قضاة يصفون إجراءات المجلس "الانتقالي": تصفية حسابات
تاريخ النشر : 2020-09-07 23:16

رام الله/ شبكة نوى- فلسطينيات:

في السادس والعشرين من تموز/ يوليو الماضي، أٌبلِغت القاضية الفلسطينية آمنة حمارشة شفهيًا بقرار انتدابها خارج سلك القضاء، وبعد رفضها القرار وانتقادها أداء "المجلس الأعلى الانتقالي للقضاء"، مُنعت –وفقًا لها- من دخول مكتبها في مجمع المحاكم بمدينة البيرة "بعد أن تم تغيير القفل والمفتاح".

وتشغل حمارشة منصب قاضية في محكمة الاستئناف برام الله، ويشمل القرار انتدابها إلى مؤسسات حكومية "غير محددة" خارج سلك القضاء، ومنعها من دخول المحكمة، مقر عملها، وهي الإجراءات التي طالت عشرين قاضيًا خلال الشهر الأخير.

حمارشة: "تعرض العديد من القضاة، وأنا من ضمنهم، للتهديدات بالإحالة للتقاعد أو الانتداب خارج سلك القضاء بحجة أنهم غير مؤهلين".

قالت لـ "نوى": "منذ تعيين المجلس الانتقالي، تعرض العديد من القضاة، وأنا من ضمنهم، للتهديدات بالإحالة للتقاعد أو الانتداب خارج سلك القضاء بحجة أنهم غير مؤهلين"، مطالبةً بمساءلة رئيس المجلس القاضي عيسى أبو شرار على خلفية تعامله مع القضاة.

وأضافت: "إن كانوا غير مؤهلين، فالأولى تأهيلهم بالشكل الصحيح، وإن كانوا فاسدين فليخضعوا للمحاكمة"، واصفةً قرارات المجلس بحق القضاة بـ "الانتقامية" بسبب مواقفهم الناقدة.

وعُيّنت حمارشة –التي عملت محامية لمدة 11 سنة- قاضيةً في محكمة الصلح عام 2005م، ثم تدرجت لتصل إلى منصب "رئيسة محكمة" في طولكرم لمدة عامين، فتكون الأولى التي تشغل هذا المنصب على مستوى القضاء الفلسطيني، قبل أن تترقى إلى منصب قاضية في محكمة الاستئناف، ثم تنتدب كقاضية غير مثبتة في المحكمة الفلسطينية العليا.

اتهامات بالتغول

وتصاعدت الأزمة بين العديد من القضاة، ومعهم نقابة المحامين، وممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني، وبين "المجلس الأعلى الانتقالي للقضاء" اليوم الاثنين الموافق السابع من أيلول/ سبتمبر الجاري، بعد منع الأجهزة الأمنية للقضاة والمتضامنين معهم، من حضور جلسةٍ للنظر في طعون عدد منهم ضد قرارات انتدابهم، أو استثنائهم من الترقيات، وكان بينهم القُضاة: أحمد الأشقر، ووليد أبو ميالة، وفاتح حمارشة، ورياض عمرو.

وقال بيانٌ صادر عن "نادي القضاة" (الذي تشَكّل عام 2010م) "إن السلطة القضائية، وهي أهم سلطات الدولة، باتت تعاني من حالة غير دستورية تنتهك فيها أبسط معايير استقلال القضاء".

قرار الرئيس الفلسطيني، لاقى انتقاداتٍ كثيرة من قبل قضاةٍ أجمعوا على أن المجلس "يستخدم كافة الصلاحيات المنافية لمبدأ سيادة القانون".

وكان قرار الرئيس الفلسطيني الصادر في تموز/ يوليو 2019م، حل السلطة القضائية، وتشكيل مجلس قضاءٍ أعلى انتقالي، قد لاقى انتقاداتٍ كثيرة من قبل قضاةٍ أجمعوا على أن المجلس "يستخدم كافة الصلاحيات المنافية لمبدأ سيادة القانون ومبادئ الفصل بين السلطات، واستقلال السلطة القضائية، للتنكيل بالقضاة المعارضين له، والمطالبين بإعادة الحياة الدستورية القويمة للسلطة القضائية".

وطالب نادي القضاة، ونقابة المحامين، وبعض مؤسسات المجتمع المدني، سابقًا، بحل المجلس الانتقالي، وتشكيل مجلس قضاءٍ أعلى دائم، وفقًا لأحكام قانون السلطة القضائي رقم (1) لعام 2002م، إلا أنهم لم يتلقوا أي استجابة" كما أكدوا.

ووفقًا لتصريحِ أعضاء النادي، الذي صدَر بعد منعهم من الاعتصام أمام مجمع المحاكم في  مدينة البيرة: "فإن رئيس المجلس الانتقالي المعين من قبل السلطة التنفيذية، يمارس التغوّل على القضاة، ويتخذ إجراءات عقابية في إطار تصفية الحسابات، ويستمر في اختطاف القضاء الفلسطيني عبر سياسة الترهيب والترغيب".

يأتي هذا -كما ورد في التصريح- في الوقت الذي تعاني فيه المحاكم من التراجع في الأداء، ونقص عدد القضاة، وتردّي أوضاع مرافق العدالة، وتراجع منسوب الحماية القضائية للحقوق والحريات العامة، وكذلك تدني ثقة الجمهور الفلسطيني بالقضاء بشكل غير مسبوق".

"إن ازدحام أدراج المحكمة العليا بطعون عشرات القضاة، يشير إلى فداحة ما لحق بمنظومة العدالة من انهيار، ومن مساس بكرامة القضاة والمحامين".

وأضاف التصريح :"إن ازدحام أدراج المحكمة العليا بطعون عشرات القضاة، يشير إلى فداحة ما لحق بمنظومة العدالة من انهيار، ومن مساس بكرامة القضاة والمحامين"، مطالبًا القضاة بسحب وإلغاء قرارات المجلس الانتقالي المخالفة للقانون بانتداب القضاة، ورفض تعديل قانون السلطة القضائية "أو الالتفاف عليه"، بسن تشريعات للتقاعد القسري للقضاة، بالإضافة إلى تصويب قرارات المجلس الانتقالي القاضية "بحرمان القضاة من الترقية تعسفًا، لغايات انتقامية".

ويقضي قرار الرئيس الفلسطيني الصادر في الخامس عشر من تموز/ يوليو للعام الماضي، بالإضافة إلى حل مجلس القضاء الأعلى، بحل كافة هيئات المحكمة العليا، ومحاكم الاستئناف، وتشكيل مجلس قضاءٍ أعلى انتقالي مكون من سبعة أعضاء، يناط به مهام "إصلاح وتطوير السلطة القضائية والنيابة العامة، على نحوٍ يكفل سيادة القانون، واستقلال القضاء، والحق في الوصول للعدالة، والفصل بين السلطات".

وتشمل صلاحيات الانتقالي، التنسيب لرئيس الدولة بعزل أي قاضٍ، أو إحالته للتقاعد المبكر، أو انتدابه لوظيفةٍ أخرى، "إذا وجد في استمرار إشغاله للوظيفة القضائية، ما يمس هيبة القضاء".

وتشمل صلاحيات الانتقالي –تبعًا للقرار- إعادة تشكيل هيئات المحاكم، والتنسيب لرئيس الدولة بعزل أي قاضٍ، أو إحالته للتقاعد المبكر، أو انتدابه لوظيفةٍ أخرى، "إذا وجد أن في استمرار إشغاله للوظيفة القضائية، ما يمس بهيبة القضاء ومكانته وثقة الجمهور به"، إلى جانب "إعداد مشاريع معدلة لقانون السلطة القضائية، وقانون تشكيل المحاكم النظامية".

وقد تم تعيين المستشار عيسى أبو شرار على رأس المجلس، إلى جانب تعيينه رئيسًا للمحكمة العليا، على أن تستمر ولايته مدة عامٍ واحد، قابلة للتمديد ستة أشهر أخرى بقرارٍ من رئيس الدولة، وبناءً على تنسيبٍ من مجلس القضاء الأعلى الانتقالي.

لكن "الانتقالي" واجه منذ تعيينه انتقاداتٍ من داخل سلك القضاة وخارجه، إذ تؤكد القاضية آمنة حمارشة، أن عددًا كبيرًا من القضاة "تم استثناؤهم من الترقيات منذ استلام المجلس الانتقالي" ومن ضمنهم أربع قاضيات في المحكمة العليا، هي واحدة منهن.

تقول حمارشة: "المطلوب هو تشكيل مجلسٍ قضائي دائم، وفق أحكام قانون السلطة القضائية، يتم انتخاب رئيسه من أعضاء مجلس القضاء الأعلى"، مشيرةً إلى أن "الأستاذ عيسى أبو شرار هو قاضٍ متقاعد، تمت إعادته رئيسًا للمجلس الانتقالي، بتنسيبٍ من الرئيس محمود عباس مباشرة، وليس بتنسيبٍ من مجلس القضاء".

وأضافت: "إن الغاية من تعيينه كانت تحقيق إصلاحات في منظومة العدالة، وسرعة البت في القضايا، وزيادة عدد القضايا المفصول فيها، وتأهيل القضاة، لكنه ابتعد عن كل ذلك، واتبع سياسة تصفية الحسابات الشخصية مع القضاة المعارضين".

حمارشة: "الأحاديث كانت تدور خلال العام المنصرم عن تعيينات القضاة بناءً على توصياتٍ من الأجهزة الأمنية، ووفق توجهات القضاة السياسية".

وحسب حمارشة، فإن "الأحاديث كانت تدور خلال العام المنصرم عن تعيينات القضاة بناءً على توصياتٍ من الأجهزة الأمنية، ووفق توجهات القضاة السياسية"، تعقب: "هناك محامين عليهم شبهات فساد، تم تعيينهم في القضاء، هذا ناهيك عن المخالفات في آليات التعيين".

عضو نادي القضاة، القاضي أحمد الأشقر، أضاف على مداخلة "حمارشة" لـ "نوى": "تم تشكيل المجلس الانتقالي بصورة مخالفة لقانون السلطة القضائية، وتحول خلال العام الماضي إلى أداة قمعٍ وتكميمٍ لحريات القضاة".

وحسب الأشقر فإن 19 قاضيًا فلسطينيًا، عزلهم المجلس الانتقالي دون المرور بآلياتٍ قانونية تسوّغ ذلك.

وقال: "إن المجلس أصبح عبئًا على مبدأ استقلال القضاء، ووَضع السلطة القضائية رهينةً بيد السلطة التنفيذية التي منحها صلاحيات تدخُّل واسعة في عزل وتعيين القضاة خلافًا للقانون، وهو ما أثّر على منظومة العدالة في فلسطين كافة".

الأشقر كان أحد القضاة الذين حوّلهم المجلس الانتقالي إلى "مجلس تأديب" في كانون الثاني/يناير الماضي، بسبب نشره مقالةً نقدية، تناول فيها عزل وتعيين القضاة بصورةٍ غير قانونية.

والأشقر كان أحد القضاة الذين حوّلهم المجلس الانتقالي إلى "مجلس تأديب" في كانون الثاني/يناير الماضي، بسبب نشره مقالةً نقدية، تناول فيها عزل وتعيين القضاة بصورةٍ غير قانونية.

رد "الانتقالي"

وفي رده على التساؤلات حول انتداب عشرين قاضيًا خارج سلك القضاء -القضية التي صعّدت حراك القضاة المعارضين- قال المجلس في بيان صدر عنه: "إن التنسيب تم بإجماع أعضاء مجلس القضاء الأعلى الانتقالي، دون اعتراضٍ أو تحفظٍ من قبل أيٍّ منهم، ما ينفي المزاعم حول وجود اعتباراتٍ شخصية وراء قرار الندب".

وحسب المجلس، فإن الانتداب كان مبررًا، ولديه من الأوراق والمستندات ما يستدعي انتدابهم إلى العمل خارج السلطة القضائية.