نشطاء الضفة.. اعتقالاتٌ "مطلَبيّة" وقانون طوارئ بـ"وجهين"
تاريخ النشر : 2020-09-10 20:04

رام الله/ شبكة نوى- فلسطينيات:

في السابع من سبتمبر/أيلول الجاري، مدَّدت نيابة محافظة جنين اعتقال الناشط فارس أبو بكر من بلدة "يعبد" شمال الضفة الغربية، لمدة 48 ساعة لاستكمال التحقيق معه، وذلك بعد ساعاتٍ من اعتقاله من قبل جهاز الأمن الوقائي.

وُجِّهت لـ"فارس"، الطالبُ في السنة الثالثة بجامعة بيرزيت، التهمة ذاتها التي وُجهت لعشرات النشطاء الذين اعتقلتهم أجهزة أمن السلطة الفلسطينية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، وهي "ذم السلطات"، وقد سبق هذا الاعتقال استدعاء خطّي للمقابلة في مقر الأمن الوقائي بتاريخ 17 آب/ أغسطس، رفضه أبو بكر وهو ما عُدَّ تهمةً إضافية.

اعتقال "أبو بكر" سبقه عشرات الاعتقالات المماثلة لنشطاء ومعارضين لسياسات السلطة من صحافيين وفنانين ونقابيين، تمامًا كما حدث مع عبد الرحمن ظاهر من مدينة نابلس، المعتقل لنفس التهمة.

منع من حق قانوني

والظاهر، هو صحفي وفنان فلسطيني، احتجزَ منذ السابع عشر من آب/أغسطس الفائت على ذمة التحقيق بأمر من النيابة، فيما لم يُسمح لعائلته بزيارته والاطمئنان عليه حتى اللحظة، ورُفِضت الطلبات التي تقدم بها محاميه للإفراج عنه كافة.

"لم نعلم باعتقاله إلا بعد مرور يومٍ كامل، فهو معتادٌ على التأخر بالعمل، وكنتُ أرسل له رسائل عبر تطبيق "واتساب" ثم ألاحظ أنه يقرأها دون أن يرد عليّ".

تقول زوجته رشا السايح لـ"نوى": "لم نعلم باعتقاله إلا بعد مرور يومٍ كامل، فهو معتادٌ على التأخر بالعمل، وكنتُ أرسل له رسائل عبر تطبيق "واتساب" ثم ألاحظ أنه يقرأها دون أن يرد عليّ، وفي اليوم التالي أخبرنا أحد معارفه الذي يعمل لدى الأجهزة الأمنية باعتقاله من قبل الوقائي".

منذ ذلك الحين لم تتمكن العائلة من رؤيته أو الحديث معه سوى لدقائق قليلة خلال المحاكم الثلاث التي عُقدت لتمديد توقيفه، و"قدَّمنا طلباتٍ لزيارته أكثر من مرة، ورُفضت بحجة كورونا، يتعاملون مع عبد الرحمن كأنه مجرم كبير، فحتى حقه القانوني في إبلاغ عائلته باعتقاله مُنع منه".

ويشير مهند كراجة، المحامي المتابع لقضية الظاهر، وهو عضوٌ في "مجموعة محامون من أجل العدالة"، إلى أن التحقيق مع عبد الرحمن يجري على خلفية نشاطه السياسي على شبكات وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى مواد فنية كان قد أنتجها عام 2014م، ضمن برنامج كوميدي ساخر، عُرض على فضائية "رؤيا" الأردنية.

تناول الظاهر اتفاق التطبيع الإماراتي- الإسرائيلي، وكتب: "تعليقي أحتفظ به لنفسي، لكن آخر من يحق له التعليق، السلطة الفلسطينية".

وفي آخر منشور له على صفحته بموقع "فيسبوك"، تناول الظاهر اتفاق التطبيع الإماراتي- الإسرائيلي، وكتب: "تعليقي بخصوص التطبيع الإماراتي الإسرائيلي أحتفظ به لنفسي، لكن آخر من يحق له التعليق، السلطة الفلسطينية، وأي دولة شقيقة تقييم علاقات سلام أو علاقات تجارية مع الاحتلال، وحتى جماعة نحتفظ بحق الرد".

ويبدي كراجة استغرابه من التشدد الكبير في التعامل مع قضية الظاهر، خاصةً بمنعه من الالتقاء به كمحامٍ عنه، أو بعائلته، لافتًا إلى أنه لا يُعطى خلال المحكمة الوقت الكافي للحديث معه أيضًا، "فقد مرّت ثلاثة أسابيع على الاعتقال، دون أن أستمع عن ظروف احتجازه أو شكل التحقيق الذي أُجريَ معه".

اعتقال "مطلبي"

ويلفتُ كراجة إلى أن عمليات الاعتقال على خلفية إبداء الرأي تزايدت في الفترة الأخيرة، وأن (90%) من مجمل الاعتقالات تطال نشطاء ينتمون إلى حركاتٍ اجتماعية مطلبية، ولا ينتمون لأحزابٍ وألوان سياسية.

ويربط كراجه ارتفاع معدل الاعتقالات بارتفاع وتيرة التذمر في الشارع الفلسطيني، من أداء السلطة والأجهزة الحكومية التنفيذية، وتراجع الثقة بقدرتها على إدارة الأزمة الحالية، سواء بعد تفشي فيروس "كورونا"، أو على خلفية الأزمة الاقتصادية، إلى جانب ارتفاع مؤشرات الفساد بين مؤسساتها ورجالاتها.

كراجة: كان لقانون الطوارئ، دورًا في زيادة الاعتقالات وملاحقة النشطاء، حتى أننا بتنا نلاحظ ازدواجيةً في استخدامه تبعًا للقضايا المطروحة".

"وكان لقانون الطوارئ المتجدد منذ سبعة أشهر، دورًا في زيادة هذه الاعتقالات وملاحقة النشطاء، حتى أننا بتنا نلاحظ ازدواجيةً في استخدامه تبعًا للقضايا المطروحة، حتى بإجراءات التقاضي، والمحاكم المتعلقة بالنشطاء"، يقول كراجة، مدللًا على ذلك بإشارته لما يحدث خلال متابعته لقضايا جنائية أخرى، إذ يسمح له بزيارة المتهمين الجنائيين وأخذ إفاداتهم، في حين يُمنع من ذلك في قضايا النشطاء بحجة قانون الطوارئ وانتشار كورونا.

ويؤكد عضو "محامون من أجل العدالة" بأن استدعاء الناشط موسى معلا، من مدينة بيت جالا جنوب الضفة الغربية، من قبل جهاز المخابرات العامة "دون تهمة واضحة بحقه"، يعطي مثالًا واضحًا على الاستخدام المزدوج لقانون الطوارئ.

بدوره، يوضح الناشط معلا لـ "نوى" أنه أُستدعي للمقابلة ثلاث مرات، وفي الرابعة اعتقل لثلاثة أيام، وقد حقق معه ضباط الجهاز لساعات طويلة دون تحديد تهمة، قائلًا: "تعرضت لتحقيق غريب عجيب، عن كل شيء، وعن لا شيء".

تم استدعاء موسى معلا بعد مشاركته في تنظيم وقفة مطلبية لعمال القطاع السياحي المتضررين من أزمة "كورونا"، للمطالبة بالتعويض عن فقدانهم عملهم.

ويلفت إلى أن هذه الاستدعاءات وما يرافقها من تحقيق، كانت تتم تحت التهديد بالضرب أو النقل إلى مركز توقيف أريحا، وامتدت على مدار شهر كامل من منتصف تموز/ يوليو الماضي، ذلك بعد مشاركته في تنظيم وقفة مطلبية لعمال القطاع السياحي المتضررين من أزمة "كورونا"، ومطالبتهم الحكومة بالتعويض عن فقدانهم عملهم.

ويبيّن معلا أن هذه الوقفة نُظمت أمام مقر محافظة بيت لحم، وتجاوب معها المحافظ بتنظيم اجتماعٍ مع العمال أطراف المشكلة، وفي نفس اليوم توصّل لحل قضيتهم.

"حتى الاستدعاءات التي كنت أتلقاها، عبارة عن مغلفات فارغة مكتوب عليها بخط اليد اسمي وعنواني، وضرورة حضوري لمقر المخابرات حالًا، حالًا".

وبشأن حيثيات التحقيقات أضاف: "كان التحقيق يستمر حتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، تارةً حول ما أنشره على صفحتي بفيسبوك، أو لعلاقتي بشخصيات معارضة للسلطة تشاركتُ معها فيديوهات عبر الصفحة، وأخرى بشأن الحراك العُمالي، ومواضيع أخرى لا علاقة لها ببعضها".

ويتابع: "حتى الاستدعاءات التي كنت أتلقاها، عبارة عن مغلفات فارغة مكتوب عليها بخط اليد اسمي وعنواني، وضرورة حضوري لمقر المخابرات حالًا، حالًا".

انتهاكات جسيمة

"هذه الصورة تنبئ بقادمٍ أسوأ من القمع، في حال زاد حجم الحِراكات المطلبية على الأرض"، وفقًا للمستشار القانوني لمؤسسة الحق عصام عابدين.

عابدين: "أي نقدٍ للسلطة التنفيذية، حتى لو كان قاسيًا صادمًا صارخًا، لا يخرج عن دائرة حرية التعبير".

ويصف عابدين في حديثه مع "نوى" هذه الاعتقالات بـ"التعسفية"، إذ تتم على خلفية ممارسة الناشطين حقوقًا مكفولةً بالقانون الأساسي، مشددًا على أن أي نقدٍ للسلطة التنفيذية، حتى لو كان قاسيًا صادمًا صارخًا، لا يخرج عن دائرة حرية التعبير.

وتحدث عابدين عن انتهاكاتٍ جسيمة للقانون ترافقت مع اعتقالات النشطاء، كتمديد توقيفهم بلا مسوّغ قانوني، "وهذا يُستخدم كإجراء احترازي في الجرائم الخطرة، ولكن بالحديث عن نشطاء وصحافيين لا يرد التوقيف حسب الأصول الدستورية"، ماضيًا إلى القول: "وكأن الأجهزة الأمنية تهدف من وراء هذه الاعتقالات إلى فرض عقوبة السجن على النشطاء استباقيًا، وقبل أن يقول القضاء كلمته".