خطى...مبادرة أم لتحقيق حلم طفلتها في المشي
تاريخ النشر : 2020-11-23 19:49

 رام الله:

"ابنتك مصابة بشلل دماغي"، تلعثمت الأم شروق البرغوثي وهي تحمل طفلتها شام عند الطبيب الذي أخبرها بالحقيقة المؤلمة قبل ستة أعوام، ولم تجد كلامًا سوى حبس دموعها، لتنقلب حياتها رأسًا على عقب منذ ذلك الحين، وتبدأ رحلة البحث عن علاج داخل وخارج فلسطين دون أمل!

قبل ثماني سنوات، وُلدت الطفلة شام في شهرها السابع، وتم نقلها إلى حضانة المستشفى في مدينة رام الله مدة أربعين يومًا، ثم عادت برفقة والديها إلى بيتهم، دون معرفة تفاصيل ما حدث معها، بدأت الطفلة بالنمو دون أن تخطو كما يفعل أقرانها من الأطفال.

كانت شروق كما كل الأمهات تنتظر بحبّ وشغف رؤية طفتها وهي تحبو ثم تخطو خطواتها الأولى، تعدّ الأيام وهي تُمنّي نفسها باللحظة التي تراها وهي تحاول الوقوف ثم تضحك وتسقط ثم تقف من جديد حتى تتم مراحل المشي الأولى، لكن كل هذا لم يحدث.

توجه والدا شام لعدة أطباء، وكان التقدير بأن الطفلة وُلدت مبكرًا ومن الطبيعي أن تتأخر في المشي، حتى بلغت العامين، فلجأ الوالدان إلى أطباء الأعصاب، حيث تلقت الخبر الصادم بأن نقصًا في الأكسجين أثناء ولادتها تسبب بشلل دماغي أثّر في قدرتها على الحركة.

قادتها الصدفة للتعرف على أطباء خارج فلسطين يجرون العملية التي تحتاجها شام ابنة العامين، وتسمى "SDR"، لكن تكاليف العملية تقدّر بـ (90 ألف دولار)، قررت البرغوثي وهي أم لخمسة أطفال أيضًا إطلاق مبادرة لجمع تكاليف علاج ابنتها فهي تراها ككل الأطفال تستحق أن تلعب وتمرح وتركب الدراجة وتتعلم الدبكة الشعبية.

بدأت شام تتلقى العلاج الطبيعي وإبر البوتكس المؤلمة كَحَلٍّ مؤقت، تمكّنت من المشي في عمر ثلاث سنوات ونصف ولكن كانت تعاني من فقدان التوازن وشدّ في وتر الساق، واعوجاج القدم اليمنى.

طرقت العائلة أبواب أطباء الأعصاب في الضفة الغربية والأردن والداخل المحتل بحثُا عن علاج لطفلتهم دون أمل، رأت خلال هذه السنوات خلال ترددها المستمر على العيادات حالات لأطفال يلازمون الكرسي المتحرك وحالات أصعب من شام، وهو ما جعلها تشعر أن مصابها أخفّ من غيرها.

"كنت أبكي في كل لحظة على ابنتي، أتمنى لو أجوب العالم جيئة وذهابًا بحثًا عن طبيب ينجح في علاج شام"، تقول الأم وهي تجاهد من أجل التماسك، كي تبقى طفلتها قوية.

بدأت الطفلة تكبر وتجد نفسها تخرج في عربة بينما شقيقاتها الثلاثة وشقيقها الأصغر، يمشون مع والديهم، وهي تحتاج للمساعدة في تبديل الملابس ونزول وصعود الدرج، وبدأت بطرح الأسئلة على والديها، حتى أخبروها أنها مميزة عن غيرها، وأن الله منحها شيئًا مقابل شيء أخر.

في روضة الأطفال والمدرسة، أصبحت شام تواجه التنمر وطرح الأسئلة من الأطفال، ومنهم من كان يقلّد مشيتها، كانت في البداية تصل منزلها باكية، لكن والدتها كانت تجلس تشرح لها، فصارت الطفلة أكثر قدرة على المواجهة.

ذات يوم تلقت شروق اتصالًا من صديقتها تطلب منها مشاهدة برنامج "كلام نواعم" المعروف، وكان يتناول قصة علاج طفلة تسمى زينة مصابة بالشلل الدماغي.

بحثت شروق عبر الانترنت عن صاحبة القصة وهي والدة الطفلة زينة التي أطلقت حينها مبادرة في الأردن بعنوان (يلا نملّي الدنيا ورد) بعلاج ابنتها.

تواصلت البرغوثي مع والدة الطفلة، التي أعلمتها أن زينة أجرت العملية في الولايات المتحدة، ليتجدد الأمل بعلاج شام، وبمساعدة والدة زينة بتعبئة البيانات والإجراءات، تواصلت البرغوثي مع الطبيب بعد ثلاثة أشهر من إرسال التقارير الطبية، فأعلمها أن شام يمكنها إجراء العملية وتصبح أقرب للوضع الطبيعي.

لم تقف تكاليف العملية الباهظة عائقًا أمام قرار عائلة شام بإجراء العملية، حيث واصلت والدتها الليل بالنهار في البحث عبر الانترنت، لتصل لمجموعة على "الفيسبوك" باسم "الشلل الدماغي الحركي "SDR"، وعلمت منها أن طبيبًا في الأردن يجري العملية ذاتها.

تواصلت البرغوثي مع أهالي أطفال خضعوا لعملية "SDR" في الأردن، ليرسلوا لها فيديوهات قبل وبعد العملية، وبذلك قررت إجراء العملية عند أحد الأطباء في الأردن، بتكلفة مالية تصل إلى 20 ألف دينار.

"لن تقف التكلفة المالية عائقًا أمام تحقيق حلمنا"، تقول البرغوثي التي أطلقت مبادرة "خطى" لجمع تكاليف العملية في ذكرى ميلاد شام بأكتوبر الماضي، وهي عبارة عن بيع أكواب تحمل شعار "خُطى" وعبارة "دع أحلامك تغير الحياة".

لاقت المبادرة والفيديو المرفق الذي يوضح المراحل العمرية لشام وقصّتها رواجًا كبيرًا، وبدأ تفاعل الناس معها، كما تواصل معها أصحاب المحال والمطاعم وبادروا بالتسويق لبيع أكواب "خطى".

تقول البرغوثي: “الهدف من المبادرة هو التوضيح للناس عن معاناة الأطفال المصابين بالشلل الدماغي، وتعريف من لديهم هذه الحالات بعملية "SDR"، والمبادرة مستمرة لتأمين العلاج لأطفال أخرين سواء ممن يعانون من الشلل الدماغي أو أمراض أخرى". 

بعد شهر ونصف فقط، تمكنت العائلة من جمع تكاليف العملية، ليحدد الطبيب موعد إجراء عملية شام في الثامن عشر من ديسمبر/كانون الثاني القادم.

تقول الطفلة شام: “سيتحقق حلمي بركوب الدراجة الهوائية، وسأتعلم الدبكة، وأركض وألعب، وسأخرج في العيد برفقة شقيقاتي وصديقاتي، ولن أجلس في العربة".