محمود.. وغصة "الامتياز" في "بسكوت الخريج"
تاريخ النشر : 2020-10-25 18:27

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

يقطع الشاب محمود مشتهى عجينة البسكويت إلى كرات، ثم يضعها في فوّهة الماكينة المعدنية اليدوية، ليبدأ بعدها بلف المقبض المعدني بكل ما أوتيَ من قوة، فتخرُجُ العجينة على هيئة شرائط رقيقة تفوح منها رائحة الينسون.  

بمساعدة والدته، لم يجد محمود في ظل الوضع الاقتصادي الكارثي الذي يمر به قطاع غزة المحاصر منذ 14 عامًا، حلًا إلا البدء بمشروعٍ يمكّنُه من توفير حياةٍ كريمةٍ لأسرته، بعد أن تخرّجَ من كلية تكنولوجيا وأنظمة المعلومات قبل عام، بدرجة امتياز، دون أن يجد عملًا، أو حتى أن تتواصل معه إدارة الجامعة لتعيينه معيدًا كما جرت العادة. 

بمساعدة والدته، لم يجد محمود في ظل الوضع الاقتصادي الكارثي الذي يمر به قطاع غزة المحاصر منذ 14 عامًا، حلًا إلا البدء بمشروعٍ يمكّنُه من توفير حياةٍ كريمة.

الشاب الذي عمل منذ ست سنوات في محل لبيع البوظة، إلى جانب دراسته، فقدَ عمله منذ أربعة أشهر بسبب جائحة "كورونا"، ما أفقد عائلته موردًا للدخل كانت تعتمد عليه. 

لم يفقد محمود الأمل، وبدأ يبحث عن عمل مناسب في مجال تخصصه، سواء في شركات، أو حتى من خلال الإنترنت، إلا أن الفرص كانت تقتصر على عروضٍ للتدريب مدتها 3 شهور، على أن يتم بعدها اتخاذ القرار بالتعيين أو عدمه، وكان غالبًا ما يتم الاستغناء عنه، والبحث عن متدرب آخر. 

لم يستطع الشاب أن يقف متفرجًا بينما لا تستطيع أسرته توفير متطلبات الحياة الكريمة، فأخذ يبحث عن عمل في أي شيء، إلى أن قادته الصدفة لمشروعه الخاص "بسكوت الخريج". 

صدفة بحتة كانت السبب في تغيير مسار حياته بشكلٍ كلي، بعد أن نشر على حساب الإنستغرام الخاص به صورةً لأحد أنواع البسكويت المصنوع منزليًا. 

توالت التعليقات التي حملت في طياتها تساؤلات عن هذا البسكوت وطريقة صنعه، وذهب الأمر بأصدقائه المقربين، إلى تشجيعه على صناعته بهدف البيع. 

"كيف سأطفئ أحلامي بالعمل في مجال تخصصي أمام فرنٍ لصناعة البسكوت؟ وهل هذا سيكون مصير شهادتي التي كافحت لأحملها؟ بل وحزت لقب الأول على دفعتي".

يقول: "أخذ مني التفكير قرابة الشهر، كيف سأطفئ أحلامي بالعمل في مجال تخصصي أمام فرنٍ لصناعة البسكوت؟ وهل هذا سيكون مصير شهادتي التي كافحت لأحملها؟ ليس هذا فحسب، بل حملت لقب الأول على دفعتي"، مضيفًا: "لكن ما النتيجة؟ جلست في المنزل شهورًا طويلة أنتظر أي فرصة عمل مناسبة، بلا جدوى". 

في نهاية الأمر وأمام الحاجة لمصدر دخل، بدأ محمود فعليًا مشروعه الذي أسماه "بسكوت الخريج". 

يُمضي محمود بمساعدة أفراد أسرته ساعات في العمل لإنجاز الطلبيات التي تصله عبر صفحته على تطبيق التواصل الاجتماعي "إنستغرام"، فالأم تعجن البسكوت، بينما يقف محمود أمام ماكينة الطحن التي تُخرج البسكوت بشكله النهائي، فيما يقوم والده بخبزه. 

عملية قد تبدو سهلةً نظرياً لكنها تحتاج إلى جهد ووقت جبار، إذ يحتاج محمود وعائلته ما يقارب ساعةً كاملة لإنتاج كيلو من البسكوت، الذي يباع بمبلغ 16 شيكل. 

وبمزيدٍ من التفصيل يتابع: "تأخذ مني صناعة البسكوت وقتًا وجهدًا كبيرًا، فأنا أعمل بأدواتٍ بسيطة ويدوية، ناهيك عن أن البسكوت في الفرن يحتاج لمتابعة وتركيز، لانتقاء الحبات التي تنضج أولاً، وإعادة تدوير الصينية حسب الحاجة". 

ويردف: "الأمر ليس هينًا ودرجة حرارة الفرن بالكاد يمكن احتمالها، وهو ما يجعلنا نتبادل الأدوار طوال فترة العمل، لنخفف عن بعضنا البعض لهيب الفرن وحرارته". 

يضطر محمود إلى تطويع وقته وعائلته حسب ظروف العمل وجدول الكهرباء، فيعملون في ساعات الليل المتأخرة، وفي ساعات الفجر، وهو ما يعد عبئًا إضافيًا. 

رغم أن مشروع محمود ما زال وليدًا، لكنه يطمح إلى تطويره بأدواتٍ حديثة حينما تسمح الظروف، أما طموحه الأكبر فهو افتتاح شركة في مجال البرمجيات التي يختص بها.

ورغم أن مشروع محمود ما زال وليدًا، لكنه يطمح إلى تطويره بأدواتٍ حديثة حينما تسمح الظروف، لما يمكن أن يوفره من وقت وجهد، أما طموحه الأكبر فهو افتتاح شركة في مجال البرمجيات التي يختص بها، إلى جانب عمله في صناعة البسكوت الذي ينوي إضافة أنواع جديدة له. 

رغم أن الطريقين لا يلتقيان، إلا أن احتياج محمود لفرصة عمل كانت الرابط بين طموحاته وواقع غزة، الذي لا ترتقي فيه أحلام الشباب لأكثر من فرصة عمل ولو بسيطة.