لماذا سقط مشروع قرار إدانة "التطبيع" الإماراتي-الإسرائيلي؟
تاريخ النشر : 2020-09-10 21:12

غزة:

لم يفاجئ فشل الدول العربية في التصويت على مشروع قرار إدانة التطبيع الإماراتي مع الاحتلال الإسرائيلي الشارع الفلسطيني هذه المرة، فالأخير بات يعلم جيدًا أنه اليوم "وحيد" على خط المواجهة، لا سيما بعد أن رفض الأمين العام لجامعة الدول العربية في الثالث عشر من آب/ أغسطس الماضي -يوم إعلان التطبيع- عقد اجتماعٍ طارئٍ للجامعة، وأصر على عقده في موعده الاعتيادي التاسع من أيلول/ سبتمبر الجاري أي "بالأمس".

بكل بساطةٍ قالها حسام زكي الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية على الملأ عقب انتهاء الاجتماع: "كانت هناك بعض المطالب الفلسطينية التي لم تتحقق". العبارة لخصت –دون أن تترك مجالًا للشك- اختلال موازين القوى داخل الجامعة، بسبب التغيرات التي طالت علاقات الدول العربية ببعضها البعض، وجعلت "دعم حق الشعب الفلسطيني" في آخر قائمة اهتمامتها.

يقول الباحث القانوني صلاح عبد العاطي مدير الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد": "مشروع القرار سقط نتيجة تراجع قيمة الجامعة العربية اليوم، وغياب آليات العمل العربية المشترك، نتيجة الصراعات داخل المنطقة، ورؤية كل دولة ومحاورها للمرحلة المقبلة"، مضيفًا: "القضية الفلسطينية كانت سابقًا جامعة، لكنها الآن لم تعد كذلك، هناك تحللٌ من قبل الأنظمة العربية تجاه القضية، وتحميل الفلسطينيين مسؤولية هذا الأمر بذريعة استمرار الانقسام".

حول هذه النقطة، أشار عبد العاطي إلى أن الانقسام، تسبب "بالفعل" في إضعاف هيبة القضية الفلسطينية وتسبب بنتائج كارثية طالت الحقوق الفلسطينية، حين "سمح بتعاون الفلسطينيين مع أطراف ومحاور أخرى –لها مشاريعها في المنطقة- ما جعل العرب يتراجعون عن دعم القضية" يضيف.

المطلوب من الفلسطينيين في هذه المرحلة إعادة ترتيب بيتهم الداخلي عبر إنهاء الانقسام، "والتحلل من التزامات اتفاق أوسلو، وإغلاق أي خط للتواصل مع الاحتلال

ويرجح عبد العاطي، تقديم مشروع "إدانة التطبيع" من قبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، للضغط على الإمارات التي يقوم فيها النائب محمد دحلان "الذي لا تخفى حالة العداء بينهما على أحد"، وعليه يكمل: "كان لا بد من مقاربة جديدة تقوم على مناهضة التطبيع داخل المنطقة، مع التحذير من انعكاسات هذه الخلافات على الشعوب العربية، فنحن ما زالت قضيتنا حية، ولا بد من سياسة تقوم على تحييد الفلسطينيين من الصراعات العربية والإقليمية".

وعن الخيارات السياسية المطروحة للخروج من مأزق التنصل العربي، يرى الباحث القانوني، أن المطلوب من الفلسطينيين في هذه المرحلة إعادة ترتيب بيتهم الداخلي عبر إنهاء الانقسام، "والتحلل من التزامات اتفاق أوسلو، وإغلاق أي خط للتواصل مع الاحتلال "كلجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي" على سبيل المثال، وإعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة، ثم التحرك لتشكيل جبهة رفضٍ عربية تدعم الحقوق الفلسطينية"، مشددًا على أهمية دعم حركة المقاطعة الدولية، والاستمرار في نظم العلاقات العربية العربية، عبر المثقفين ووسائل الإعلام، "والتوجه إلى الشعوب العربية، وقراءة المتغيرات التي جرت داخل الإقليم والتعامل معها بواقعية".

من جانبها، تجزم الباحثة السياسية د.أماني القرم أن مشروع القرار الفلسطيني سقط لأن الإمارات دولة قوية، تتمتع بعلاقاتٍ قوية مع عدد من الدول العربية، "ولها وزنها في الجامعة"، وهذا مدعاةٌ لسقوط أي مشروع قرار يدينها.

القرم: نحن نتحمل جزءًا من المسؤولية، بسبب الخطاب الفلسطيني الذي كان يجب أن يعي التغيرات التي حدثت في المنطقة

وتضيف: "الظروف والمعطيات في الشرق الأوسط تغيرت، فنحن لا نتحدث عن تطبيعٍ إماراتي إسرائيلي وحسب، فهناك السودان والمغرب في الطريق"، مبينةً أن هناك اختراق أمريكي للمنطقة، بهدف التطبيع مع "إسرائيل" وعزل الفلسطينيين.

"من سيقف معنا؟!" تتساءل القرم باستنكار، ثم تجيب :"البحرين التي فتحت مجال التطبيع منذ سنوات، أم سلطنة عمان التي تتمتع بعلاقات جيدة مع الاحتلال، أم السعودية التي فتحت مجالها الجوي لمرور طائرات الاحتلال وهو ما رفضه الملك عبد الله في عهد أوباما يومًا؟ أم من؟".

"لا نتحمل وحدنا مسؤولية تراجع الدعم العربي للقضية الفلسطينية"، تقول القرم، وتزيد: "نحن نتحمل جزءًا من المسؤولية، بسبب الخطاب الفلسطيني الذي كان يجب أن يعي التغيرات التي حدثت في المنطقة، ويتغير وفقًا لمعطياتها بما لا يخل بثوابت القضية، فبعد عام 2011م، أصبحت هناك تهديدات للدول العربية مختلفة عن التهديدات التقليدية".

لقد أصحبت "إيران" –والحديث للقرم- العدو الأول للدول الخليجية وليس "إسرائيل"، تستطرد بالقول: "ونحن نرى نفوذها في سوريا ولبنان وغزة واليمن، بالتالي تلقائيًا تريد ضمان أمنها، وهذا أدى لتغيير أولوياتها، وتراجع القضية الفلسطينية كأولوية بالنسبة للدول العربية أغلبها".

وترى القرم الخيارات الفلسطينية "ضعيفة جدًا" في التعامل مع المرحلة، لكنها تصرُّ دومًا على ضرورة وجود "جيش إلكتروني منظم"، مردفةً: "الدبلوماسية الفلسطينية يجب أن تتغير، وهناك أجيال عربية تنشأ لا تعرف شيئًا عن القضية الفلسطينية، وقد رأينا ردود الفعل الباردة إزاء نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بها كعاصمةٍ للاحتلال، عوضًا عن ضم الجولان".

إضافة إلى ذلك ترى القرم "ضرورة تحسين الأداء السياسي الفلسطيني داخليًا، باتجاه إنهاء الانقسام، والتوقف عن مهاجمة الدول الأخرى، لأن هذا يثير الأحقاد ويؤدي إلى نتائج عكسية، أما الفصائل الفلسطينية فالمطلوب منها ليس الإدانات التي تفتقد للبعد الوطني، والمدروسة بعناية كي لا تُغضب أحدًا".

وتشير إلى أن غياب الفكر الاستراتيجي للفصائل الفلسطينية، أدى إلى غياب تأثيرها، "إذ لم نرَ فصيلًا يقدم خطةً للخروج الآمن من الأزمة الراهنة، علينا أن نتحرك على الأرض ونلملم أوراقنا بسرعة، ونستثمر من بقي في صفنا قبل أن يتركنا ويرحل".