الأسرى في العيد... نشد قوس الوقت وننسف الإنتظار
تاريخ النشر : 2020-08-02 10:21

يحل عيد الأضحى ويتجدد إنتظار الأسرى في سجون الاحتلال، فالمعركة داخل السجون هي معركة انتظار، من ينتظر أكثر، من يعض على أصابعه أولاً: السجين أم السجان، يكتفي الأسرى بإشعال فتيلة انتظار أخرى في كل عيد، يلبسون أجمل ما لديهم من ملابس، يمارسون عادات العيد في ساحة الفورة، يؤدون صلاة العيد الجماعية، يتزاورون بين الغرف والأقسام، يوزعون الحلويات، يتبادلون الرسائل والاشارات المخزونة في وجع الذكريات، يوجهون التحيات إلى أحبائهم الأحياء والرحمة إلى أحبائهم الأموات.

مايقارب 5000 أسير وأسيرة فلسطينية ينتظرون سنوات وسنوات خلف القضبان، مرت مئات الأعياد والمناسبات المفرحة والمؤلمة، تقلب الطقس وامتزج الليل بالنهار وجرت الرياح والحروب وتوالدت الأجيال وصدئت الحيطان، تطورت وسائل السيطرة والقمع ومازال الاسرى صامدون بقدرتهم على الانتظار: إنتظار يوم عيد آخر، سنة جديدة مختلفة، شمس مكتملة غير مسيجة، رواية أو قصيدة مفخخة، الأسرى سلحوا الانتظار بالأمل والفعل وعبأوا دمهم للساعات القادمة.

50 أسيراً يقضون أكثر من 20 عاماً من بينهم 29 أسيراً يقضون أكثر من 25 عاماً لا زالوا ينتظرون، هم على قناعة أن المُنتظَر لن يتأخر، سيأتي غداً، 700 أسير مريض ومعاق ومصاب ينتظرون، يراوغون أوجاعهم يحتالون على الموت، صار الإنتظار في السجن هو عملية مقاومة بين الموت والحياة.

الأسرى كريم يونس وماهر يونس ونائل البرغوثي ينتظرون منذ 40 عاماً داخل سجون الإحتلال، لم يهرموا ولم يهنوا لانهم يرون حياتهم في الآخرين الطلقاء، الأمس لا يتلاشى وفي الزوايا المعتمة شاهدوا وضوح السماء.

الأسير فؤاد الشوبكي شيخ الأسرى البالغ من العمر 85 عاماً ينتظر من يفجر الانتظار في صباح العيد، انتظار اشراقة الصبح لا يقل جمالا عن رؤيته، ياتي فتياً يثير الزوابع والانتباه.

542 أسيراً محكومين بالسجن المؤبد ينتظرون في المؤبد ولا ينطفئون، يوزعون هذا المؤبد على تفاصيل الأيام، يتشظى المؤبد وتزول وطأة الانتظار.

أراد الاسرائيليون وضع الأسرى في حالة انتظار طويلة ومملة بهدف دفنهم في اللايقين، لسان حالهم يقول لكل أسير : إن لم يأخذك الموت فإن السجن ينغلق عليك ليصبح هو عالمك الدائم وقبرك القادم.

الانتظار هو مخطط إسرائيلي لجعل الأسرى يصلون الى حالة فسيولوجية كالخوف من المستقبل والحرية، ملوحة الوقت، اليأس وغموض الأفق السياسي، صهر الكائن الحي في قوالب زمنية ومكانية جامدة، افقاد التضحية أي معنى.

الانتظار في المفهموم الاسرائيلي هو عدوان على خطواتك المتحفزة الآتية، أن تتكلس ويصبح عالمك متنائيا وبعيدا... انسحاب الوقت من الذاكرة، استنفاذ ما لديك من طاقة، اخمادك الى حد الاستسلام.

المحتلون الاسرائيليون وضعوا الشعب الفلسطيني في حالة انتظار: انتظار في السجن، انتظار على الحاجز العسكري، انتظار ان يفتحوا صنبور الماء او يشعلوا الكهرباء، انتظار المرور عن مئات المعابر، انتظار ان يتحرك المجتمع الدولي ويفرض التزاماته القانونية ويشحن مفعول مئات القرارات الغائبة.

الأسرى الفلسطينيون كسروا مفهوم الانتظار الاسرائيلي: حركوا ساعة الزمن المعطلة، اضرابات ومواجهات ومقاومة، الدفاع عن الكرامة والحرية وحق تقرير المصير، انتفاضات القيود تحت العاصفة.

الانتظار في السجن هو قنبلة الصبر بحد ذاتها: أن تكون لغيرك، تكتب لغيرك، تقرأ لغيرك، تحترق لغيرك، تعشق تلك المرأة التي تنتظرها ولا تراها، تتهدم روحك ثم تبنيها من جديد، الانتظار في السجن هو أن تضيء دائماً حتى تضح الطريق.

الانتظار امام باب مغلق كالموت على قيد الحياة، لكن العيد في السجون يقرع كل عام الأبواب المغلقة، الاسرى يسمعونه، يمدون له أياديهم، يشدون قوس الوقت وينسفون الانتظار ويصنعون القرار، يسافرون في أحلامهم الى اطفالهم وبيوتهم، الانتظار في السجن هو ان تتعلم ألا تنتظر.

_____________________

*عضو المجلس التشريعي، رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين السابق