"ميكي" و"بطّوط".. وحكاية الزوجين المُقعَدين "جربوع"
تاريخ النشر : 2020-07-23 15:50

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

في محافظة "رفح" جنوب قطاع غزة، يسكن الزوجان جربوع في بيتٍ مشترك للعائلة. داخل غرفتهما الصغيرة تتزاحم الأقمشة وبعض المواد الخام، لتأخذ نصيبًا من المساحة المختنقة بهما وبأنفاس اثنين من الأبناء، وثلاثة كراسي متحركة.

تعمل زينب برفقة زوجها نهاد، على صناعة الدمى، متجاوزةً عقبات الإعاقة التي طالتهما معًا، يوم أصبحت مثل زوجها لا تستطيع الحراك إلا على "كرسي".

تزوجت زينب نهاد الذي كان يعاني من شللٍ نصفي، تسببت به إبرة تطعيمٍ، وكانت كأي فتاةٍ طبيعية، تمشي على قدمين، لولا خطأ طبي آخر طالها هي هذه المرة.

تزوجت زينب نهاد الذي كان يعاني من شللٍ نصفي، تسببت به إبرة تطعيمٍ، وكانت كأي فتاةٍ طبيعية، تمشي على قدمين، لولا خطأ طبي آخر طالها هي هذه المرة، عندما قرر طبيبٌ بتر قدميها، في الوقت الذي كانت تعاني فيه من التهابات عادية.

تقول: "كنت كلما زرت الطبيب، يخبرني أنني لا أعاني من أي مشكلة، لكنني كنتُ أخبره بأنني أتألم كثيرًا، حتى استفحل المرض، وانتشرت الغرغرينا فقضت على أي فرصةٍ بالنجاة".

بُترت أقدام زينب، بعد أن أنجبت طفلتها البكر (9 سنوات)، وطفلها الصغير ابن الأعوام الأربعة، فقررت بعد العملية عدم العودة إلى عائلتها، لأنها كانت تظن نفسها عاجزة عن القيام بواجباتها كما السابق، إلا أن زوجها وعائلته رفضوا الفكرة، وكانوا خير داعمين لها في ظرفها ذاك، طلبوا منها العودة، ومشوا معها طويلًا في رحلة الاندماج مع المجتمع من جديد.

تعلق: "لعل الله جعلني أرتبط بشخصٍ من ذوي الإعاقة، لأنه كان يعلم ما سيؤول إليه حالي، زوجي نهاد الذي عاش التجربة من صغره، كان خير سند".

ولك أن تتخيل صديقنا القارئ، ما لو كان أحد الأبوين مضطرًا لزيارة دورة المياه ليلًا، كيف يتوجب عليه إيقاظ الطفلين، ورفع الفراش، ثم المرور بالكرسي المتحرك المخصص لدخول المرحاض.

في غرفتهما التي تقتطع جزءًا من بيت أهل نهاد، الذي تتشارك فيه عائلته مع عائلتين ثانيتين لأخويه، يأخذ السرير ثلثي المساحة، بالإضافة إلى ثلاجة صغيرة وخزانة الملابس وبعض احتياجات المطبخ، في حين ينام الطفلان على فراشٍ أرضي، ولك أن تتخيل صديقنا القارئ، ما لو كان أحد الأبوين مضطرًا لزيارة دورة المياه ليلًا، كيف يتوجب عليه إيقاظ الطفلين، ورفع الفراش، ثم المرور بالكرسي المتحرك المخصص لدخول المرحاض.

خطفت فكرة صناعة الدمى لُب الرجل، عندما شاهدها مرةً عبر الإنترنت، بعد أن جاهد كثيرًا في محاولةٍ للحصول على عمل، خصوصًا وأن مثل هذه الدمى التي يمكن أن تُرتدى لأداء أدوار شخصياتٍ كرتونية، لا توجد في غزة إلا مستوردة، وبأسعارٍ مرتفعةٍ جدًا.

تردف زينب: "بدأنا بصناعة الدمي، كنا نحمل بين أيدينا هدفًا إنسانيًا بالإضافة إلى الهدف المالي، وهو زراعة البسمة على وجوه الأطفال الفقراء ومرضى السرطان والكلى، عبر صناعة هذه الدمى للفرق التطوعية والممثلين لا سيما داخل مستشفيات الأمراض المزمنة".

يذهب نهاد على كرسيه المتحرك إلى السوق، وينتقي الألوان المفرحة، وكل احتياجات صناعة الدمى، من إبر، وخيوط، وقماش، وإسفنج، وعيون بلاستيكية، ثم يعود بها إلى بيته ليبدأ مهمة التفصيل.

يذهب نهاد على كرسيه المتحرك إلى السوق، وينتقي الألوان المفرحة، وكل احتياجات صناعة الدمى، من إبر، وخيوط، وقماش، وإسفنج، وعيون بلاستيكية، ثم يعود بها إلى بيته ليبدأ مهمة التفصيل، الجسم ثم الرأس، ثم الحشو بالإسفنج، وتركيب العيون، ثم خياطتها.

يعتمد الرجل برفقة زوجته على الخياطة اليدوية بالإبرة، كونهما لا يستطيعان امتلاك "ماكينة خياطة" بعد، يقول: "هذا يأخذ وقتًا طويلًا، لكن الممتع والذي يهوّن علينا الواقع المر، أننا نرى سعادة طفلينا وهما يمسكان بالدمى، ويلعبان بها قبل أن تنتهي حتى".

نهاد هو مؤسس فريق "رهف" التطوعي الفني، الذي بدأ برفقة 14 فردًا فقط في عام 2002م، عندما عاهد نفسه على أن لا يدخر جهدًا في رسم الابتسامة على وجوه الأطفال من ذوي الإعاقة، والأطفال مرضى السرطان والكلى.

في اختتامٍ لمخيمٍ صيفي نفذه الفريق، واستهدف 60 طفلًا، يتحرك نهاد بحيويةٍ كبيرة على كرسيه المتحرك، يشجعهم على التفاعل معه، ويستنطق ضحكاتهم رغم الألم.

ابتسامته في مثل هذه الفعاليات، تلخص كل معاني الإرادة، كان يفكر في كل ما يمكن أن يجعل الأطفال فرحين، فلمعت في رأسه فكرة الدمى، أولًا لاستخدامها من قبل أفراد الفريق، وثانيًا لتسويقها محليًا، من أجل توفير احتياجات أسرته الصغيرة.

"لقد قبلت بالزواج بي وأنا على كرسي متحرك، كيف لا أقبل بها وهي بنفس الحال؟ إن ما حدث لها زاد من حبي وتعلقي بها، وعلى العكس صارت شريكتي في الكفاح من أجل لقمة العيش الآن".

نهاد، الذي كان لزوجته نعم الزوج المحب، والطبيب النفسي، بعد أن بترت قدماها، استطاع إقناعها بمساعدته في هذا الهدف الإنساني، أولًا ليساعدها هي على تخطي المحنة، يعقب: "لقد قبلت بالزواج بي وأنا على كرسي متحرك، كيف لا أقبل بها وهي بنفس الحال؟ إن ما حدث لها زاد من حبي وتعلقي بها، وعلى العكس صارت شريكتي في الكفاح من أجل لقمة العيش الآن".

يصنع جهاد وزوجته، الدمى التي تستخدم في برامج الدعم النفسي والترفيهي، والحفلات الخاصة بالأطفال، وكل ما يدخل عليهما من مال، يستخدمانه في دعم الفريق ماليًا، ثم صناعة دمى جديدة، عبر مشاهدة اليوتيوب.

يتابع: "في البداية كان الأمر صعبًا، فشلنا أكثر من مرة في إخراج الدمية بالشكل المطلوب، لكن مرةً بعد أخرى، بتنا نتقن صناعتها بمساعدة بعض الأصدقاء، وكنا نختار الشخصيات حسب الأكثر قربًا للأطفال من أبناء هذا الجيل: دبدوب، مهرج، ميكي ماوس...الخ".

في المرة الأولى، صنع الزوجان 10 من الدمى والألعاب المجسمة لفريق "رهف"، ثم بدأت الفرق والمؤسسات المختلفة بطلب دمى بعينها، كونها أقل تكلفة من المستوردة، هنا أصبحت الفكرة مصدر رزق، فكانت تدر علينا مالًا -والحديث لنهاد- يكفي احتياجاتنا الأساسية قبل أن يشتد الحصار، وتغلق المعابر، وأيضًا تغلق أبواب الكثير من المؤسسات والفرق الشبابية ورياض الأطفال بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة. هكذا -يؤكد- أصبح الطلب على الدمى قليلًا، بل شبه متوقف.

تقاطعه زوجته، فتكمل: "هناك العديد من الصعوبات التي تواجهنا اليوم، على رأسها نقص الخامات والأقمشة الخاصة بصناعة الدمى، التي إن وجدت تطرح في الأسواق بأسعارٍ مرتفعة للغاية".

يطمح الزوجان إلى توفير ماكينة خياطة، كي يستطيعوا صناعة عدد أكبر من الدمى، وترويجها بشكلٍ أكبر، بحيث تغطي نفقات عائلتهما الصغيرة.

يطمح الزوجان إلى توفير ماكينة خياطة، كي يستطيعوا صناعة عدد أكبر من الدمى، وترويجها بشكلٍ أكبر، بحيث تغطي نفقات عائلتهما الصغيرة، وتدفع فريق "رهف" التطوعي للاستمرار من أجل إعلاء رسالة العمل التطوعي والإنساني.