شبكة نوى | قطاع غزّة:
على أنغام أغنية "زِفّوا العِرسان" تبخترت إيمان سعيد نحو كرسِي العروسِ تلوّحُ لكل من حضَر، وعلى صوت "مبروك يا حياة قلبي مبروك" انتهت المراسم وبدأت الحكاية.
هي قصة طفلةٍ تم تزويجها ابنة ستة عشر عامًا، لا تعرف عن الحياة إلا صور "السيلفي" التي كانت تلتقطها في غرفتها الوردية مع عرائسها الجميلة، صارت بين يومٍ وليلة: "عروسًا" حقيقية!
تروي إيمان التفاصيل بصوتٍ تقطّع عبر سماعة الهاتف: "لا أنسى ذلك اليوم، قبل نحو عام ونصف، وبينما كنت أحلُّ واجباتي المدرسية، قاطعني صوت أمي يناديني: إيمان البسي أحلى شي عندك، في ناس جايين يشوفوكي".
لم تعارض الفتاةُ بدايةً، لبست وتزيّنت ثمّ خرجت لتنقدها "الخطّابة" –وفق قولها- أخذت أم العريس تنظر نحوها بتمعّن، من أعلى رأسها حتى أخمص قدميها، ثم قالت لها بالحرف الواحد: "بتعرفي، أنا عيني عليكِ من زمان لابني محمد". وبالمناسبة يومها وصفت الأم ابنها بالقول: "هو صنايعي وشاطر، وطيب، وحليوة".
هي قصة طفلةٍ تم تزويجها ابنة ستة عشر عامًا، لا تعرف عن الحياة إلا صور "السيلفي" التي كانت تلتقطها في غرفتها الوردية مع عرائسها الجميلة، صارت بين يومٍ وليلة: "عروسًا" حقيقية!
تكمل إيمان: "لم أحصل على فرصةٍ للتفكير، كل من حولي دفعوني نحو الموافقة تحت مغريات مختلفة: سيجعلك تكملين تعليمك، الشاب لا يعوض، إنه طيب وخلوق، هذه فرصة، البنت ليس لها سوى بيت زوجها بالنهاية، حتى تفوّهت بـ "نعم"، وصرت على ذمته زوجةً خلال شهرين فقط".
هما أسبوعان، لا ثالث لهما، قضتهما الطفلة في غرفتها "عروسًا في منزل العائلة"، بين 15 فردًا طُلب منها أن تساعد بإعداد الطعام لهم يوميًا، وأن تستيقظ فجرًا لأجل تجهيز 80 رغيفًا لسد جوعهم مرةً كل ثلاثة أيام.
لم يكن هذا الكابوس وحده الذي يقض مضجع إيمان "العروس"، فبعد أسبوعٍ من الزواج، سألت عن وضع المدرسة (حسب المتفق عليه)، فمنعها بالقوة، لقد وصل به الحال إلى انتزاع حقيبتها المدرسية عن ظهرها بعنف، فكانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير.
لقد هربت إلى بيت عائلتها التي حاولت -هي الأخرى- إقناعها بأن المدرسة ليست "المستقبل"، وأن المستقبل هناك في بيت زوجها فقط، إلا أنها هذه المرة قررت أن تتنازل أكثر، قالت لا، ومضت المفاوضات تأكل الوقت حتى مرّ شهر.. حينها اكتشفت إيمان أنها تمضي في طريقٍ لا رجعة فيه، إيمان الطفلة حملت، وصارت تنتظر مولودها!
تسعة أشهر من آلام الحمل وصلت إلى نهايتها بمخاضٍ عسير وولادة صعبة، جعلتها تكره نفسها وحياتها، فجسمُها النحيل لم يكن يحتمل، كما أن قدرتها الاستيعابية على التعامل مع مولودها الذي لم تملك حتى حق تسميته منذ شهرٍ (حين وضعته) حتى يومنا هذا، جعلها تعيش كابوسًا صعبًا تتمنى الخلاص منه ببيئةٍ آمنةٍ سليمة، تعيش مع طفلها فيها، بشكلٍ أنضج وأوعى.
في السياق، تقول مريم شقورة مديرة مركز صحة المرأة في جباليا شمال قطاع غزة: "التزويج المبكّر للطفلات، يسبب آثارًا اجتماعية ونفسية قاتلة، أبرزها الحرمان من الحق في التعليم، والخروج من مقاعد الدراسة بشكل مبكر، بالإضافة إلى حرمانهن من فُرص العمل، وهذا أمرٌ يسهم في زيادة نسبة الفقر، من خلال تكوين الأسر الجديدة في ظل أوضاعٍ اقتصادية متردية".
وبالطبع، يؤدي التزويج المبكر أيضًا إلى حرمان الطفلات حقهن في اللعب وممارسة مقتضيات الطفولة، بالإضافة إلى دفعهن في دوامات متعلقة بالعلاقات الاجتماعية، فتمر الطفلة بثقافات جديدة لم تكن تعرفها، وربما يصعب التأقلم معها.
مركز عايشة: غالبية قضايا المشاكل الزوجية يتراوح سن الزواج فيها بين 15 و16 عامًا، وقد وصلهم في الجمعية عام 2019م ما يقارب 481 حالة طلاق، بينها 192 حالة زواج مبكر، أي ما نسبته 40%.
وتتابع: "أعراض الاكتئاب مع الحمل أو بعد الولادة والأمراض الأخرى، كلها أمور تدفع إلى اضطراب العلاقات الزوجية التي تصبح عرضةً للعنف والتوتر، وتؤدي في كثير من الأحيان إلى انفصال الطفلات بعمر مبكر أيضًا عن أزواجهن".
وبحسب شقورة، فإن الفقر يمكن أن يُصنف كأحد أهم أسباب التزويج المبكر، والطلاق المبكر في الوقت ذاته، منبهةً إلى أنها ظاهرة لا تزال تتطلب الكثير من الجهود لمحاربتها، ولا يزال العمل مستمرًا في ورش التوعية والمساءلة وأنشطة المناصرة للحد منها أو منعها إن أمكن.
ويحاول مركز صحة المرأة، تمكين الفتيات اقتصاديًا، وتوعية كلا الجنسين وجاهيًا، وأيضًا عبر الميديا والحلقات التلفزيونية والإذاعية، وحملات مناهضة العنف ضد المرأة بأشكالها المختلفة، للوصول بتفكير الفتيات الفلسطينيات نحو الاستقلالية بالطموح والفكر وبناء الهدف والمستقبل، قبل التفكير بتأسيس أسرة أو تحمل المسؤولية.
وفي تصريح صحفي لمركز "عايشة" لحماية المرأة والطفل، فإن غالبية قضايا المشاكل الزوجية يتراوح سن الزواج فيها بين 15 و16 عامًا، وقد وصلهم في الجمعية عام 2019م ما يقارب 481 حالة طلاق، بينها 192 حالة زواج مبكر، أي ما نسبته 40%، مما يؤكد انتشار ظاهرة الزواج المبكر في قطاع غزة.