"هذا محمد" و"هذا مجد".. قلوب الأمهات لا تتوه
تاريخ النشر : 2020-10-09 10:44
صورة يظهر فيها الشاب محمد الرنتيسي

غزة:

من جديد، وبمجرد أن أمعنت النظر بكل تلك الوجوه المتكدسة في الصورة المسربة من مركز شباب الأنفوشي في الإسكندرية، صرخت الشابة الفلسطينية شيماء الرنتيسي ليلًا: "هذا هو، هذا أخي محمد، لا عيني تخطئه ولا قلبي يتوه عنه".

الصورة التي يقال –يقينًا- إن من فيها هم ناجون من سفينة 6/9/2014م، التي اختفى كل من كان على متنها من المهاجرين عبر البحر، أعادت الأمل بعد ست سنواتٍ من المجهول إلى قلوب أفراد العائلة، وأحيته مجددًا في بيوت عائلات أخرى تمكنت من تمييز ملامح أبنائها الذين كان أغلب الظن أنهم غرقوا أو قتلوا برصاص الطرادات البحرية آنذاك.

ست سنواتٍ وشيماء تتفحّص برفقة شقيقتها علا المواقع الإلكترونية الخاصة بمؤسسات حقوقية عربية وأجنبية، بحثًا عن أي معلومة حول أوضاع المهاجرين غير الشرعيين في مصر، حتى تعثرتا بالصورة التي رأت الاثنتان فيها شقيقهما محمد نائمًا على الأرض، يضم ساقيه إلى صدره.

هرولت الشابتان لإيقاظ أمهما التي لا تحظى سوى بنومٍ متقطّعٍ منذ اختفاء ابنها، وبدورها صرخت "نعم هو محمد، أعرفه حتى لو كانت الصورة أقل وضوحًا بمراحل".

الصورة التي شاركتها شيماء على صفحتها تعود لعام 2014م، تقول إنها "أيقظت الأمل في نفوس عائلات مفقودي سفينة الإسكندرية، فمنذ اختفاء السفينة، ونحن نتلقى كمًا من المعلومات يثبت أن أبناءنا أحياء، وأن السفينة لم تبحر أصلًا".

تضيف شيماء في لقاءٍ مع "نوى": "على مدار السنوات الماضية، كانت تصلنا معلومات تفيد أن محمد حي ومحتجز، ولكن لم يساعدنا أحد، الكثير من أهالي المفقودين كانوا يرسلون رسائل عبر فيس بوك لأبنائهم، ثم يظهر لديهم أنه تمت المشاهدة، أو حتى يتصلون بهم، فتدق هواتفهم"، وتصمت قليلًا قبل أن تعقب: "هذا يعني أن المفقودين موجودين ولم يبحروا أصلًا".

وتتابع: "كانوا يطلبون منا (تقصد المسؤولين) أي دليل على أن أبناءنا أحياء، حسنًا هذا هو الدليل، فليساعدونا".

شيماء بحثت عن الصحفي الذي نشر الصورة ويدعى توم رولنز وتواصلت معه، وهو منحها المزيد من المعلومات التي تؤكد أن مفقودي السفينة موجودين، بل وقام بعد ذلك بنشر المزيد من الصور على حسابه في موقع تويتر من نفس المكان، ووعد بالتواصل مع الشخص الذي سرّب الصورة حينها، من أجل مزيد من المعلومات.

اقرأ/ي أيضًا: "مهند" حي في صورةٍ مسربةٍ من "الأنفوشي"!

نشر الصور كما تؤكد شيماء، أدى إلى تعرّف العديد من الأهالي على أبنائهم، إلا أن صورة محمد تبقى الأكثر وضوحًا، هذا دفعهم إلى تنفيذ حملةٍ على مواقع التواصل الاجتماعي تحت وسم #اعتبروهم_أبناءكم ، ناشدوا فيها كل القيادات الفلسطينية، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بتحييد مفقودي السفينة عن أي وضعٍ سياسي، "فهم فقط كانوا يحاولون البحث عن حياة أفضل".

تقول شيماء :"قضيتنا إنسانية لا دخل لها بالسياسة، حيّدوا أبناءنا عن كل ما يجري في الإقليم، نحن نناشد الجميع مساعدتنا في عودتهم إلى أحضاننا"، مطالبةً الصحافة –على وجه التحديد- بالتحرك لتفعيل القضية.

السيدة رحاب إسماعيل أيضًا، فقدت ابنها مجد في ذلك اليوم الذي غابت فيه أخبار 250 فلسطينية وفلسطيني بينهم أطفال، ممن كان يفترض أن يركبوا السفينة من أجل الهجرة نحو بلادٍ ظنّوا أنها ستكون منجاهم إلى حياةٍ أفضل، هربًا من حياة الفقر والحصار وانعدام فرص العمل في قطاع غزة.

مجد الذي درس التمريض، والمعروف بلباقته وشياكته ودماثة خلقه، بلغ التاسعة والعشرين من العمر وهو لا يجد فرصة عمل بغزة، ولم يتردد في العمل باليومية، أو كعاملٍ في مصنع، كان كل ما يهمه أن يجد عملًا يساعده في بناء مستقبله، فلما فقد الأمل قرر الهجرة رغم رفض والدته، ولكن تحت وطأة إصراره، خرج وبقيت أخباره مجهولة حتى الآن.

تقول أم مجد لـ"نوى": "لم نترك قضية أبنائنا يومًا، نتواصل أنا والأهالي على الدوام، ونسأل عن أي معلومة جديدة، قبل عام اتصلتُ بسفيرنا في مصر دياب اللوح، وكان معه محافظ أريحا السابق اللواء منذر ارشيد، وأخبرتهم بالقصة، ولم يتم الرد عليّ حتى الآن".

منذ اليوم الأول للإعلان عن غرق سفينة 6/9، وأم مجد أول المشككين في الخبر، فهي تواصلت مع ابنها حتى الساعة العاشرة والنصف ليلًا، وهذا يعني أنه لم يخرج إلى السفينة، ثم إن كان هناك غرق فأين بقايا السفينة؟ وأين جثث الغرقى –تتساءل.

لسنوات ظلت أم مجد تضع هذه الشكوك على طاولة كل مسؤول تلتقيه، بل إنها زارت كل من تم الإفراج عنهم من السجون المصرية، وسألت عن ابنها مجد، وطلبت ردودًا غير عاطفية، تقول: "كنت أقول لمن أسأله، إذا لم ترَ مجد أخبرني أنك لم تره، وسأكون سعيدةً بصدق الإجابة".

مع نشر الشابة شيماء الرنتيسي للصورة التي يظهر فيها شقيقها محمد، ونشر الصحفي رولينز صورًا أخرى، تعرّفت أم مجد على ابنها مجد في الصورة، فقلبُها الذي لم يشكّ يومًا في أنه على قيد الحياة لن يخطئه حين يرى جانبًا منه يظهر في صورة.

تقول أم مجد: "الصورة تظهر أنهم كانوا محتجزين في مركز شباب الأنفوشي بالإسكندرية، وقام الناشط يوسف عويص بنشر فيديو لمحافظ الإسكندرية وهو يزور المكان، وقارن بين مرافق المكان التي تظهر أثناء الزيارة، وذات التفاصيل التي تظهر في الصور المسربة، ويظهر بوضوح أنها غرفة غيار رجالي يعني أنه نادٍ رياضي، وحتى دهان الجدران وأرضية المكان هي واحدة، ما يُثبت أن أبنائنا كانوا محتجزين في هذا المكان فعلًا".

وتؤكد أم مجد أنهم كأمهات لمفقودين، لا هم لهن سوى احتضان أبنائهن، فعذاب ست سنوات يكفي ويزيد، كلهن يعانين ظروفًا صحيةً ناتجةً عن فقدان أبنائهن، "والآن بات المطلوب من كل قيادي مساعدتنا" تقول.

وتضيف: "سنوات لم أتذوق فيها طعم الفرحة، كيف أفرح وابني ليس في حضني؟ توفي جدّه وهو لا يعلم، تزوج شقيقه وهو لا يعلم، يزورني أصدقاء مجد ومعهم أطفالهم، لو أن ابني تزوج لكان الآن لديه طفل في عمر أبنائهم".

وتبكي أم المجد وهي تردد: "أريد ابني في حضني، وليبقى طوال عمره بلا عمل"، ثم تطير بخيالها إلى لحظاتٍ تريد أن تعيشها عند عودة مجد، تختم: "بتعرفوا؟ لو اجا وأخدوه عالحجر، مستحيل أستنى، بروح عالحجر معه".

صورة الشاب محمد الرنتيسي 

صورة يظهر فيها الشاب مجد اسماعيل 

صورة يظهر فيها الشاب مدحت العبادلة وقد تعرفت عليه عائلته أيضًا 

صورة يظهر فيها الشاب مهند لظن وقد تعرفت عليه عائلته 

صورة يظهر فيها الشاب رامز عصفور وقد تعرفت عليه عائلته 

صورة يظهر فيها الشاب أحمد عصفور شقيق رامز 

جزء من رسالة أرسلتها أم لابنها المفقود على الفيس بوك عام 2019 ويظهر إشعار بأن الرسالة وصلت ما يعني أن هاتفه مفتوحًا

صور أخرى للمحتجزين