"أنروا" تطحن عيشَ عائلات "موظفين" بقراراتٍ مفاجِئة
تاريخ النشر : 2020-10-15 12:33

"ما إلنا غير الله، و(الكابونة) هذه هي اللي بتساعدنا، بدل ما يزيدوها يحجبوها نهائيًا! هذا ظلم"، تقول المواطنة أم معتز هنية، من مخيم البريج وسط قطاع غزة، تعليقًا على قرار وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أنروا" حجب المساعدات عن "الموظفين" من اللاجئين الفلسطينيين.

تتابع ونبرة الغضب تجلجلُ في صوتها: "اعتمادنا الكلي عليها، بوفر كل مونة البيت منها"، فبعد هذا القرار ستضطر السيدة إلى شراء كل احتياجات بيتها من راتب زوجها الذي يتبقى له منه بعد خصومات البنك قرابة 1000 شيكل "وهذه بالنسبة للعائلة مصيبة كبيرة".

وتشمل كابونة الأنروا التي يتم توزيعها على اللاجئين الفلسطينيين كل ثلاثة أشهر تقريبًا، الاحتياجات الغذائية الأساسية من دقيقٍ وزيتٍ وسكر وأرز وحليب، فيما تتذرع الوكالة بالأزمة المالية التي تعيشها بالتزامن مع ازدياد أعداد الفقراء في مناطق عملياتها الخمس، لتمرير قراراتها الأخيرة، التي تقضي بتوحيد المساعدات لجميع اللاجئين الفلسطينيين، وحجبها عن العائلات التي يعيلها موظف "بغض النظر عن راتبه.

تحتار عائلة المواطنة هنية علامَ تصرف هذا الراتب الضعيف؟ إيجار البيت، أم فاتورة الكهرباء؟ أم على المتطلبات المعيشية اليومية؟ ولذلك تكرر السيدة تساؤلها الجدي الذي بات يتكرر في بيوت كل اللاجئين الذين يعيلهم "موظف": "كيف سيكون حالنا بعد وقف هذه المساعدات؟".

تصف هنية حال أسرتها مع وجود هذه المساعدات بالقول: "أيام المدارس، كثير من الأوقات كانوا ولادي يطلعوا عالمدرسة بدون مصروف، بس عالأقل كنت ألاقي كاسة حليب وقطعة جبنة وساندويش لبنة أطعميهم اياه"، معقبةً بأسف: "مع قطع المساعدات سنتحول فعليًا لمتسولين، فقط لأننا نحمل صفة أسرة موظف".

وأضافت: "للأسف كلمة موظف حرمتنا من كل شيء، وكأنهم لا يدركون ما وصل إليه حال الموظف في قطاع غزة"، متساءلة: "كيف يقررون تقليص المساعدات، ونحن ما زلنا لاجئين، لم نعد لأرضنا، أرى أن الوكالة ملزمة بكل احتياجاتنا الأساسية من تعليم وصحة وغذاء، وهذا التنصل في مثل هذه الظروف غير عادل".

لا يختلف حال أبو محمد شاهين 53 سنة إطلاقًا عن حال عائلة هنية، الموظف في حكومة غزة بالكاد يتقاضى ألف شيكل، ينفقها على أسرة مكونة من ثمانية أشخاص. يصف الرجل القرار بـ"غير المنصف"، ويقول: "براتب وكابونة بالكاد كنا نتدبر أمور معيشتنا، ماذا سنفعل عندما نتوقف عن استلام كوبونة المساعدات؟".

لشاهين ستة أبناء لم يتمكن من تعليمهم جامعيًا بسبب الفقر، يتساءل: "كيف سيكون بمقدوري إطعامهم بعد هذا القرار؟ أنا بدي أعطيهم راتبي (يقصد للأنروا) وهم يوزعوه ويعيشوني 30 يوم بكرامة أنا وأسرتي".

يتابع شاهين وهو من أصحاب الكرت الأصفر: "كنت أحصل على الدقيق والسكر والزيت، والأرز والحليب، وكنا مطمئنين لأن حاجاتنا الأساسية مكفولة، لكن بعد هذا القرار لا أعرف كيف سيكون شكل حياتنا القادمة؟".

كان شاهين، وغيره آلاف اللاجئين، ينتظرون أن تتحول الكابونة إلى شهرية بدلًا من كل ثلاثة أشهر، "لكن جاء القرار المجحف لينسف كل التأملات والتوقعات" يستدرك.

هنا يطالب شاهين بتحرك أصحاب القرار في فلسطين لاستعادة هذا الحق المعيشي الملح، من حقوق اللاجئ الفلسطيني حتى يعود لبلاده.

لكن المتحدث باسم الأونروا عدنان أبو حسنة، نفى في تصريحٍ صحفي أن يكون هذا القرار تقليصًا للخدمات المقدمة للاجئين الفلسطينيين، وبحسب رؤية وكالة الغوث يقول أبو حسنة: "الجميع في قطاع غزة تحول إلى فقراء، وهذا استدعى المساواة في توزيع المساعدات، مع حجبها عن الموظفين، وإلغاء الكابونة الصفراء، التي كانت تقدم للفئات الأكثر فقرًا باعتبار أن الجميع أصبحوا فقراء".

ولفت إلى أن هذا القرار سيزيد من التوزيع، ويراعي عشرات آلاف المواليد الجدد الذين لم يتم تسجيلهم حتى اللحظة، وسيرفع أعداد المستفيدين، وسيكون أكثر عدالةً حسب رؤية الوكالة.

وأشار أبو حسنة إلى أن التوجه بتوحيد الكابونة، شكل من أشكال التضامن الاجتماعي لأن معظم سكان غزة يتجهون الى الفقر والجميع أصبح بحاجة، "ومن الصعب التمييز بين الفقير أو الأشد فقرًا"، منوهًا إلى أن الآلاف من سكان غزة هاجروا، ومنهم متوفيين وولم يتم التبليغ عنهم، وما زالوا يتلقون "الكابونة" ويستلمون المواد الغذائية.

وأكد أبو حسنة، أن الأزمة المالية التي تعاني منها "أونروا" ما زالت مستمرة، "ونحتاج إلى 200 مليون دولار حتى نتمكن من دفع رواتب الموظفين، واستمرار البرامج التي نقدمها للاجئين الفلسطينيين" يقول.

لكن رئيس اللجان الشعبية للاجئين الفلسطينيين، معين أبو عوكل وصف القرار بالخطير والغريب، "في الوقت الذي من المفترض أن تزيد وكالة الغوث فيه مساعداتها للاجئين في ظل جائحة كورونا، لا أن تقوم بتخفيضها".

ووجه رسالة لمدير عمليات الأونروا في غزة "ماتياس شمالي" قال فيها: "كنا نظن أن الوكالة تنظم لجان طوارئ دورها مضاعفة خدماتها في ظل الجائحة، لكن ما حدث كان صادمًا ومستهجنًا"، معلقًا على قصة "وجود مستفيدين توفوا أو سافروا ما زالوا يستفيدون من هذه المساعدات" بالقول: "الأونروا هي من تمنع الباحثين من تقصّي هذه الأسر، والبحث عنهم، وإضافة أسر جديدة".

من الجدير ذكره، أن عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في قواعد بيانات "الأونروا" يبلغ نحو 5 ملايين و800 ألف لاجئ فلسطيني، في مناطق عملياتها الخمس.