العيسوية" غزة الصغرى" دروس في التحدي والصمود
تاريخ النشر : 2020-10-31 19:47

يرتبط اسمها بالنضال والمواجهات والحواجز والاعتقالات ومصادرة الاراضي ، عنف غير مسبوق واقتحامات ليلية ونهارية وعلى مدار الساعة ، ولم يبقى منزل واحد بالقرية الا تعرض من فيه لاعتقال أو استجواب أو اصابة أو تشريد بعد هدم منزلهم أو حتى استشهد أحد ساكنيه ، محاولات يائسة على مدار سنوات طويلة لقتل الروح الوطنية والنضالية في سكانها وبالمقابل تزداد قوة ومواجهة وعنفوانا وتحديا وتقف شامخة وسط مدينة القدس ، هي قرية العيسوية الجاثمة بقلب العاصمة ، كانت لأشهر خلت محور التغطية الاعلامية اليومية بسبب كل ما يدور فيها من مقاومة ولم يبقى صحفي واحد الا وزارها وأعد تقريره من على مدخلها على عكس ما يجري اليوم من اهمال أو تقصير أو تهميش ، صادر الاحتلال الاسرائيلي منذ العام 1967 ولغاية اليوم أكثر من 4/5 مساحتها وما زال يحاول الاستيلاء على ما تبقى منها ، قصص صمود توجع القلب من ناحية ولكنها عنوان للتحدي وللدفاع عن الحق والأرض .

قصة واحدة من قصص الصمود والتحدي لشباب العيسوية وهي النموذج الأقوى للصمود والنضال والتحدي يرويها لنا الناشط المقدسي وعضو اقليم حركة فتح في العيسوية ياسر درويش :العيسوية لم تعرف الهدوء أو الراحة ، فعلى مدار اليوم اقتحامات واعتقالات وابعاد واطلاق لقنابل الغاز والرصاص المطاطي ، اغلاق للمداخل واعتقالات للشباب ومواجهات وعمليات صد ودفاع عن القرية وأهلها ، محاولة من الجيش لترويع الشباب والأطفال ،وعنف شديد أثناء المواجهات والاعتقالات ، فأكثر من 1500 شاب اعتقل على مدار السنتين الماضيتين ، ناهيك عن سياسة الابعاد التي يتبعها الاحتلال ، فأنا واحد من مجموعة من الشباب ابعدت عن قريتي ومنزلي أكثر من عشر مرات وفي كل مرة ما بين اسبوعين لأربع أسابيع ،وفي كل مره أضطر فيها لأخذ زوجتي وأطفالي معي ، فتخيلوا معاناة الأطفال اليومية وهم يضطرون للذهاب للمدرسة لوحدهم وأجبروا على ترك منزلهم وفراشهم وألعابهم ، واضطررنا لترك القرية والأهل والجيران ، والكثير من الأهل يخافون على أبنائهم وأطفالهم فيمنعوهم من اللعب في الشوارع أو حتى الذهاب وحدهم لمحال البقالة ، فنحن لا نعيش في أمان ولا استقرار ،وحالنا هذا هو حال باقي قرى وأحياء مدينة القدس ، فلا راحة ولا استقرار ، والعنف من قبل الاحتلال في ازدياد كبير ، وما علينا سوى التصدي والصمود .

ويضيف ياسر : خلال جائحة كورونا كان الوضع هو الأصعب تقريبا ، كانت المواجهات كثيرة وتم اغلاق مدخل القرية ، ومنعنا من تقديم العون والمساعدة للأسر المحتاجه في القرية ، ومنعنا كذلك من تعقيم القرية وأحيائها ، وكان الاحتلال لنا بالمرصاد يوميا ، فالأوضاع الاقتصادية صعبة في كل فلسطين ولكن في العيسوية الأوضاع ألأصعب تقريبا ، فشبابنا يضطر للانتظار ساعات على مدخل القرية أو على الحواجز فيصل للعمل متأخرا هذا اذا استطاع الوصول أصلا ومحاولة الاذلال والتعذيب على الحواجز فهي قصص يومية لا يمكن حصرها من كثرتها، والبطالة متفشية ،ناهيكم عن مصادرة الأراضي وقرارات الهدم ووقف البناء وتوسيع الطرق لصالح الحديقة الوطنية التي ينوون بناءها ، وكذلك توسيع مستوطنة معاليه أدوميم ، فلم يعد في القرية مساحة للبناء فضاقت على من فيها .

ياسر كباقي الشباب في القرية أو في مدينة القدس بشكل عام يدعو للصمود في القدس فهي المدينة التي تستحق أن نتحمل كل شيء لأجلها ، ويدعو للتكاتف والتعاضد ويذكرنا بأيام الانتفاضة الأولى أيام التكافل الاجتماعي والأسري وأيام الوحده ويقول :بوحدتنا نقاوم كل مخططات الاستطيان ومحاولة تهجيرنا وتفريغ المدينة المقدسة ، وبناء مستوطنات جديدة لتحل مكاننا وتوسيع ما هو قائم ، لذلك فقد رفض الاحتلال مرارا الموافقة على المخطط الهيكلي للقرية .

كما وأغلق الاحتلال كل المؤسسات في العيسوية التي تقدم الدعم والارشاد والتدريبات والتثقيف لأهل القرية ،ولم يتبق لهم سوى مؤسستين وهم نادي العيسوية وهو نادي ثقافي اجتماعي وكذلك جمعية اسعاف وطوارىء العيسوية ومن خلالهم يتم تقديم كافة الأنشطة والخدمات للقرية وأهلها .

ويضيف ياسر : قد يكون الاعلام تنشط في فترة من الفترات ووثق ما حصل من اقتحامات واعتقالات ومداهمات ، ونشر بتغطيته المباشرة العديد من الاقتحامات التي تعرضت لها قريتنا ولكن الاعلام تراجع عن هذا الدور فنحن بالكاد نجد صحفي يعد تقريره من قريتنا فمعظم الصحفيين يتابعون وسائل التواصل الاجتماعي والفيس بوك ويعتمدون على جمع معلوماتهم من هناك ولا وقت لديهم للقدوم الى القرية ومشاهدة كل ما يحصل عندنا .

قد يكون وجع أهل العيسوية ( والتي يطلق عليها اسم غزة الصغرى ) كبيرا وما تعرضوا له من عنف يعد غير مسبوق في تاريخ المدينة المقدسة ، الا أن صمود أهل العيسوية وتحديهم للجنود وتمسكهم بحقهم في الدفاع عن قريتهم وأهلهم وتحملهم لكل أصناف العذاب والعقاب جعلهم قبلة لباقي القرى والأحياء في المدينة المقدسة ، فكل من شاهد وتابع وراقب ما جرى على مدار السنتين الماضيتين يعرف تماما أن هذا الجيل والذي نشأ من رحم المعاناة والظلم والبطش والتنكيل قد تدرب وتحصن جيدا وتعلم من غزة وأهلها صمودهم وصبرهم وتحديهم وتعلموا كذلك أن الصمود والمواجهة هي عنوان المرحلة وهو تأسيس لمرحلة قادمة ستكون مختلفة وتحمل لنا الخير والأمل .

تعلمنا من قصة صمود العيسوية الدروس الكثيرة وأهمها أن الوحده والتمسك بالمبادىء والتمسك بالحق وحفظ الأمانة والمقاومة طريق صعب وشائك ولكن نتائجه مضمونة ان شاءالله .

الكاتبه : الاعلامية رولا سلامه هي مديرة التواصل الجماهيري والتثقيف في مؤسسة "جست فيجن " ومنتجة أفلام وثائقية ومعدة ومقدمة برنامج فلسطين الخير على فضائية معا . والمدير العام لمؤسسة فلسطين الخير ، المقال من سلسلة مقالات اسبوعية تتحدث عن فيروس كورونا والحياة في زمن كورونا وتأثيره على المجتمع الفلسطيني .