جامعات غزة.. "الكفاءة" ليست معيارًا إذا تفوّقت "امرأة"!
تاريخ النشر : 2020-10-21 13:32

غزة:

"الجامعات الفلسطينية في قطاع غزة تمارس التمييز ضد الأكاديميات الفلسطينيات، ولا تمنحهن الفرصة للمشاركة في صنع القرار داخل الجامعات رغم حصولهن على درجات عليا"، حقيقةٌ صادمة، لكنها كانت النتيجة الأبرز التي خلصت إليها دراسة، أجرتها الباحثة د.عبير ثابت بعنوان (واقع الأكاديميات في المؤسسات الأكاديمية في قطاع غزة)، لصالح مركز الإعلام المجتمعي (CMC).

الدراسة التي أجريت ضمن أنشطة مشروع "سفراء من أجل حقوق المرأة 2"، الذي ينفذه المركز بالتعاون مع مؤسسة "هنرش بل"، عُرضت نتائجها في مؤتمر ختامي للمشروع، عُقِدَ عبر تقنية "زووم" بسبب جائحة كورونا.

الجلسة الافتتاحية

في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، استعرضت رئيسة مجلس إدارة مركز الإعلام المجتمعي هداية شمعون، أبرز إنجازات المشروع، وقالت: "رغم الصعوبات التي واجهتنا بسبب الجائحة، إلا أننا تمكنا من ترك بصمة مميزة، من خلال تأسيس هيئة للأكاديميات الفلسطينيات، على طريق المأسسة التي يسعى إليها المركز، وهو الأمر الذي يعد خطوة قوية وفاعلة في تحسين الاستجابة للأولويات المتعلقة بمشهد النوع الاجتماعي، في الجامعات الفلسطينية".

وتابعت: "عملُنا في المركز هو جزءٌ أصيلٌ من جهودٍ مجتمعية متكاملة، للدفاع عن حقوق الإنسان ومن ضمنها حقوق المرأة، وهدفنا هذا العام المساهمة في اختراق المشهد الأكاديمي الفلسطيني".

وفي الوقت الذي تتبع فيه مؤسسة "هنرش بل" لحزب الخضر الألماني، وقد اتخذت على عاتقها هدف المناداة والدفاع عن حقوق الإنسان، كان من الطبيعي أن يكون مركز الإعلام المجتمعي شريكًا لها على مدار عشر سنوات، وفقًا لمديرتها بينيتا ماركس.

وقالت ماركس في مداخلتها: "العالم يعرف عن قطاع غزة أنه البقعة الجغرافية المحاصرة البائسة، التي يسكنها 2 مليون إنسان، في ظل فقر متزايد، لكنهم لا يعرفون أن غزة تضم 11 جامعة، وتمتلك أعلى معدلات القراءة والتعليم في العالم"، ملفتةً إلى قضايا النساء فيها -لا سيما خلال الجائحة- إذ بتن يواجهن بالإضافة إلى عادات وتقاليد المجتمع ونظرته القديمة لهن، وحوادث العنف والإهمال، بتن يواجهن ظروفًا اقتصاديةً صعبة، إلا أن معظمهن أبين إلا إتمام تعليمهن العالي، واختيار الأوساط الأكاديمية المناسبة للمضي بهذا الإنجاز، "وهنا تكمن أهمية المشروع" تعقب.

الجلسة الأولى

عودة إلى معدة الدراسة د.ثابت -التي تعمل أستاذةً للعلوم السياسية- فقد تحدثت خلال الجلسة الأولى، حول وجود جامعات تستبعد توظيف الأكاديميات، وتفضّل الذكور بسبب سياستها التي تسمح للذكور فقط بتدريس الجنسين، إضافةً إلى جامعاتٍ أخرى، تقبل توظيفهن ولكن "على بند الساعة بلا عقود عمل، وقلّة منهن فقط تم تثبيتهن".

وقالت: "الموروث الذكوري ما زال يحاصر المرأة، ويمنع تطورها، وتقلّدها مواقع متقدّمة، حتى في المؤسسات الأكاديمية، ورغم أنه يُنظر للأكاديميين على أنهم الأكثر علمًا ووعيًا؛ إلا أن الأكاديميات يواجهن تحديات أبرزها سياسة الإقصاء والتهميش"، موضحةً أن جائحة "كورونا" ضاعفت العنف الأكاديمي والأسري عليهن، "فتجربة التعليم عن بُعد حديثة على الجميع بما في ذلك الطالبات، مما زاد الضغوطات عليهن في الجامعات، كما زادت الضغوطات الأسرية بسبب تضاعف حجم الأعباء والالتزامات المنزلية".

وتعود أهمية الدراسة إلى وقوفها على التحديات التي تواجهها الأكاديميات في جامعات قطاع غزة، ومدى معرفتهن بحقوقهن، والتزام المؤسسات الأكاديمية بتطبيقها وفق الاتفاقيات والقوانين الفلسطينية، وآليات الدفاع عنها.

واستخدمت الدراسة "الاستبانة" كأداة لجمع البيانات الكمية، فيما أجرت 20 مقابلة معمقة في خمس جامعات هي (الأزهر، الإسلامية، الأقصى، القدس المفتوحة، وجامعة غزة)، إضافةً إلى مقابلات مع مؤسسات نسوية، ومجموعات بؤرية، ودراسة حالة.

أما نتائج وتوصيات الدراسة، فقدمتّها الباحثة د.سامية الغصين، أستاذة القانون الدولي، التي قالت: "المؤسسات الأكاديمية تلتزم بالقوانين والاتفاقيات الموقعة بشكل جزئي، ومع الأكاديميات المتفرغات فقط، بينما تمارس التمييز ضد غير المتفرغات، في إجراءات التثبيت والحقوق المالية، والتكليفات الإدارية وتوزيع المساقات الدراسية".

كذلك فإن سيطرة الأحزاب السياسية على المؤسسات الأكاديمية، وتدخلها في عمليات التعيين، وتوزيع المناصب الإدارية، يؤثر على فرص الأكاديميات في التعيين، وفي تقلد المواقع القيادية، خاصةً وأن معظم الأكاديميات مُستقلات.

وتُبرِزُ الدراسة -وفقًا للغصين- وجود تحيّز ضد الأكاديميات في توزيع المساقات الدراسية، إضافةً إلى مواجهتهن صعوبات حال تقلّد إحداهن رئاسة قسمها، أو رئاسة لجنة الامتحانات، أو مؤتمر علمي، وذلك نتيجة الثقافة الذكورية للمرؤوسين، مردفةً: "بل إن بعضهم يرفض التعاون معهن، أو حتى وجودهن في كليات مثل الصيدلة والطب والهندسة، إلا في حال عدم وجود أكاديمي ذكر في ذات التخصص".

وقدّمت الدراسة مجموعةً من التوصيات، منها ما تم توجيهه إلى السلطة الفلسطينية، وعلى رأسها: إعادة صياغة المناهج التعليمية، بما يعزز مفاهيم المساواة بين الجنسين، وإعادة صياغة دور وزارة شئون المرأة، وتبنّي وثيقة استراتيجية لتفعيل مبدأ المساءلة للمؤسسات الأكاديمية، حول ممارساتهم تجاه الأكاديميات.

أما أبرز التوصيات المتعلقة بالمؤسسات الأكاديمية نفسها، فتتلخص في العمل على تغيير واقع الأكاديميات وتحسينه، وتعديل القوانين الإدارية التي تُكرّس بشكلٍ مباشر، أو غير مباشر، الثقافة الذكورية، وتحقيق المساواة في التعيينات والتكليفات في المواقع القيادية.

وعن دور مؤسسات المجتمع المدني، فقد أوصت بإيلاء قضايا الأكاديميات أهمية خاصة، وفتح قنوات اتصال وتواصل معهن، وتخصيص برامج لبناء قدراتهن، وتفعيل النقاش المجتمعي حول قضايا الأكاديميات وتوثيق الانتهاكات التي يتعرضن لها.

التعقيب على الدراسة قدمته د.شيرين الضاني، وهي أستاذة علم الاجتماع بجامعة الأزهر، فقالت: "إن الأكاديميات يواجهن ثلاثة أنواع من الإقصاء هي: (الإقصاء المبني على النوع الاجتماعي، والإقصاء المبني على الانتماء السياسي (الحزبي)، والإقصاء المبني على الواسطة والمحسوبية) .

وأضافت: "إن الواقع المتردي للأكاديميات في قطاع غزة، يعود إلى نوعين من العوامل: عوامل موضوعية تتمثل في سياسات وممارسات المؤسسات الأكاديمية، وأخرى ذاتية تتثمل في الضعف المعرفي والمهاري لدى بعض الأكاديميات"، مبينةً أن نسبة الأكاديميات العاملات بلغت بالنسبة للأكاديميين (10.7% : 89.3%) على التوالي، "وبالمقارنة بين أعداد وجودهن في الجامعات، يتضح أنها مقارنة بين سيء وأسوأ".

الجلسة الثانية

أما الجلسة الثانية للمؤتمر، فتحدث فيها الباحث محمود عبد الهادي، حول مقترح "هيئة الأكاديميات الفلسطينيات – التأسيس والنظرة المستقبلية"، الذي تم تأسيس البذرة الأولى له، ليكون حاضنة لكل الأكاديميات في قطاع غزة.

وقال عبد الهادي: "الهيئة نشأت دعمًا لحقوق المرأة وقيم العدالة والإنصاف، وبالنظر إلى واقع النساء الأكاديميات، نلاحظ ما يمكن تسميته اصطلاحًا "فجوة النوع الاجتماعي في العمل الأكاديمي".

لكن الهيئة ليست بديلًا عن نقابة الأكاديميين، بل غرضها تقليص الفجوة، والحد من أشكال التمييز ضد الأكاديميات، وتحسين استجابة هذه الجامعات لحقوق الأكاديميات، ومكافحة كافة أشكال التمييز والعوائق القائمة على النوع الاجتماعي.

وستعمل الهيئة -وفقًا لعبد الهادي- كمجموعة ضغطٍ وتأثير بهدف مكافحة كافة أشكال التمييز ضدهن، وتحقيق رؤيتها في الوصول إلى مجتمعٍ خالٍ من التمييز ضد الأكاديميات من خلال قيادة جهود رفع الوعي بحقوق الأكاديميات، وتطوير المنظومة القانونية والسياساتية للاستجابة لهن، ورصد ومراقبة مدى التزام المؤسسات الأكاديمية، بمتطلبات العدالة الجندرية.

وتحدث خلال المؤتمر سفيران من سفراء حقوق المرأة الذين تم تدريبهم خلال المشروع، وهما فدوى عبد الله وحسام العيسوي.

الشابة عبد الله قالت: "كنا نمتلك المعرفة بواقع المرأة، ولكن نحن الآن نمتلك الفهم، وهو المرحلة الأكثر نضجًا، من خلال تحليل الواقع ودراسة القوانين والنظر لها عن قرب، الإيمان بها أصبح أكثر صلابة كونها قضية عادلة، ويجب أن تكون قضية عامة".

وشكّلت المرحلة الأولى من المشروع أساسًا لفهم حقوق الإنسان، وآليات المناصرة والتأثير، الأمر ذاته أكده الشاب حسام العيسوي، الذي أوضح أنه اكتسب خبرةً ومعارف أهّلته ليكون ميّسر جلسات، وروش توعية في مجال القانون بشكل عام، وحقوق المرأة، وحقوق الإنسان، بشكل خاص.

وعن مشاركته في مخيم بعنوان "ساندها"، قال: "المشروع طَوّر من قدراتي وقدرات زملائي وزميلاتي، كسفراء ومدافعين عن حقوق المرأة، ورفع مستوى الوعي والمعرفة بحقوقها، التي نصت عليها القوانين المحلية والدولية والأديان والأعراف، وعزز لدينا القدرة على محاربة كافة أشكال العنف والحرمان الذي تعاني منه المرأة في مجتمعنا، بالإضافة لتعميق إحساسنا وإيماننا بأهمية تفعيل دورها وشراكتها داخل المجتمع".