طالبة الطب التي حوّلت التشريح إلى لوحات فنية
تاريخ النشر : 2020-11-18 09:34

بيت لحم

من بين كتب التشريح ومراجع الأعضاء البشرية والطرق المثلى لعلاج المرضى؛ تهرب الشابة العشرينية آية أبو لحية إلى مرسمها الصغير لتطير مع رسوماتها إلى عالم تربط فيه بين الطب البشري والفن التشكيلي!

تدرس آية التي تسكن مدينة بيت لحم بالضفة الغربية الطب بطريقة مغايرة؛ وتمضي بين جدران غرفتها التي تحوّلت إلى معرض للأعضاء البشرية المرسومة بصورة فنية غاية في الدقة، ساعدها في ذلك دراستها لعلم التشريح.

تقول آية التي تدرس في السنة الثالثة بكلية الطب في جامعة القدس: "لأن الطب حُلمي والفن شغفي، اتخذت أسلوباً مبتكراً في الدراسة بالدمج بين الرسم والطب، فجدران غرفتي تَعُجُ بلوحاتٍ تُظهر أجزاء الجسم وتفاصيله، ما ساعدني على حفظها بسهولة ويسر".

بفضل هذا الدمج بين الفن ودراسة الطب، استطاعت الطالبة الجامعية التفوق في دراستها، حتى أن بعض أساتذتها لجأوا إليها لرسم مجسماتٍ تُساعد الطلبة على فهم بعض مواد التشريح المعقدة.

تقول أبو لحية إن أساتذة وطلبة من زملائها يأملون من خلال موهبتها أن تطلق كتاباً خاصاً باسمها يضم رسومات عن التشريح.

تمضي آية داخل غرفتها الصغيرة التي تتبعثر فيها الأوراق وأقلام الفحم ألوان الاكريليك والزيوت ساعات طويلة تخطط لرسم من يقصدونها بقلم الفحم، وتعكس لوحاتها الفنية ملامح سعادتهم وشغفهم بمن يحبون.

ولم تعد تتعامل مع الفن كموهبة تبرع فيها وتستجيب لشغفها؛ بل بات مهنة جانبية تستعين بمردودها المالي على تسديد رسوم دراستها الجامعية العالية، في تخصص مرتفع التكاليف مثل الطب.

عام 2015 رسمت آية أولى لوحاتها الفنية عن مدينة القدس حين كانت تبلغ من العمر 16 عامًا، ولاقت حينها استحسان كل من شاهدها، تقول :"كنت طالبة في الصف العاشر حين بدأت الرسم، ولطالما راودتني أحلام أنني سأصبح مَصدر سعادةٍ للآخرين، ولم أكن أملك حينها أي مقوماتٍ لذلك".

انخرطت لاحقاً في دورة للفن التشكيلي، وكانت المدخلَ للتعلم والتثَقف بمدارس هذا الفن وأبعاده، وقالت:" منذ ذلك الوقت وأنا أواظب على الرسم".

ووجدت نفسها تميل بشغف لرسم البورتريه ( فن رسم الأشخاص)، تقول:" قرأت كثيراً عن تعقيدات هذا الفن، خاصةً وأنه يرتكز على ملامحِ الوجه، ولذلك لا تقتصر لوحاتي على توثيق هيئة الشخص الصامتة، بل رسمتها بملامح الفرح أو الحزن، متغلغلة في حالتهِ النفسية". وتضيف:" بالنسبة لي وجه الإنسان يقول قصةً أكبر وأبعد مما يبدو عليه".

تريد أبو لحية الاستمرار في دراسة الرسمِ كما الطب، حتى تتعمق بتقنياته ومدارسه، من الرسم بالزيت والأكريليك وغيرها، وهي التي حققت حضوراً مهما على مواقع التواصل الاجتماعي.

مع تسجيل أولى الإصابات بفيروس كورونا مطلع مارس/آذار 2020 وفرض حالة الطوارئ في فلسطين، والإغلاق الشامل بين المحافظات، وتعطلت الدراسة في الجامعات؛ حتى استثمرت آية فترة الحجر المنزلي في الترويج للوحاتها الفنية عبر مواقع التواصل الاجتماعي مستثمرة المتابعة العالية لصفحتها.

"بفضل الترويج للوحاتي عبر مواقع التواصل الاجتماعي استطعت شراء كتبي الجامعة باهظة الثمن، وبعد ازدياد الطلب على لوحاتي ساهمت بتسديد جزءًا من أقساطي الجامعية، فدراسة الطب في بلادنا مكلفة جدًا"، تقول آية.

رغم أنها ما زالت تضع خطواتها في عالم الفن التشكيلي، إلا أنها تطمح بأن تتبنى جهة فلسطينية رسمية موهبتها وتدعمها مادياً ومعنوياً لتحقيق التطور المطلوب.

تقول آية: "الفنانون الشباب يحتاجون إلى الرعاية والاهتمام والدعم في بداية مشوارهم الفني، ليتمكنوا من تحديد هُويتهم الفنية وصَوغِ شخصيتهم الخاصة، فهناك قلةٌ في عدد المراكز التي تهتم بمواهب الشباب من الناحية الفنية، وما يكبّلنا أكثر هو المعاناة المالية"، فرسم البوتريه يستلزم تكالي فمادية باهظة وهذا بحد ذاته تحدٍ كبير أمامها.

خمس سنوات مرّت على "الطبيبة الفنانة" وهي تمارس موهبتها في الرسم وما زالت تطمح بإقامة معرض فني خص بها يدمج بين الطب كمهنة إنسانية والفن كرسائل روحية، ورغم الضغط الذي تشعر به نتيجة لممارستها الرسم لتسديد الرسوم ومواصلة الدراسة الصعبة، تبدو ملامحها مليئة بالإصرار والطاقة والنشاط لتحقيق أحلامها، ويبقى دافعها هو إعجاب الناس الذي يحملهم على ترك بصمة لها على جدران ذكرياتهم وبيوتهم.