عن سهامٍ أصابت قلوب "الريفيّات" بغزة
تاريخ النشر : 2020-10-17 13:11
صورة أرشيفية

رفح:

تعيش المزارعة سحر ماضي في قرية خربة العدس أقصى جنوب مدينة رفح جنوب قطاع غزة، وهي كما باقي النساء الريفيات في القطاع المحاصر منذ 14 عامًا؛ تعاني أوضاعًا اقتصادية واجتماعية صعبة.

ربما لا يهمّ سحر كثيرًا معرفة أن الخامس عشر من أكتوبر من كل عام، هو اليوم العالمي للمرأة الريفية، كما حددته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2007م، اعترافاً منها بأدوار النساء الريفيات في ضمان استدامة الأسر والمجتمعات الريفية، وتحسين سبل المعيشة الريفية والرفاهية العامة.

تقول سحر لنوى: "أعملُ في الزراعة الموسمية من أجل الإنفاق على عائلتي، ولتوفير منتجاتٍ تحتاجها البيوت بأسعارٍ بسيطة، مثل البندورة والملوخية واللوبيا والبامية، فأنا أعمل في أرضنا والبيع يتولاه زوجي".

تبلغ مساحة الأرض التي تملكها سحر وعائلتها المكّونة من 7 أبناء (6 ذكور وابنة) دونمًا ونصف، يزرعون فيها كميةً بالكاد تكفي احتياجات العائلة وبعض النفقات، لكنها بكل الأحوال، لا تجد بُدًا من المواصلة، فهي مهنتهم التي لا غنى لهم عنها، رغم ضيق ذات اليد.

سحر: المرهق أكثر هو عدم توفر المياه، فنضطر لشرائها بمبالغ كبيرة، ناهيكم عن الانقطاع المتكرر للكهرباء

"منتجاتنا دخلها المادي ضعيف" تقول، و"المرهق أكثر هو عدم توفر المياه، فنضطر لشرائها بمبالغ كبيرة، ناهيكم عن الانقطاع المتكرر للكهرباء، الذي يُجبرنا على الانتظار لحين مجيئها، فلا قدرة مالية لنا على توفير كهرباء موتور" تضيف.

السيدة التي تسكن تلك المنطقة البعيدة عن مركز الخدمات، تشتكي الشح الشديد في المساعدات التي تصل عائلتها، رغم مساهمتهم الرئيسية في عملية الإنتاج، "لكن رغم ذلك، لا تنتبه المؤسسات المعنية بالزراعة، سوى لأصحاب الأراضي الواسعة، بينما صغار المزارعين، لا ينتبه إليهم أحد، ناهيك عن بقائهم خلال فترات انتظار الحصاد بلا عمل، ولا مصدر دخل، ما يزيد حياتهم صعوبةً وقسوة".

واقع صعبٌ تؤكده رئيسة جمعية تنمية المرأة الريفية في خربة العدس سهيلة أبو عمرة، التي أضافت إلى ما قالته سحر: أن "شحّ التمويل، تسبب في زيادة الأعباء على النساء الريفيات خاصة في المناطق المهمشة والحدودية".

تقول أبو عمرة: "تعاني الريفيات في قطاع غزة من التهميش، فهن بقين دون مصدر دخل، رغم الكم الكبير من المساعدات التي تصل قطاع غزة، هناك بعض الاهتمام بواقع المناطق الحدودية التي تتعرض للانتهاكات الإسرائيلية بشكل مستمر، ولكن أيضًا يجب الانتباه إلى الريفيات اللواتي لسن على الحدود".

وتستدرك: "لكن أشكال المعاناة متشابهة، فمثلًا هنا نتحدث عن شُح التمويل، وقلة المساعدات، خاصةً في ظل أزمة كورونا، بينما هناك تحسّن في معدلات التعليم، بينما المناطق الحدودية هناك استهداف إسرائيلي مستمر لأراضي المزارعين والمزارعات وضعف في تعليم الإناث".

أبو عمرة: تعاني الريفيات من ضعف قدرتهن على تسويق منتجاتهن، خاصةً وأن العادات والتقاليد تسيطر على المناطق الريفية بشكل كبير

وبشكل عام (والقول لأبو عمرة)، تعاني الريفيات من ضعف قدرتهن على تسويق منتجاتهن، خاصةً وأن العادات والتقاليد تسيطر على المناطق الريفية بشكل كبير، فتمنع النساء من العملية التسويقية.

إلى الشمال الشرقي لقطاع غزة، حيث انهمكت المزارعة جازية فلفل في متابعة عمالها الذين يزرعون أشتال الفراولة في أرضها البالغة مساحتها ثماني دونمات.

"جازية" هي واحدةٌ من ضمن عشرات المزارعات والمزارعين الذين تضرروا بفعل جائحة "كورونا"، عندما واجهتهم صعوبات كبيرة في تأمين عمّال، "فالكل متخوف، ويخشى انتقال العدوى له ولأفراد عائلته"، بالإضافة إلى فرض وزارة الداخلية في قطاع غزة حظر التجول، ما حرمها من الوصول إلى أرضها، وتلف قرابة دونم ونصف من الأشتال التي أعدّتها استعدادًا للموسم.

تحتاج جازية لكل يومٍ زراعي إلى 20 عاملًا، وبالكاد تمكنت من تأمين عددٍ قريبٍ، قبل بدء العمل بساعات، ما دفعها إلى العمل بنفسها معهم في حمل الأشتال وزراعتها، بالإضافة إلى زوجها وابنيها.

لقد تكبدت السيدة الستينية خسارةً فادحة، عندما اضطرت إلى استبدال شتلاتها التالفة بأشتالٍ جديدة، لا تعلم ما إذا كانت ستنمو بشكلٍ جديٍ أم لا، في ظل جدول الكهرباء والماء غير المنتظم في منطقتها، الأمر الذي دفعها قبل يومين إلى المبيت في الأرض التي تواجه دبابات الاحتلال، كي تسقي الأشتال بمجرد وصول المياه تمام الثانية فجرًا.

تضيف لـ "نوى": "يومية العامل هنا 50 شيكلًا، لقد دفعتُ حتى الآن مبلغ 15 ألف شيكل، في ظروفٍ اقتصاديةٍ صعبة، ولا تخفى على أحد"، معربةً عن خشيتها عدم تمكنها من تسديد هذا المبلغ إن استمرت الجائحة، "وهذا قد يعني خسارةً إضافية بالنسبة لي".

وبمناسبة اليوم العالمي للمرأة الريفية، أصدر مركز الميزان لحقوق الإنسان ورقة حقائق حول واقع الريفيات في قطاع غزة، أجري الاستطلاع فيها على 56 فلاحة من قطاع غزة.

الميزان :الفلاحات يواجهنَ صعوبة كبيرة في الوصول لأراضيهن، نتيجة استمرار انتهاكات قوات الاحتلال الإسرائيلية في المناطق المقيدة الوصول

أوضحت الورقة أن الفلاحات يواجهنَ صعوبة كبيرة في الوصول لأراضيهن، نتيجة استمرار انتهاكات قوات الاحتلال الإسرائيلية في المناطق المقيدة الوصول، حيث تكبّدت (29) فلاحّة خسائر نتيجة تضرر أراضيهن الزراعية، التي بلغت مساحتها حوالي 109650 م2، جراء عمليات التجريف الممنهج لتلك المناطق. 

وأظهرت الورقة معاناة الفلاحات جراء عوامل اقتصادية واجتماعية وثقافية متشابكة، تؤثر على حياتهنّ وأعمالهنّ، ومن أبرزها الفقر، وأنّهن يتحملن عبء الأعمال المنزلية بالكامل إلى جانب أعمالهنّ الزراعية والصناعية، لصعوبة تملّكهنّ وتمتعهن بذمّة مالية منفصلةّ.

كما أنّهن يتعرضن إلى ضغوط نفسية نتيجة انتهاك حقوقهنّ في الميراث، ما يؤثر سلبًا على حياتهنّ الأسرية في ظل محدودية القدرة على التوجه للقضاء لإنصافهنّ واسترجاع حقوقهن، وذلك جراء القيود الاجتماعية والاقتصادية.

تُبيّن الورقة كذلك أن الفلاحات يواجهن ضعفًا في المعرفة التكنولوجية، وعدم المقدرة على التعامل مع الحاسوب وتطبيقات الهاتف الحديثة، ما يَحول دون تطورهنّ الاقتصادي والاجتماعي، ويصعّب من مهمة تعليمهنّ أبنائهن، خاصةً بعد ظهور التعليم الإلكتروني، كما تُظهر حاجة الفلاحات إلى برامج محو الأمية، حيث أظهرت النتائج أن النساء الأميات وهن يشكلن (16%) من العينة؛ جميعهن لم يتلقين برامج حكومية لمحو الأمية وتعليم الكبار.

كما تضاعفت معاناة الفلاحات في ظل جائحة كورونا، إذ تسببت إجراءات السلطات المحلية في عرقلة جهودهن بزارعة محاصيلهن الزراعية وجني الثمار وتسويقها، كما تضررن نتيجة إغلاق الأسواق الأسبوعية بشكل كامل.