"عدس الشتاء".. عدوّ الشباب حبيب الأُمهات
تاريخ النشر : 2020-11-12 09:09

بينما كانت سناء طبش تنتقي البصل الأخضر وبعض حبات الفجل من بسطة أحد الباعة لدى عودتها من عملها، كانت تدركُ جيدًا أن قرارها اليوم بطبخ "العدس" سيُقابل بامتعاضٍ شديد من قبل أبنائها الذين –أصلًا- بدأوا بإطلاق نكاتهم حول إقبالها على طبخه كلما "بخّت" السماء "بخّة" على حد تعبيرهم!

تقول السيدة: "أتخيل كيف سيمطّون شفاههم، ويشيحون بوجوههم عن الطاولة، لكن ليس مهمًا رأيهم، أنا مرتاحة لقراري الصحّي تمامًا، العدس حبيب الشتاء، ولا أعتقد أنني وحدي من أتبنى هذه النظرية".

تشعر الأربعينية سناء بالدهشة، لموقف "هذا الجيل" من طبق العدس، رغم ما يخبئه من بروتينات مهمة لبناء الجسم ومنحه الطاقة اللازمة لتحمل برد الشتاء، مبينةً أنها تضطر للتحايل على أطفالها في أحيان كثيرة، لضمان تناولهم هذه الوجبة الصحية.

وتزيد: "أحب أن أصنعه على شكل فتة، مع الليمون وبعض المخللات والبصل الأخضر والجرجير والفجل، إلا أنني اعتمده لهم على شكل شوربة مع الخبز المحمص أو المقلي، حينها فقط يمكنهم تناوله وهذا ما يهمني".

ومع اقتراب فصل الشتاء تغرق وسائل التواصل الاجتماعي بالتغريدات التي تسخر من ما تصفه بـ "التقليد السنوي لأمهات فلسطين"، وربما في الوطن العربي أجمع "طبخ العدس" حتى لو اشتمت الواحدة منهم رائحة "الشتاء" ولم يأتِ!

وعلى عكس الكثير من الشباب، تنتظر الشابة فرح الوادية 24 عامًا، فصل الشتاء بفارغ الصبر، لكي تستمتع بهذه الوجبة المحببة لقلبها! ما يعلق في ذاكرة الوادية حول هذا الطبق، أنه يجمع الكل حوله، حرارة الحساء المتطايرة وسط لمة العائلة، وذلك الدفء الذي يمنحه لأفراد الأسرة في عز البرد يجعلها تعلق: "اللمة حول وجبة العدس، هي الوحيدة التي أشعر بلذتها، كلما شممتُ رائحته في دار، استذكرت دفء العائلة، وأجواء اللمة في فصل الشتاء".

وتتساءل الشابة الوادية: "لماذا يرتبط هذا النوع من الطعام بالفقر وأصحاب الدخل المحدود في كثيرٍ من الأوقات؟ في حين أن العدس في الحقيقة وجبة غذائية غنية ولذيذة يحتاجها كل البشر".

وتحاول والدة فرح –وفق قولها- تغيير نمط طبخه بين المرة والأخرى خلال فصل الشتاء، فمرةً تضيف له السلق، ومرةً تصنعه "فتة"، ومرةً شوربة، ما يضفي له في كل مرة نكهةً مختلفةً محببة، سيما حينما ترفقه على الطاولة بأنواع المخللات، والخضراوات المناسبة وشرائح الليمون الحامض.

بالفعل، معظم سكان قطاع غزة مثل أم فرح، يعتمدون صنع العدس بأشكاله المختلفة "لعل وعسى" أن يتقبله أبناء الجيل الجديد، فإما يصنعنه على شكل حساء، أو مفتوتًا بالخبز، وبجانبه البصل الأخضر والمقبلات، بينما يرى آخرون أن بالإمكان تناوله على شكل "دمسه" بشكل يشبه إلى حد كبير الفول المدمس، عبر سلق العدس الكامل (الحبة البنية)، ثم دمسها في الفخار مع إضافة الفلفل والثوم والليمون والملح.

ويؤمن الخمسيني محمد عبد الحميد، بأن تناول طبق من حساء العدس، يمكنه أن يشفي أي مريض بنزلة البرد، أو التهاب اللوزتين التي تكثر في فصل الشتاء، وهو ما يجعل طبخه مبررًا حسب رأيه لاعتماد طبخه في هذا الموسم.

يقول الشاب حمزة عطالله: "يكفي أن أشاهد طبق العدس حتى أشعر بالدفيء فما بالك لو تناولته"، مؤكدًا أنه من الأطباق التي لا يختلف عليها أي من أفراد أسرته، بل ويطلبونها في كثير من الأحيان، تحديدًا خلال أيام الشتاء القارص".

لكن على عكسه تمامًا، لوت مريم ياسين (19 عامًا) فمها حينما ذكرنا على مسامعها كلمة "عدس"، وقالت: "الله يخليكم، لا تذكروني! أصلًا فصل الشتاء اسمه عنا فصل العدس".

تزيد: "أمي –سامحها الله- يبدو أنها تستسهل الموضوع"، تضحك ممازحةً ثم تكمل: "هي تتذرع بفوائده، والدفء الذي يمنحه للجسم، ونحن نبكي على حالنا، عندما تريد أن ترتاح من معضلة (ماذا أطبخ اليوم) تلقي العدس المجروش في الحلة، وتقول له انضج يا حلو".

ولا تقف فوائد العدس عند هذا الحد وفقًا لأخصائية التغذية "فهو يقوي الجهاز العصبي، ويرفع نسبة هرمون السعادة، ويعطي إحساسًا بالراحة والاسترخاء،

تعقب أخصائية التغذية د.وسام عابد بقولها: "العدس وجبة كاملة متكاملة ومفيدة جدًا لحالات مرضى القلب والأوعية الدموية، كما أنه يعمل على خفض سكر وضغط الدم، ـبالإضافة لكونه غني بفيتامين B المركب".

ويحتوي العدس والحديث لعابد، على نسبة كبيرة من الحديد تعادل ما هو متوفر في حصة اللحوم، وهو ما يجعله ينتزع لقب لحم الفقراء بجدارة، ناهيك عن أنه مقوٍ للعظام والأسنان، لما يحتويه من كالسيوم.

لكن لماذا ارتبطت وجبة العدس بالشتاء؟ وما هو السر في تفضيل عدم طبخها في باقي فصول السنة؟ تجيب عابد: "في فصل الشتاء يبحث الإنسان عن الأطعمة التي تبعث على الدفء وتمنح الجسم القوة، وهو ما يتوفر في طيق العدس الذي يمنحنا والطاقة والشبع في آن واحد".

ولا تقف فوائد العدس عند هذا الحد وفقًا لأخصائية التغذية "فهو يقوي الجهاز العصبي، ويرفع نسبة هرمون السعادة، ويعطي إحساسًا بالراحة والاسترخاء، كما أنه يقوي المناعة، ما يجعله من الأطباق التي ينصح بالإكثار منها في فصل الشتاء، الذي تكثر فيه نزلات البرد، سيما في ظل انتشار فايروس كورونا".