غزة تستقبل "العيد" بلباسٍ من "بؤس"
تاريخ النشر : 2020-07-29 15:08

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

"ماما متى رح تشتري لنا ملابس العيد؟"، سؤالٌ يطرحه أطفال فاطمة فرحات على مسامعها مع مرور كل يومٍ قبل حلول عيد الأضحى، يتبعه سؤالٌ آخر: "ماما متى رح تشتري لنا زيّ المدرسة؟".

في السوق، لا تتردد فاطمة عن الوقوف أمام بسطةٍ ينادي صاحبها بأعلى صوته: "البنطلون بس بـ20 شيكل، فرّحي ابنك بـ20 شيكل بس". هذا المبلغ يُعدُّ مقبولًا بالنسبة لوضع زوجها المادي الذي يعمل بائعًا للمشاريب الساخنة بشارع عمر المختار وسط مدينة غزة.

يطير الأطفال بالبناطيل فرحًا -حرفيًا- كما تصف أمهم، إلا أنها لا تفتأ توصيهم بضرورة الحفاظ عليها "لأنها ليست للعيد وحسب، بل إنها سترافقهم في عامهم الدراسي المقبل الذي سيبدأ بعد العيد ببضعة أيام.

يبدو أن "العيد" صار المساحة الأوسع ليس للبؤس وحسب داخل قطاع غزة، وإنما للمواساة.

هكذا يفعل الناس هنا، يواسون بعضهم البعض في مواسم الأعياد المتزامنة هذه المرة مع موسم العودة إلى المدارس والجامعات. بل لعلهم يواسون أنفسهم بفرحة "العيد" بأقل القليل.

هكذا يفعل الناس هنا، باتوا يواسون بعضهم البعض في مواسم الأعياد المتزامنة هذه المرة مع موسم العودة إلى المدارس والجامعات. بل لعلهم يواسون أنفسهم بفرحة "العيد" بأقل القليل الذي يمكن أن يحصّلونه موظفين كانوا أم عمالًا، أو حتى أصحاب تجارةٍ وحرفة.

مواسم متلاحقة تأتي في وقتٍ لا رواتب يتقاضاها الموظفون كاملة أو منتظمة، ولا فرص عمل لصفٍّ طويلٍ من البطالة بلغت نسبته مع الفقر المطبق حوالي ٧٥٪ حتى نهاية العام ٢٠١٩م، حسب وزارة التنمية الاجتماعية في القطاع.

تقول فاطمة: "معدّلُ تحصيل زوجي اليومي، يتراوح ما بين 25 و 30 شيكلًا، مضيفةً: "لن أحسبها بشكل شهري، بل بيومي كما يُحصّل. مبلغٌ يُقسّمُ ما بين مصروف الأولاد والأكل والشرب والدواء أحيانًا، ومستلزمات أخرى يحتاجها المنزل، وأيضًا المواد التي يصنع المشاريب منها للناس".

في شارعٍ آخر من شوارع القطاع المحاصر منذ قرابة 14 عامًا، يعج منزل هشام سالم بالصراخ، صوت أبنائه وصل الحارة الثانية "مجازًا" عندما سمعوا بأن أصحابهم من أبناء الجيران اقتنوا ملابس جديدة للعيد، أما هم فلا.

يبكون ويذهبون لوالدهم الذي صار يقنعهم بأنه لا يملك المال سوى ما يكفي ثمنًا لطعام العائلة فقط، لكن دون جدوى، "فهؤلاء أطفال، ولا يفهمون معنى الإفلاس ولا الحصار ولا الفقر ولا العوز" يقول والدهم.

"من البالة، طبعًا من البالة، فهي خلاصنا الوحيد من زنّ أطفالنا، لا سيما وأن أسعارها تتماشى مع الوضع الاقتصادي المرعب الذي نعيشه"، يضيف هشام، وهو أبٌ لسارة ووليد ولمار وأيهم.

"من البالة، طبعًا من البالة، فهي خلاصنا الوحيد من زنّ أطفالنا، لا سيما وأن أسعارها تتماشى مع الوضع الاقتصادي المرعب الذي نعيشه"، يضيف هشام، وهو أبٌ لسارة ووليد ولمار وأيهم، يعمل موظفًا في السلطة الفلسطينية –تفريغات ٢٠٠٥م.

منذ فرض الحصار الإسرائيلي على قطاع غزّة، وتردي الأوضاع الاقتصادية لحوالي مليوني إنسان يعيشون هنا، باتت أسواق البالة ملاذًا جيدًا للفلسطينيين المحاصرين، لقلة أسعارها التي تتراوح ما بين شيكل واحد، و٢٠ شيكلًا في أحسن الأحوال، بحسب القطعة وفترة استخدامها.

يحاول هشام مثلًا، إقناع أطفاله بأنها جديدة "لولا أن الغبار مسّها خلال عملية الشحن إلى غزة"، ثم يخبرهم بضرورة غسلها جيدًا قبل استخدامها. يقول: "يفرحون بها كثيرًا، بل إن منهم من ينام ليلة العيد وهي بجانبه، يحلم بارتدائها في يوم العيد، والاختيال بها أمام كل أصحابه كأنها كنزٌ ثمين".

"هذا مش عيد ملابس، هذا عيد لحمة"، بهذه العبارة وصفَ تاجرُ الملابس محمد حسين موسم العيد هذه المرّة، فلا إقبال جيّد للناس على شراء البضائع -كما يؤكد- ولا طقوس مبهجة، ثم يواسي نفسه بالقول: "أو أنا اللي بشوف إنه عيد لحمة، لكن في الحقيقة الناس مش راح تشتري ملابس، ومش راح تضحي مثل كل سنة، كلنا واقعين في هذه البلاد".

تتكدّس البضائع أمام محمد، الذي قرر أن تكون نوعيتها ملائمة لحاجة الناس في هذه المرحلة "بعبارةٍ أخرى، تناسب احتياجات المدارس". لقد ضرب عصفورين بحجرٍ واحد، فأكثر في بضاعته من بناطيل "الجينز".

وتتراوح أسعار البناطيل المذكورة -بحسب التاجر- بين ٣٥ شيكلًا و٥٠ شيكلًا، إلا أن الناس في الغالب تجد أسعارها مرتفعة أيضًا، بالمقارنة مع الوضع الاقتصادي -الذي يعد الأسوأ على الإطلاق.

يتوقع حسين "خلال مدة أقصاها عام، مع أزمة الحصار، وإذا استمرت كورونا"، أن يغلق هو وعددٌ من التجار محلاتهم التجارية.

يتوقع حسين "خلال مدة أقصاها عام، مع أزمة الحصار، وإذا استمرت كورونا"، أن يغلق هو وعددٌ من التجار محلاتهم التجارية.

يكمل: "أنا بالكاد أستطيع دفع أجرة المحل السنوية التي تبلغ ٢٠٠٠ دينار أردني، بالإضافة إلى إيجار عامِلَين بالمحل، بعد أن تخليتُ عن اثنين آخَرَين، بسبب ضعف عملية الشراء من قبل الزبائن، وارتفاع التكاليف التي تسببت بخسارته".