"جراب" الحاج ما زال يحوي الكثير
تاريخ النشر : 2020-11-24 10:28

النصيرات

خلف طاولة خشبية بسيطة، تتوسط ورشة فنية صغيرة، تزين جوانبها مجسماتٍ فنية متعددة، يقضي الستيني أبو رمزي الحاج ساعات من العمل يتطلبها إدخال قطع خشبية داخل قنينة زجاجية، وتركيبها على شكل سلم وتكراره لأكثر من مرة عند كل خطأ، تزيد من عزيمته وتصميمه على إنجاز المهمة بإتقان.

يقول وهو يتأمل الزجاجة المملوءة بالسلالم الخشبية الملونة:" يتساءل كل من يزورني كيف أدخلت السلالم الخشبية من عنق الزجاجة".

يروي الحكاية وهو فخور بما أنتج:" في إحدى زياراتي للأردن الشقيق شاهدت داخل أحد المعارض زجاجة محشوّة بسلّم خشبي، جعلني أفكر كثيراً، إلى أن توصلت للطريقة التي يمكنني بها إدخال سلالم بدلًا من سلم واحد".

عن هذا السر يقول:" الأمر يحتاج للصبر قبل كل شيء، ثم كان عليّ القيام بتصنيع أدوات خاصة تساعدني في إتمام العملية، عبارة عن ملقط حديدي طويل، وذو أطراف دقيقة، وذراع بذات الطول، منبسطة في نهايتها، أتم من خلالها عملية تركيب السلالم داخل الزجاجة نفسها"

رغم أن الأمر يحتاج الكثير من الوقت والجهد الدقيق إلا أن النتيجة تكون حافزاً للاستمرار وفق ما يؤكد الستيني أبو رمزي الحاج.

لا يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ بل أن العم أبو رمزي وطوال فترة الإغلاق الذي فُرض بسبب جائحة كورونا، عاود العمل على شغفه القديم، بتحويل مخلفات البيئة لتحف وأشكال فنية مميزة.

يقول:" طوال عمري وأنا شغوف بالفنون، وعملت لسنوات طويلة في كلية مجتمع تدريب غزة التابعة لوكالة الغوث، الأمر الذي كان يغذّي روحي دوماً بكل ما هو جميل، وبعد انتشار جائحة كورونا وضرورة الالتزام بالمنزل بدأت أفكر بضرورة استثمار فترة الحجر بما ينفع ولا يضر".

يتابع وهو يشير بيده نحو مجسّم للمسجد الأقصى وقبة الصخرة:" طوال عمري أتمنى تجسيد المسجد الأقصى، بكل تفاصيله، ولذا كانت البداية بتجسيده بالكرتون".

في زاوية أخرى من ورشة الحاج أبو رمزي مجسّم لغرف منزلية وآخرى لعمارة سكنية كاملة، وفيلا، وشاليه سياحي ومسمكة، يزينها آنية تراثية فلسطينية".

يشد الستيني الحاج أي قطعة بالية ويشغل تفكيره طويلاً في كيفية استثمارها بشكل فني، يخفف من المخلفات البيئية ويحولها لمنظر جمالي جذاب.

ينتقد الحاج أبو رمزي تجاهل وزارة الثقافة والمؤسسات الثقافية للمواهب المدفونة في قطاع غزة، التي هي أكثر من أن تحصى، متمنياً أن يتم الاهتمام بهذه المواهب وإبرازها.

عقل الستيني النشيط لا يتوقف مطلقًا عن التفكير فيما يمكن تقديمه، وكيفية استثماره لكل شيء حوله، فهو ما زال يحلم بمشروع القرية الفلسطينية منذ الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، شارحًا:" تقوم الفكرة على تخصيص مساحة كبيرة من الأرض الزراعية لزراعة كل ما تنتجه فلسطين، إلى جانبها استقدام سيدات يعملن في جميع المصنوعات اليدوية التراثية، لتعبّر هذه القرية عن كل فلسطين".

حلم ما زال يرويه الحاج أبو رمزي وان كان الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، جعل من الصعوبة بمكان التفكير في مشاريع سياحية، لكنه يرى أننا بلا أمل نتحول لأموات أحياء.

يطمح الستيني أبو رمزي الحاج للمشاركة في معارض دولية، يمثل فلسطين مشدداً على أهمية تحويل مخلفات البيئة وإعادة تدويرها بما يخفف من حدة التلوث البيئي.

لا يأس مع الحياة حكمة يؤمن بها أبو رمزي، الذي يحب الفن والحياة والطموح الذي لا يحده عمر، مؤكداً أننا لا يجب أن نقيد طموحاتنا ومواهبنا بسبب العمر، وقال:" لازم نعمل ما نحب والعمر مش بالسنوات".

يفخر الحاج أبو رمزي بمنتجاته ويواصل تطويرها ولا يحدّه أو يقلل من عزيمته أي انتقاد:" أنا أصنع شيء جمالي من لا شيء، وأحول القبيح إلى جميل، هذا أمر يدعو للفخر لا العكس".