طيور "السمّان" تنتشل "إبراهيم" من مستنقع البطالة
تاريخ النشر : 2020-09-30 16:37

تعسّر به الحال طويلاً، في كل مرةٍ ينتهي به المطاف إلى "عاطلٍ عن العمل" بعد محاولات العمل في مجال المحاسبة الذي حصل على شهادةٍ عليا فيه. هنا أقسم ألا يكون رزقه بعد اليوم في يدٍ مخلوقٍ على وجه الأرض وهكذا بدأت الحكاية.

يقول إبراهيم أبو عودة (37 عامًا): "بدأتُ أفكر في كيفية استثمار أي شيءٍ أجيد عمله غير المحاسبة، فتراءت أمام ناظِرَي مزرعة الدواجن الصغيرة التي كان والدي يقوم على رعايتها بدءًا من مرحلة جمع البيض، ثم وضعه في فقاسة ذاتية الصنع، حتى يصبح صوصًا ثم دجاجة"، في تلك اللحظة، قرر أن يكون له مشروعه الخاص "لقد رأيته مكتملًا بلا أي نقصان في ذهني وتفكيري" يضيف.

لم يستغرق الأمر منه طويلًا حتى أصبحت الفكرة واقعًا، برأس مالٍ لم يزد عن ألف شيكل في حينه، يتابع باتصالٍ هاتفي مع "نوى": "جهزتُ مكانًا خاليًا داخل حدود منزلي، وصنعتُ أول فقّاسةٍ بنفسي، واشتريت بيض السمان، لأبدأ بتجهيز أول مئة أم في مزرعتي الخاصة".

لم يكن الأمر سهلًا، كان الرجل يضع الخسارة نصب عينيه، خاصةً وأن تربية طير السمان يختلف عن الدجاج، فهو متتابع التفريخ، وبالتالي يكون متتابع البيع، "بمعنى أن كل يوم خلال العام تكون فيه زرعة متكاملة جاهزة للبيع، وهو ما كان يزيد مخاوفي، لكن إيماني بأن الرزق في التجارة يتطلب الدقة في العمل، وحساب كل خطوة، جعلني أقدم على الاستمرار في كل مرة كان تراودني فيها فكرة التوقف" يردف.

وتختلف تربية طير السمان عن الدواجن، باعتبار أن السمان يحتاج إلى أمهات يمضين ما يقارب 7 أشهر في العطاء المتواصل قبل أن يتم التخلص منهن، وتجديد المزرعة بأمهات جديدات، وعن الأسباب يقول: "خلال السبعة أشهر الأولى، تكون الأم أكثر عطاء من حيث كم البيض وقوة التخصيب، ناهيك عن أنها غير مكلفة من حيث التغذية، لكنها بعد ذلك تصبح أكثر تكلفة من حيث التغذية، وأقل عطاء في البيض وضعف تخصيبه".

بدأ إبراهيم بمئة أم، ويطمح إلى الوصول لخمسة ملايين أم، ويؤكد أنه يرى تحقيق طموحه قريبًا جدًا، لافتًا إلى أن  المشروع في مخيلته يشمل خط إنتاجٍ متكامل، يبدأ بالتربية، مرورًا بالذبح والتنظيف والتغليف، لتصل إلى المستهلك جاهزةً للطبخ.

ربما أحد أسرار نجاح أبو عودة، أنه لا يجد حرجًا في السؤال عن أي مشكلةٍ تواجهه أثناء تربية السمان، فيلجأ إلى خبراء في التربية من خارج قطاع غزة، "ولا يخلو الأمر من الاستعانة باليوتيوب".

تنقسم مزرعة السمان لعدة أقسام، منها ما هو للأمهات التي تبيض، وقسم آخر للتفريخ، وأقسامٌ للحضانة التي توضع فيها الفروخ منفصلة حسب أعمارها، إذ لا يجوز وضع فروخ سمان من أعمار مختلفة بنفس المكان.

وعلى عكس ما يعتقد البعض، حول أن العلاقة بين سوق الدواجن والسمان عكسية، يوضح أبو عودة، أنه حينما ترتفع أسعار الدجاج، يزداد الطلب على السمان، لكن في الوقت الذي يشهد سوق الدواجن انخفاضًا في الأسعار، تتعرض بضاعة السمان للكساد، "فالمستهلك يفضل شراء الدجاج في هذه الحالة".

يعمل اليوم في مزرعة أبو عودة للسمان خمسة عمال بشكل مستمر، وهو ما يعده الشاب إنجازًا يُحسب له، كونه تمكن من تأمين مصدر دخل لخمسة أسر، في ظل الظروف الاقتصادية المتردية التي تواجه  قطاع غزة، لافتًا إلى أنه بالرغم من أن الأجر لا يتجاوز مئتي دولار شهريًا، إلا أنه قادر على تأمين حياة أسرة، طوال العام.

يزيد بقوله: "أسير وفق الحكمة التي تقول: قليلٌ دائم خير من كثير منقطع، أنا لا أفكر في التخلي عن أي من عماله، بل إنه يتطلع لتوسيع مشروعه الصغير، كي يصبح قادرًا على استيعاب عشرات العمال مستقبلاً".

وكما أن كل شيئ في قطاع غزة، تأثر بفعل جائحة كورونا، كادت مزرعة أبو عودة أن تتعرض للخسارة الفادحة،  بفعل دخول حالة الطوارئ، عن ذلك يشرح: "فكرتُ كثيرًا في كيفية تصريف السمان الجاهز للبيع، لكن بلا جدوى، واستمريت في تغذيته إلى أن ارتفعت أسعار الدواجن، وبدأ الطلب يزداد على السمان، لأتمكن  من تسويق 10 آلاف سمانة في يوم واحد".

يفخر أبو عودة  بنجاح مشروعه، وينصح الشباب من الخريجين أن لا ينتظروا الوظيفة التي ربما لن تأتي خلال وقتٍ قريب، ويزيد :" فكر في استثمار أي موردٍ تملكه، أو مهارة تملكها ولا تجلس لتندب حظك، فمهما كانت الفكرة بسيطة، بالإرادة والتصميم تصبح واقعًا ملموسًا".