الأسير الأخرس يصوّرُ "وصيته": لا تمزقوا جثماني
تاريخ النشر : 2020-10-08 22:33

جنين/ شبكة نوى- فلسطينيات:

كثير من روايات الكتب يمكنُ أن تبدو عاديةً أمام حكايات الواقع، وواحدة منها، قصة الأسير ماهر الأخرس (50 عامًا) من بلدة سيلة الظهر جنوب جنين بالضفة الغربية، الذي يواصل إضرابه المفتوح عن الطعام لليوم 73 على التوالي، مسندًا ظهره إلى إرادته وزوجته "تغريد" التي صارت مصدر قوته وصوته، حين خذلته كل الأصوات.

من أمام الغرفة التي يقبع بها الأخرس في مستشفى "كابلان" الإسرائيلي، أعلنت تغريد الأخرس الأربعاء (7 تشرين أول/أكتوبر) إضرابها المفتوح عن الطعام تضامنًا مع زوجها، وقالت لـ"نوى": "ماهر يمر بظروفٍ صحيةٍ صعبة ومأساوية للغاية، وكل يوم تزداد حالته الصحية سوءًا وخطرًا، لكن إرادته قوية وهو مستمر في إضرابه حتى نيل الحرية".

ويرفض الأخرس، الذي أعلن إضرابه احتجاجًا على اعتقاله الإداري، أية وعود من مصلحة سجون الاحتلال بالإفراج عنه في موعدٍ يُحدد لاحقًا، ويطالب بالحرية الفورية، رغم أنه بات غير قادر على الوقوف أو الحركة، وقد خسر الكثير من وزنه، "وفي بعض الأحيان (والحديث لزوجته) يفقد وعيه ويصبح غير قادر على معرفة الموجودين حوله بعد استيقاظه، كما يعاني من أوجاعٍ عامة وضبابية في الرؤية وطنين في الأذن، وآلامٍ شديدةٍ في القدمين، وعدم القدرة على النوم".

 تتابع تغريد تطورات زوجها الصحية من داخل المستشفى لرفع معنوياته ومؤازرته، في ظلِّ ما وصفته بـ "التقصير الرسمي من قبل السلطة الفلسطينية، ورئيسها محمود عباس، ورئيس الحكومة محمد اشتية"، الذين لم تسمع العائلة لهم صوتًا للتضامن مع ماهر، "ناهيك عن تقصير الفصائل، والصمت الشعبي العارم عن معاناة الأسرى والمعتقلين إداريًا".

هذا ما دفع تغريد إلى الذهاب للمستشفى، وإعلان الاعتصام والإضراب تضامنًا معه، كي أنقل صوته إلى العالم بأسره.

تضيف بتأثر: "هذا ما أستطيع أن أفعله لماهر، هذا التضامن والبقاء معه هو حلّنا الوحيد الآن".

"مستمر في الإضراب عن الطعام ولن أتراجع، إما الحرية بين عائلتي وأطفالي، وإما قتلى باسم عدالتهم الزائفة، ومحاكمتهم الزائفة".

وكان الأسير ماهر الأخرس، قد قال في تسجيل مصور له بتاريخ السادس من تشرين أول /أكتوبر، فيما هو أشبه بالوصية: "إذا استشهدت، وحسبما يقول الأطباء أنني معرض للموت المفاجئ في أي لحظة، وصيتي لشعبي وأهلي رفض تشريحي، وألا يلمس جُثماني ولا يُمزّق"، مضيفًا "مستمر في الإضراب عن الطعام ولن أتراجع، إما الحرية بين عائلتي وأطفالي، وإما قتلى باسم عدالتهم الزائفة، ومحاكمتهم الزائفة".

وتحدث الأخرس عن "تقصيرٍ كبير في التضامن مع الأسرى من قبل الشارع الفلسطيني، حيث لا يوجد اهتمام أو اكتراث بأسير يواصل إضرابه منذ 73 يومًا، لا أحد يقف معه، لا السلطة، ولا الحكومة، ولا حتى سفراء فلسطين حول العالم الذين لا نسمع لهم صوتًا في نقل قضايا الأسرى للعالم، وكذلك الشعب".

ويعيش الأسرى في سجون الاحتلال، أوضاعًا في غاية الصعوبة على مستوياتٍ عدة، في ظل استمرار إدارة سجون الاحتلال بسياسة التضييق والتنكيل بحقهم، التي كان آخرها منع سلطات الاحتلال إدخال أموال "الكانتينا" إلى الأسرى لعدة أيام، قبل أن تسمح بذلك مؤخرًا، ناهيك عن تسجيل المزيد من الإصابات بـ "كورونا" في صفوفهم، ما يدلل على غياب أي إجراءات وقائية وطبية.

يعيش الشارع الفلسطيني حالة موت سريري إزاء التضامن ودعم الحركة الأسيرة، رغم وجود تطورٍ إيجابي على المستوى الداخلي في ملف المصالحة.

وفي صورة مناقضة لما تعيشه السجون، يعيش الشارع الفلسطيني حالة موت سريري إزاء التضامن ودعم الحركة الأسيرة في السجون، رغم وجود تطورٍ إيجابي على المستوى الداخلي في ملف المصالحة.

يقول رئيس نادي الأسير الفلسطيني قدورة فارس: "إن الحديث عن وجود تطوراتٍ إيجابية في ملف المصالحة أمر جيد، لكن ذلك غير كافٍ نظرًا للحاجة المُلحة لبلورة مشروع مقاومة استراتيجية، وليس معالجة كل ملف على انفراد،  مضيفًا "مشروع مقاومة استراتيجي من شأنه أن ينتقل إلى مواجهة سياسة الاحتلال في السجون".

وتعرّضَت القضية الفلسطينية بشكلٍ عام إلى ضرباتٍ وهزاتٍ متلاحقة، لم تنجُ منها الحركة الأسيرة. لقد جرى إسقاط ملف الأسرى من المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وتحويله لاحقًا إلى أحد قضايا الوضع النهائي، ما أدى إلى إهمالهم ونسيانهم في غياهب السجون، واقتصر الأمر على المستوى الرسمي بانتظار مبادرات حسن النية من قبل سلطات الاحتلال للإفراج عن بعض الأسرى الذين قاربت مدة محكوميتهم على الانتهاء.

تعرض الكثير من النشطاء والأسرى المحررين، الذين شاركوا بحملات التضامن مع الأسرى، إلى ملاحقةٍ ومساءلةٍ من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، كما من قبل قوات الاحتلال.

وخلال السنوات الماضية تعرض الكثير من النشطاء والأسرى المحررين، الذين شاركوا ونظموا حملات التضامن مع الأسرى، إلى ملاحقةٍ ومساءلةٍ من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، كما من قبل قوات الاحتلال.

كما تعرضت المؤسساتُ العاملةُ في مجال الأسرى، ومنها الرسمية، إلى ملاحقاتٍ و تضييقات إدارية ومالية، حدّت من قدرتها على العمل، الذي بات يقتصر في الكثير من الأوقات على المتابعات القانونية للأسرى.

لقد ساهم تراجع دور الفصائل، وانحساره في العمل الجماهيري والوطني، على العمل التضامني مع الأسرى، نظرًا لعدم قدرة تلك الفصائل على حشد الجمهور في أي فعاليةٍ شعبية وجماهيرية في الشارع، وقد جاء الانقسام معززًا لذلك الأمر بشكل كبير.

"جهودٌ تُبذل"

يقول رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدري أبو بكر لـ"نوى": "إن هناك تراجعًا منذ سنوات في مستوى الدعم والتضامن الشعبي مع الأسرى، حتى أن بعض أهالي الأسرى لم يعودوا يشاركون في الفعاليات".

ويشير أبو بكر إلى جهودٍ تُبذَل للعودة إلى حشد الجماهير، وتنظيم فعالياتٍ مساندةٍ الأسبوع المقبل، خاصةً في ظل استمرار إضراب الأسير ماهر الأخرس.

وعن التغيير الذي حدث في مستوى الزخم الجماهيري يتابع: "إن الضعف الشعبي تراكم فعلًا بعد اتفاقية أوسلو على وجه الخصوص".

لم يستشهد أحد!

ويرى أبو بكر، أنه وبرغم غياب العمل الجماعي في التضامن مع الأسرى، إلا أن ذلك لا يجب أن يحول دون التضامن مع الأسير الأخرس، "أي كما حدث مع الأسيرين المحررين خضر عدنان وبلال ذياب، حين أعلنا اعتصامهما المفتوح داخل مقر الصليب الأحمر في مدينة جنين" يزيد.

وعلى ضعف الحراك الجماهيري، يعلق خضر عدنان بقوله: "هناك أسباب عديدة تقف خلف ذلك، أبرزها وصف الإضراب النخبوي عن الطعام بالإضراب بالفردي، وهذا يحمل معنى سلبيًا، رغم أن الإضراب يقوم به البعض نيابة عن الكل، ويعد رافعة لنضال شعبنا من أجل حرية الكل".

"الجماهير بات لديها نوع من الاطمئنان تجاه الأسرى الذين يخوضون الإضرابات، خاصةً مع نجاح كل الأسرى المضربين سابقًا في انتزاع حريتهم".

وأضاف عدنان في حديثه لـ "نوى": "الجماهير بات لديها نوع من الاطمئنان تجاه الأسرى الذين يخوضون الإضرابات، خاصةً مع نجاح كل الأسرى المضربين سابقًا في انتزاع حريتهم، دون أن يُفضي أي إضراب لاستشهاد أحد الأسرى".

ولفت إلى أن جائحة "كورونا" أثّرت سلبًا على الدعم الجماهيري للأسرى المضربين عن الطعام، مشيرًا إلى غيابِ أي تحركٍ رسميٍ من قبل السلطة والحكومة، "وبرأيي فإن دور الصليب الأحمر أضحى "سلبيًا" تجاه قضية الأسرى المضريب عن الطعام" يزيد.