركة في معسكرات رياضية في الضفة الغربية".

يتابع: "في العام الماضي، حرمني الاحتلال من المشاركة في مؤتمر دولي للحديث عن تجربة الأشخاص ذوي الإعاقة في فلسطين، رغم صدور ورقة عدم ممانعة من الأردن، التي كنت سأمرّ من خلالها إلى جنوب إفريقيا، حيث مكان المؤتمر، وقبلها مُنعت من المشاركة في تدريبٍ حول حقوق الإنسان بالتعاون مع "أونروا"، ولا أدري لماذا يمنعنا الاحتلال من هذه الحقوق؟".

إلى جانب المعوقات التي يتسبب بها الاحتلال، يشتكي الشاب عدم وجود أي من أدوات المساعدة الخاصة بذوي الإعاقة البصرية، التي تعينهم على القراءة والسير مثل جهاز "البولميس" أو "البرايت"، وتكلفتها تتجاوز 4000 دولار، وكذلك العصا الذكية التي تحتوي على جهاز الإنذار المبكر، والنظارة الذكية، وكلها لا تتوفر في قطاع غزة، وتكلفتها تتجاوز قدرات ذوي الإعاقة وإمكانياتهم.

يضيف: "أبسط الأشياء التي نحتاج إليها هي جهاز هاتف الآيفون، الذي يوفر الكثير من الإمكانيات لنا، لكن تكلفته عالية، فالفقر لصيق بذوي وذوات الإعاقة، وربما يفكر الواحد منا ألف مرة قبل اقتناء مثل هذا الجهاز".

يعمل الشاب كناشطٍ في مجال حقوق الأشخاص ذوي وذوات الإعاقة، وهو مدرّبٌ ومنشّطٌ أيضًا، لكنه يشتكي كما غيره من صعوبة فرص العمل خاصةً بالنسبة لهم، فهو لا يعمل إلا حال توفرت مشاريع تخصهم، رغم امتلاكه شهادة وسنوات خبرة.

يقول: "وفقًا لقانون حقوق ذوي الإعاقة في فلسطين، الأصل أن يتم توظيف 5% منهم في كل القطاعات، لكنه غير مطبّق، حتى في المؤسسات الحكومية النسبة أقل من ذلك".

ولا تقف مشاكلهم عند هذا الحد؛ فهم حتى ليس لهم من ممثلٍ في المجلس التشريعي يرفع صوتهم، والتجربة أثبتت أنه لا يرفع صوت أي من الفئات بالشكل المناسب، إلا من يعيش تجربتهم.

علاوةً على ذلك، بعضهم يحصلون على مخصصاتٍ ضعيفة من وزارة التنمية الاجتماعية، لا تتجاوز 750 شكلًا، فماذا ستكفي؟ إن الاحتياجات تتزايد والحلول تتراجع، والأشخاص من ذوي وذوات الإعاقة بحاجة إلى حلول حقيقية.

وأكد تقرير صدر بتاريخ اليوم، بمناسبة اليوم العالمي لذوي وذوات الإعاقة، عن منظمة "هيومان رايتس" لحقوق الإنسان، أن الاحتلال الإسرائيلي عمل على مدار 13 عامًا على عرقلة حرية التنقل لأبناء هذه الفئة، وأن سياسة الاحتلال المُقيِّدة لدخول الكثير من البضائع إلى قطاع غزة، حالت دون وصولهم إلى الكثير من الأدوات المساعدة، والحصول على الرعاية الصحية اللازمة.