الولايات المتحدة والقلق المتصاعد من الصين
تاريخ النشر : 2020-08-10 08:20

Share

a

a

 0

 774

الولايات المتحدة والقلق المتصاعد من الصين

09-08-2020 | 07:35 

Share

a

a

 0

 774

شرين الخطيب

بقلم: شرين الخطيب

تدهورت العلاقات ما بين العملاقين الاقتصاديين خلال الأيام الماضية بشكل كبير ولافت. وبالرغم من أن العلاقات ما بين الطرفين اتخذت منحى عدائي وصل حد التراشق الإعلامي منذ فترة ليست بالبسيطة إلا أن الأمر لم يصل حد الإخلال بالعلاقات الدبلوماسية والتمثيل الدبلوماسي ما بين الطرفين.

يلاحظ المتابع للسياسة الأمريكية تغيرها منذ تقلد الإدارة الحالية للرئاسة، ليس فقط على الصعيد الداخلي وحسب، بل وأيضا على صعيد سياستها الخارجية. فمنذ استلام الرئيس "ترامب" للحكم ارتفع شعار "أمريكا أولا" فيما يخص علاقاتها بجميع دول العالم ومؤسساته الدولية، وبناء على ذلك، انسحبت من اتفاقية باريس للمناخ، الاتفاق النووي الإيراني، معاهدة الصواريخ النووية في روسيا، منظمة اليونسكو، اتفاقية الشراكة التجارية عبر المحيط الهادي، وأخيرا انسحبت من منظمة الصحة العالمية خلال تموز 2020 لاتهامها بالتحيز للصين خلال أزمة كورونا الحالية.

على صعيد علاقتها بمنافسها الاقتصادي الأول، هناك توتر متصاعد بين الطرفين على عدة جبهات، حيث تهاجم أمريكا السياسة الصينية بشكل قوي منذ تولي الرئيس "ترامب" للحكم حول العديد من القضايا: في المجال التجاري (إعلان الطرفين عن فرض رسوم جمركية جديدة على بضائع الاخر) ورفع الرسوم الجمركية الأمريكية من 10%-25% على الواردات الصينية، السرقات الفكرية، إغلاق العديد من المصانع الصينية، الاعتراض على فرض الصين قانوناً أمنياً مثيراً للجدل في هونغ كونج، وآخرها نعت فايروس كورونا بـ "الفيروس الصيني" بدعوى أنه تسرب من مختبرات الصين في مدينة ووهان، وتأخرت الصين في الإبلاغ عن انتشاره وتكتمت عليه حرصا على صورتها.

جميع ما ذكر كان بمثابة "حرب باردة" ما بين الطرفين، إلا أن الصين بقيت محافظة على دبلوماسيتها في سياستها الخارجية تجاه أمريكا، في مقابل اختيار أمريكا قطع العلاقات الدبلوماسية وإغلاق البعثات الدبلوماسية بين البلدين بعد علاقات دبلوماسية امتدت لأكثر من 40 عاما. فقد أبلغت وزارة الخارجية الصينية صباح يوم الجمعية الماضي (31/6/2020) السفارة الأمريكية في بكين بضرورة إغلاق قنصليتها في مدينة تشنغدو بجنوب غرب الصين، حيث قررت سحب موافقتها على إقامة وتشغيل القنصلية العامة الأمريكية في تشنغدو.

رد الصين بقطع العلاقات الدبلوماسية الذي جاء متأخرا بثلاثة أيام، ربما اتخذ بعد يأس من عودة أمريكا عن قرارها، وهو رد فعل ضروري ومشروع على القرار الأمريكي بإغلاق قنصلية الصين في واشنطن وتحطيم الباب الخلفي لمبنى القنصلية في مدينة هيوستن والذي تم اتخاذه بحجة أنها مركز للتجسس الصيني ولسرقة الملكية الفكرية. وقد أعلن وزير الخارجية الأمريكي في خطاب القاه في كاليفورنيا عن خسائر ناتجة عن "سرقة" الصين لممتلكات فكرية وأسرار تجارية ثمينة.

واستكمالا لانسحابها من العديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية سابقا، قامت الولايات المتحدة بانتهاك واضح لواحدة من أهم الاتفاقيات التي جاءت لتنظيم العلاقات الدبلوماسية ما بين الدول، حيث خرقت المادة 22 من اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961 التي تنص على أن تتمتع مباني البعثة بالحرمة، وليس لممثلي الحكومة المعتمدين لديها الحق في دخول مباني البعثة إلا إذا وافق على ذلك رئيس البعثة. كما تنص على ان الدولة المعتمدة لديها البعثة الالتزام باتخاذ كافة الوسائل اللازمة لمنع اقتحام أو اضرار بمباني البعثة، وصيانة أمنها، كما أنه لا يجوز أن تكون مباني البعثة وكل ما يوجد بها من أشياء عرضة للاستيلاء أو التفتيش أو الحجز لأي إجراء تنفيذي.

العلاقة ما بين السياسة الخارجية والدبلوماسية هي علاقة تكاملية، فبينما ترسم السياسة الخارجية القرارات، تفاوض الدبلوماسية على آلية تنفيذها. فالدبلوماسية أداة لمبدأ الاستقرار في العلاقات بين الدول قائم على تنافس المصالح وصولا للحل الوسط وبدون اقتتال، كما تعمل الدبلوماسية كصمام أمان -إلى حد ما- في علاقات الدول ببعضها، وبدونها يصبح مجال الحرب والمواجهة العسكرية مفتوحا.

يبدو أن الصعود المتتالي للصين خلال السنوات الماضية بات يشكل هاجسا قويا للولايات المتحدة حتى أنه تحول لمصدر قلق لها، فالحديث الأمريكي عن "الخطر الصيني" بات يُذكّر بحقبة الحرب الباردة والحديث عن "امبراطورية الشر" آنذاك في إشارة للاتحاد السوفيتي. وقد حذر وزير الخارجية الأمريكي مارك بومبيو صراحة من الاستمرار في التعاطي الأعمى مع النموذج الصيني بالشكل القديم، ولربما وجدت الولايات المتحدة نفسها مخطئة في توهمها السابق أن الخطر المحدق قد يأتي من الاتحاد السوفيتي الذي تمنعه قدراته الاقتصادية من أن يكون ندا للولايات المتحدة أو معادلاً لها على عكس الصين تماما.

ومما زاد الطين بلة، هو ما يتعرض له العالم من أزمة في الوقت الحاضر (انتشار جائحة كورونا) منذ شهر آذار الماضي، والتي ساعدت على تراجع مكانة الولايات المتحدة، وزيادة وزن الصين، التي استطاعت تخطي أزمتها بسرعه بل والمساعدة في مد يد العون لدول أوروبية أخرى مثل إيطاليا، مما عزز في مكانتها الدولية، حيث لاحظ خبراء في الشأن الصيني أن بكين تسعى لتقديم نفسها كقائد في المعركة العالمية ضد الفايروس لتوسيع نطاق تأثيرها على حساب القوة العظمى –قطب العالم الأساسي الذي لا يزال يأن تحت وطأة انتشار الفايروس بأعلى معدلات إصابة ووفيات.

ما قامت به البعثة الأمريكية في الصين بقطع العلاقات الدبلوماسية والإعلان من خلال فيديو عن وداع القنصلية في "تشنغدو" بقولها "سنفتقدك للأبد" هو مؤشر خطر للغاية، ويعيد للأذهان المرحلة السابقة لصلح ويستفاليا (1648) أول اتفاق دبلوماسي في العصور الحديثة في أوروبا الوسطى، الذي أنتج الدولة ذات السيادة، وصمم العلاقات ما بين الدول من أجل إحلال السلام بعد حرب دامت عشرات السنين. وربما ينذر هذا التغير الواضح في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصين بقرب اتخاذ المواجهة ما بين الطرفين منحى أشد مما هو عليه في الوقت الحاضر والذي قد يتطور ويتحول من مواجهة اقتصادية وتكنولوجية لمواجهة عسكرية، حيث حذر وزير الخارجية الصيني "وانغ" في اتصال بنظيره الفرنسي من أن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين قد تسقط في "هاوية المواجهة".

إن ما يقلق صناع السياسة الأمريكية في المرحلة الحالية خوفهم من أن يكونوا قد تأخروا في التنبه إلى الأمر الواقع الصيني، فالقلق الأمريكي لا يرجع فقط إلى الخوف من التقدم التكنولوجي الصيني، بل خوفهم من كون هذا التقدم يصب في مصلحة حزب تسلطي، هو الحزب الشيوعي الصيني، الذي يصل عدد اعضائه للملايين. وهو ما يدعو للقول بحسب بعض المحللين بأن أمريكا التي كسبت معركتها ضد النموذج السوفيتي قد خسرت ذات المعركة أمام الصين. وبالرغم من أن الحزب الشيوعي الصيني قد أعلن خلال مؤتمره الأخير أن الوصول إلى قمة الهرم الدولي ليس ضمن أولوياته في الوقت الحاضر، إلا أن تطورا غير محسوب في الأوضاع الدولية (كأزمة كورونا الحالية) قد يؤدي لقلب الموازين الدولية دون تدخل خارجي، وهذا ما سيتكشف خلال الفترات القادمة.