هل صادفت سائقًا يُعقم "الفكّة" بغزة؟
تاريخ النشر : 2020-10-09 22:48

ما إن أعطته قطعةً نقديةً من فئة خمسة شواقل، حتى فوجئت به يضعها في كأسٍ مملوءٍ بما ظنته بدايةً ماء، لكنه وبعد أن أخرج من نفس الكأس ثلاثة شواقل، هبّت رائحة "كلور" نفاذة، داعبت أنفها وهو يناولها المبلغ مرفقًا بمندلٍ ورقي، بعد أن قال لها: "تفضلي جففيها، لا تقلقي إنه كلور مخفف أعقم به القطع النقدية".

تقول المواطنة آلاء مهدي: "أثلج هذا التصرف المسؤول من السائق الخمسيني صدري، كانت هذه المرة الأولى منذ بدء الجائحة التي أرى فيها هذا الحرص وهذا الشعور بالمسؤولية من قبل أحد السائقين"، فبالعادة –والحديث لآلاء- غالبًا ما تواجه سخرية بعض السائقين –بحكم عملها الذي يتطلب منها التنقل بشكلٍ يومي- إذا ما استخدمت معقم اليدين بعد استلام النقود، أو حتى بعد فتح باب السيارة، إذ من الممكن أن يباغتها أحدهم بتعليقٍ متهكم: "كل هذا خوف، تخافيش احنا ميتين ميتين بكورونا أو بغيرها".

وتخشى المواطنة مهدي كما غيرها من انتقال العدوى، بسبب الاستهتار الواضح من قبل بعض السائقين وأصحاب المحلات التجارية، تحديدًا الصغيرة منها والمنزوية، تضيف: "على الجهات المسؤولة، وبعد اتخاذها قرار تخفيف الإجراءات، إلزام السائقين والباعة على اتباع إجراءات الوقاية المطلوبة للحد من نقل العدوى، كتعقيم النقود بالحد الأدنى، واتباع إجراءات التباعد الاجتماعي"، خاتمةً حديثها بالقول: "كل ما أراه مجرد التزامٍ شكلي بالكمامة ليس أكثر".

وشهد قطاع غزة ارتفاعًا في عدد الإصابات بعد الإعلان عن تخفيف حالة الحظر، كخطوة أولى نحو العودة للحياة الطبيعية تدريجيًا، إذ بلغ عدد الإصابات الخميس51 حالة، فيما سجلت حالة وفاة واحدة.

وعلى عكس المواطنة مهدي جاء نصيب الشابة هبة شراب، في المرة الأولى التي تكسر فيها نظام الحجر المنزلي الذي فرضته ظروف تفشي جائحة كورونا خارج مراكز الحجر الصحي في قطاع غزة.

ارتدت الفتاة كمامتها، وتأكدت أكثر من مرة من احتواء حقيبة يدها على معقم اليدين، ثم انطلقت نحو جامعة الأزهر في مدينة غزة. تقول: "اضطرت للخروج من أجل استكمال إجراءات الحصول على شهادة تخرجي من كلية الصيدلة، وما أن ركبت سيارة الأجرة، حتى أخرجتُ المعقم وعقمت يدي، وفق الإجراءات الوقائية التي أقرتها وزارة الصحة الفلسطينية، ومنظمة الصحة العالمية، والشيء نفسه فعلته قبل وبعد دفع الأجرة التي حرصتُ على أن تتكون من قطع نقدية معدنية".

ما فاجأ الشابة شراب تعليق السائق عليها بسخرية: "انتي مصدقة أنه في كورونا، كله حكي فاضي"، ملفتةً إلى أن السائق كان يحرص على ارتداء الكمامة فقط قبل الحواجز المنتشرة على طول الطريق من جنوب القطاع لشماله، "كل ما كان يعنيه أن يرفع الركاب كمامتهم على وجوههم قبل الحواجز الشرطية" تكمل.

وتعلق: "لم أعد أستغرب بعد ما رأيته، من الارتفاع في عدد المصابين بفايروس كورونا، رغم كل نشرات التوعية التي لم تعد تخفى على أحد".

بدوره، يعلق د.رامي العبادلة مدير مكافحة العدوى في وزارة الصحة بقطاع غزة بالقول: "هناك حالة استهتار فعلية من قبل بعض المواطنين غير المدركين لحقيقة المشكلة، وهذا ما نلمسه في الشوارع والمتاجر، وفي تعامل المواطنين مع الإجراءات الوقائية، رغم استمرار الإرشادات التوعية على كافة الأصعدة".

وأوضح العبادلة فيما يخص سيارات الأجرة، أن من ضمن الشروط الإلزامية هو ارتداء الكمامة، لكن من الصعب بمكان فرض خفض عدد الركاب لثلاثة بدلًا من أربعة، بالرغم من أنه الأفضل لضمان عدم نقل العدوى، متابعًا: "ما يعيق ذلك، أننا لا نستطيع أن نحمل أجرة الراكب الرابع على المواطن، وفي نفس الوقت لن يقبل السائق بتحميل الأمر عليه، بالتالي كان من الصعوبة فرض إجراءٍ إلزاميٍ بهذا الخصوص".

ولفت العبادلة إلى أن فكرة فرض غرامات على المواطنين المخالفين للإجراءات والشروط الوقائية، كانت مطروحةً لكن تم استبعادها بسبب الظروف الاستثنائية لقطاع غزة، "ولهذه الأسباب الأمر منوط بشكل كبير باستمرار النشرات الإرشادية والتوعوية، وفي ذات الوقت المتابعة الحثيثة لضمان التزامٍ أكبر من قبل المواطنين".

وأوضح العبادلة أن مخاوف وزارة الصحة الأكبر، يكمن في الإصابات المتفرقة، وليس من عدد الإصابات الكثيرة في تجمعٍ سكنيٍ واحد.

وفيما يتعلق بتبادل القطع النقدية أثناء التنقل في المواصلات، أو خلال عمليات البيع والشراء، لفت العبادلة إلى أن الإرشادات واضحة بهذا الخصوص، وهي تعقيم القطع النقدية فور استلامها، ومن ثم تعقيم اليدين، وعدم لمس الوجه قبل إتمام عملية التعقيم تلك.

وأوضح العبادلة أن قرار العودة التدريجية للتعايش لا مناص منها، فالكثير من المواطنين في قطاع غزة يعتاشون على العمل اليومي، "وليس بالإمكان استمرار فرض الإغلاق في الوقت الذي لا تستطيع فيه الحكومة تغطية احتياجات المواطنين في منازلهم"، مردفًأ بقوله: "أكثر ما نحرص عليه هو منع التجمعات سواءً بالأفراح أو الأتراح، واستمرار فرض حظر التجول ليلًا".

وتابع: "مسألة استمرار التخفيف، أو فرض الإغلاق يرتبط بشكل أساسي بالقدرة الاستيعابية لمستشفى الوبائيات، للحالات المتوسطة والخطيرة، ففي الوقت الذي نلمس فيه أن المستشفى لم يعد يتحمل الحالات، سنعود مجددًا لفرض الإغلاق الشامل".