عن إطلاق التحالف الوطني لإقرار قانون حماية الأسرة
تاريخ النشر : 2020-11-22 19:40

كان لتسارع وتيرة الهجمة الشرسة والمنظمة على مسودة قانون حماية الأسرة من العنف وعلى المدافعين والمدافعات عنه والداعين والداعيات لإقراره دون تأخير؛ الفضل في نجاح التوجه لتشكيل التحالف الوطني العريض للعمل معاً لإقراره. وقد جاء اقتراح تشكيل التحالف من قبل قيادات فصائل العمل الوطني خلال الاجتماعات التي توجه الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية إلى عقدها مع الأمناء العامين لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية بالشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني التي تجمع مؤسسات وازنة ومع المراكز والجمعيات والأطر النسوية، حيث ارتأى الجميع أن مثل هذا الائتلاف مع الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني ضرورة ملحة، لأن مهمة إقرار قانون لحماية المجتمع من العنف ليست مسؤولية المرأة فحسب بل هي مسؤولية مجتمعية مشتركة لكل القوى والمنظمات المدنية المؤمنة بالمساواة والعدالة الاجتماعية والمواطنة.
ولم يكن عرضياً أو اعتباطياً إطلاق التحالف بذكرى مرور 32 عاماً على إعلان الاستقلال في الجزائر العام 1988، بل كان مدروسا من حيث التوقيت؛ للتأكيد على والتذكير: بمضامين الإعلان الأهم الذي وضع المبادئ الحقوقية العامة للدولة الفلسطينية المنشود بناؤها مثلما حدد المنظور العام لهوية المجتمع الفلسطيني إذ تضمنت وثيقة الاستقلال ركائز الحكم الديمقراطي الرشيد القائم على أساس تشييد دولة المواطنة التي تساوي بين مواطنيها دون تمييز بينهم، دولة القانون التي تعمل على تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية في إطار نظام ديمقراطي تعددي يتسع لجميع الأطياف السياسية والفكرية والاجتماعية.
وليس من شك ان تشكيل التحالف احتاج فرض نفسه على جدول الأعمال لدى كل المعنيين بديمقراطية المجتمع وتعدديته الفكرية والثقافية بعيداً عن التظلل الخطابي والشكلانية. فاللجوء إلى بناء الشراكات الفاعلة سبيل لا بد من سلوكه في اللحظات التي تتعقد بها الطرق، نتيجة ازدياد نطاق هجمة التحالف «الأصولي العشائري» وبعد إجراء المراجعة والتقييم للوضع القائم اجتماعياً وفحص الأهداف المرصودة والتحقق من أثر الأعمال في البيئة الاجتماعية والسياق الفلسطيني العام.
لا شك أنها عملية مُلحّة إذا ما تم أخذ الحاجة للقانون والقوى المضادة له والأثر الذي أحدثته الهجمة الترهيبية عليه، وإذا تم أخذ المهمة بجدية لمعالجة الخلل المترتب على الفراغ القانوني نحو إيجاد منظومة متكاملة للحماية. ومن الأمور المهمة راهنا ومستقبلا أن الجميع بات مقرا بأن الحاجة قد أصبحت مُلحة اكثر من أي وقت مضى إلى تشكيل منظومة الوقاية والحماية الاجتماعية للمجتمع عموماً والأسرة بشكل خاص، بسبب أن العلاقات فيما بين أفرادها تتشكل بناءً على علاقات النفوذ والقوة.
لقد أُطلق التحالف ليشكل المُعادل لاختلال المشهد المجتمعي العام وهذا أمر في منتهى الأهمية لمواجهة مزاعم الاتجاه الأصولي المحافظ ان من يقف مع القانون وقضايا المرأة هم قلة من النساء، حيث أظهرت المواقف وردود الفعل الرد المنسجم للمجتمع بشكل متجانس ومتطابق دون تباينات، وهو أمر ليس بالجديد عموما فالمجتمع الفلسطيني منذ الأزل يتميز بالتعدد في القيم والمواقف نظرا للتعددية الفكرية والاجتماعية والسياسية.
وبقناعتي ان دخول رجال الدين المتنورين على خط دحض الاتهامات الباطلة والمزورة والمسقطة دون أساس لقانون حماية الأسرة من العنف، ما هو إلا دليل إضافي على صوابية التوجه النسوي نحو الشراكة المجتمعية الواسعة لصد تلك الهجمة المرتدة التي يقودها اتجاه رجعي يلبس عباءة الدين ويستخدمه بطريقة هدّامة وغير إيجابية لتبرير حالة العنف المتمادية في المجتمع.
ويبقى السؤال الأهم ماذا بعد تشكيل التحالف؟ لا بد من التحرك نحو الأمام خطوة ثانية آخذين بعين الاعتبار الدروس المستفادة مما وقع مع قانون الضمان الاجتماعي الذي تعرض لهجمة أيضا غير مسبوقة من تيارات متقاطعة مع الهجمة على قانون حماية الأسرة، وانتهى به الأمر إلى التجميد؛ وهو ما أضر بمصالح قطاعات اجتماعية عريضة ولا سيما الفئات الشعبية الفقيرة المنكشفة اقتصادياً، التي زاد انتشار وباء كورونا من انكشافها وفقرها ومعاناتها وأضاف اليهم الأدقع فقراً.
والمفارقة، ان تلك الفئات المتضررة هي التي اسْتُخْدِمَت وسيقت لرفض قانون الضمان الاجتماعي ولنزع شرعيته لصالح الطبقة الاقتصادية المتنفذة. هذه تجربة عميقة الدلالات، وعلى التحالف الوطني ان يتنبه الى ألا يواجه قانون حماية الأسرة من العنف مصير قانون الضمان الاجتماعي لأن في ذلك إضرارا بمصلحة المجتمع ككل وليس بالمرأة فقط.
لقد أشار المؤتمر إلى أن القانون ما كان ليواجه الهجمة لو أن التراتبية في اتخاذ القرارات تأخذ مسارها الطبيعي، حيث اتخذت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير القرار وطالبت بصدور القانون، ومن الطبيعي أن تلتزم الحكومة بقرار الجهة الأعلى منها، ولكن ما حصل هو مزيد التأجيل والتلكؤ وتسويفها إلى المجلس التشريعي القادم..؟!
ماذا بعد؟ لقد قدم المؤتمر قائمة المهام المنتظر من التحالف حملها، وذلك في الطريق إلى إقرار القانون، وعلى رأسها أن تحمل القوى السياسية القانون بيدها إلى الرئيس محمود عباس بعد حثّ الحكومة ومطالبتها استكمال القراءة الثالثة لمسودة القانون وتنسيبه كما فعلت الحكومة السابقة، والحكومة ليست مخيَّرة في صدور القانون، لأن القانون حق وواجب عليها تأديته انطلاقاً من مسؤوليتها ومهمتها.