الفنان محمد السمهوري: نحن ورثة أنبياء وأبناء ثورة إنسانية دائمة
تاريخ النشر : 2020-07-20 14:19

**عدت للوطن فصار الشجر عائلتي المثمرة واحببت تفاصيل الوطن

**آمنت بالقصيدة لكنها تختفي دائما في اكثر اللحظات صعوبة لأنها كائن بشري يعرف الهزيمة

 **خسرت سنوات من عمري في الخليج ولن أكرر تجربة الغربة مرة أخرى

** لا حرية لوطن نساؤه مكبلات بالقيود

**لن أسمح للآخر باحتلال لوحاتي وألواني فقد تركت له الجحيم

** أعد الآن لمعرض فني كبير عن الإبادة الجماعيه لثقافة السكان الأصليين في أمريكا

رسم الفنان بيوتا ملونة

فأخرجت له سيفا ومزهرية ثم محتهما ا

وشكلت صليبا يحمل اسماكا زرقاء ويصعد للفضاء

ويمطر ذنوبا على النوافذ.

في المساء لم الفنان غلته من القمح والخطايا

ونسى لوحة فشلت في العودة للبيوت

التي تطرح صلبانا ملونة وبهجة غامضة

****

طلعت الأسماك من البحر

بعدما لفظت نبوءة ولم تتحمل ذنبا واحدا

تسمرت على صليب تطرحه البيوت

شاهدا وشهيدا

وخلفه مقبرة لا يراها الأحياء

تغوي السمك بالعودة للزرقة

والصليب لشجرته

والشجرة للغابة

والبيوت لصمتها

ويبقى المسيح بعيدا

عن بيوت لا تطرح سوى الأحلام

وتزين أسماكها على أبواب البيوت

عتبة للغواية

 والبقاء تحت سقف الوطن

*****

 عاد إلى وطنه بعد سنوت طويلة في غربة الرمل فاستألفته الطيور والبيوت وعرفته الاسماك.

 كان اسمها قبل أن يسافر فلسطين  وصار اسمها فلسطين ، لكنه هو الذي تغير فقد كان رومانتيكيا يحكمه الحنين فقط، والآن في الوطن المنفى والوطن المحاصر صار الشاعر صديقا للطبيعة والتفاصيل الصغيرة وكأنه يمشي على الحلم بريشة يتهجيبها ملامح الوطن المنسي في رعشات التفاصيل اليومية..

 صار السفر بعيدا لكن الوطن في متناول اليد، حتى ولو كان محتلا ومحاصرا.. وصار اللون حرية وثورة تتكرر تفاصيلها سمكا ملونا وطيورا تنشر البهجة والأمل وتقول بوضوح الازرق والاصفر : "نحررك أيها الوطن لنتحرر”.. أما الآخر فقد تركنا له الجحيم فليهنأ به لأننا لن نسمح له باحتلال لوحاتنا وذاكرتنا فعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة ولسوف نحيا.

اعمال الفنان ال فلسطين ي محمد السمهوري

 

اعمال الفنان ال فلسطين ي محمد السمهوري

 ****

 هكذا تحدث الفنان ال فلسطين ي محمد السمهوري في حوار -عبر الايميل- يكشف فيه سر ألوانه المبهجة وتفاؤله بمستقبل الوطن ومحبته لتفاصيل الطبيعة بشرا وطيورا وغبارا رحيما

 السمهوري قال لـ"بوابة الأهرام" إنه يعد لمعرض كبير يعمل فيه على مهل يربط فيه بصريا تاريخ الإبادة الجماعية الأمريكية لسكان أمريكا الشمالية الأصليين بالإبادات التي تمت للشعب ال فلسطين ي

وقال إنه يريد من الناس ان تتفاعل مع ما يرسمه ورمع ما يكتبه لأن الكتابة واللوحات من إلهامات الناس " فلا أفكار لدينا سوى ما يبدعه الشعب في حصاره وحلمه بالحرية".

 وقال السمهوري نحن في فلسطين ورثة أنبياء وأبناء ثورة وأن المسيح ومحمد عليهما السلام "مرا من هنا وتركا إرثا يتعايش معه الجميع فنحن شعب يحب الحياه ومن يحاول فرض وصايته باسم طائفة او تصور ديني سيفشل لأن ال فلسطين يين أبناء الحياة الحرة"..

 وهذا نص الحوار

**الآن بعد سنوات العودة إلى أرض فلسطين كيف تعيش حصار الجغرافيا والتاريخ ؟ وكيف تواجه يومك وقد صرت منفيا داخل الوطن؟

 هي عودة غير مكتملة، بل منقوصة، لكنها جعلت مني إنسانا واقعيا ومختلفا، تركت خلفي رومانسية ال فلسطين ي، لأواجه واقعا مختلفا أكثر تعقيدا وصعوبة، لأكتشف أن المراهانات التي كنت اعتقدها كابن "الشتات" مغايرة على أرض الواقع، يموت ال فلسطين ي في شتاته وتهجره وهو موسوم بالعاطفة والشجن، فيما ال فلسطين ي تحت الاحتلال وأدواته يعاني العزلة والصبر والتحدي من اجل الوصول إلى ساعة الخروج إلى الضوء الأبدي.

حياتي الجديدة داخل مكعبات الحصار وقوانينه جعلت مني إنسانا آخر مختلفا، يحب الطبيعة والحيوانات والناس البسطاء، هؤلاء هم وطن ثابت ومتحرك بداخلي وحولي، الشجر أصبح عائلة مثمرة لوجداني الحزين، الكلاب والطيور والقطط صارت جزء من ألبوم صوري الحية.

لم أكن أنتبه قبل ذلك على هذه الحياة وتفاصيلها، إلا أن فلسطين كانت حاضرة لتقدم لي الطبيعة بكل جمالها وتألقها بين يدي، لأشكل نفسي من جديد، آمنت أن الإنسان يمكن له في كل مرة أن يبدأ من جديد في فلسطين .

 **في الشعر تقدم صورة حزينه لكاتب يغلبه الحنين دائما وتهزمه التفاصيل الصغيرة فيهرب إلى مدن أخرى كسائح صموت أو منفي جوّال يرى الأوطان في عيون الآخرين.. وفي الفن تنتعش الألوان بالبهجة بيوتا وأسماكا وأطفالا يرقصون بين الأصفر والأزرق والأحمر. ما الفارق النفسي والشعوري هنا بين الناثر والفنان؟

علمت نفسي. كتبت على لحمي، كنت كل يوم أشعل الشموع لعقلي، كل ما أريد أن أقوله يخرج في سياقي الطبيعي، لم أسع في يوم من الأيام إلا لأكون ذاتي مضاف إليها الآخرين ممن أحببتهم أو أفكار دخلت وصارت وجهة نظري.

الأطفال الذين أرسمهم هم أولاد المخيمات والفقراء توحدوا في مسيرتي، وشكلوا أنفسهم فيّ، هم وملابسهم الملونة على حبل الغسيل هم ذاتهم صورتي المتحركة في الزمن الممتد أمامي، الحزن بالنسبة للنص هو مسألة عامة وليست قضية شخصية بحتة. الشعر هو سؤال اللحظة الراهنة ولكن المستمر، حاجتي للسؤال تتخطى حاجتي للجواب، أنا ابن الحارات والبيوت المتراصة، والناس الذين يرفعون النهار كل صباح من اجل الشغف والحب للحياة.

آمنت بالقصيدة ورفعتها إلى الأعلى. كبرت معها وكبرت معي، لكن علي أن أعترف أن أكثر اللحظات صعوبة تختفي القصيدة لأنها كائن بشري يتعب وينهزم ويختبئ، أمام تحد أكبر هو ما نتعرض له من احتلال بغض النظر أنه إسرائيلي أو أمريكي أو غربي. نحن مستهدفون : الأوطان والحضارة والشجر والحجر والبشر، هنا في هذه اللحظة العصيبة يكون "السيف أصدق أنباء من الكتب".

اعمال الفنان ال فلسطين ي محمد السمهوري

 سمكة الخصب

 ** تستهويك الأسماك فأفردت لها معرضا كاملا تحية إلى صمود غزة ضد الاحتلال وقلت إنك استلهمت الرمز المسيحي للسمكة. فهل تقصد أن تشير إلى اضطهاد القطاع مثلما كانت سمكة المسيح تمييزا للمسيحيين في أزمنة الاضطهاد؟

السمكة تعبير جلي. عنا كأبناء ساحل، وهي رمز صوفي يعني الكثير لي، كما انها في الأصل رمز للسيد المسيح في حب العطاء، كما أنها في حياة الناس أيقونة خير ومحبة وجمال، وهي في المقابل في الحرب على غزة كانت رمز مدهش لرفض القتل وحب الحياة.

 **لماذا يختار فنان مسلم رمزا مسيحيا أم أنك زاوجت بين المسيحي والصوفي وكيف جاء هذا المزج؟

نحن أبناء هذه المنطقة التي ورثت المسيحية وثم الإسلام وتداخلت هذه الأديان في ثقافة نحن ورثتها، كما أن فكرة المواطنة التي أدافع عنها تجعلنا وريثا شرعيا للمسيحية وللإسلام والثقافات الثورية الأخرى في العالم.

اعمال الفنان ال فلسطين ي محمد السمهوري

ماذا تقصد بالثورية ؟

وأقصد بالثورية كل ما هو غني وإنساني وحضاري. نحن ورثة أنبياءوأبناء ثورة دائمة

في بلادنا مشى السيد المسيح ينادي بالعدالة والإصلاح ونصرة المظلوم، وفعل النبي محمد الشيء ذاته في ثورته من أجل العدالة للإنسانية. وهكذا أكمل المسيرة الفلاسفة و الشعر اء والثوار في كل مكان.

في فلسطين أينما وليت وجهك ترى خطوات السيد المسيح ونحن ورثة خطابه الإنساني المحب والعادل.

 **هل أردت تصحيح الصورة الذهنية عن أبناء القطاع وأنهم متطرفون دينيا في الأدب يات الإعلاميه فاخترت رمزا مسيحيا يمثلهم لتقول إن ال فلسطين ي أي فلسطين ي هو الآن والآخر معا في رمز واحد؟

أبناء قطاع غزة ضحايا الحصار والعزلة والتآمر العربي والإسرائيلي، وحتى ال فلسطين ي ممثل ببعض اقطاب العمل السياسي، ال فلسطين ي في غزة محب للحياة وله في سياقها شهود، كما ان هناك كنائس وآثارا مسيحية مهمة في غزة، إلا أن حكامها الجدد أرادوا وصمها بالانعزال الفكري الديني، لكي يستمروا في حكمها، ومن يحكم باسم الدين ليس سوى سارق لأعمار الناس ومقدراتهم، أنا شخصيا لدي قناعة ان تحرر فلسطين يبدأ بعزل الفكر الفصائلي والديني لكي نستعيد فكرة المواطنة التي هي أقوى من الفكر السياسي الديني او غير الديني، المواطنة تجمع الجميع وهي أسس العدالة للمجتمع والمساواة بينهم.

 **أسماك تطير فوق أنبوبة غاز ملأى بالبيوت.. وقفت أمام هذه اللوحة الواضحة لحد التصريح ولكني أتساءل هل الإشارة هنا إلى أن الخصب قادر على تأجيل الانفجار؟ أم أن الحلم تمهيد لانفجار حتمي تقوم به البيوت المحاصرة والتي تحول المشكلة السكانية إلى قنبلة ضد ا المحتل وصار وضوح اللوحة غامضا عندما نفكك ضفائره؟

السمكة في أعمالي شاهد على بشاعة المحتل، وهي أيضا عنوان تحرر تتحرك في كل مساحة تصل اليها.. حتى في السماء.وجدتها تقودني إلى تعبيرات متعددة، جعلت من حياة رمزا للحركة والتضامن، هي مؤشر وبوصلة للحرية والحياة، هي شاهد حزين على ساحة معركة غير متكافئة، بيننا وبين كل من يؤيد الاحتلال والاستعمار.

نحن نعيش على بركان من الغضب والظلم اليومي، التعبير الصادق هو أننا نعيش داخل "أنبوبة غاز"، لا احد يعلم متى ستنفجر. لكنها حين تنفجر ستغير كل شيء.

 سؤال المعنى

 تهرب اللوحات غالبا من فكرة المعنى لكن لوحاتك لا تتهرب منه فهل هذا اثر الشعر او الكلمة ام ان هذا قدر ال فلسطين ي الذي يناضل من اجل المعنى؟

- أنا أنتمي إلى التعبيرية الواقعية لا احب فكرة اللوحة او معناها غير الموضحين وأنا أرى أن على جميع المتفاعلين مع العمل الفني أن يفهموه وان تكتمل دائرة الاشتباك البصري والحسي بين البدع والمتلقي.

أنا أقرب إلى الناس ولست معنيا بطبقة محددة، فمثلا أنتجت الكثير من الأعمال وهي موجودة في بيوت ناس بسطاء لأن من حق الجميع اقتناء عمل فني، والفن ليس حكرا على المثقف او التاجر او الاستعراضيين محدثي النعمة

الفن للشعب أولا وأخيرا والمعاني والأفكار تبدأ من إلهامهم

اعمال الفنان ال فلسطين ي محمد السمهوري

 

 ** يقول درويش "على هذه الأرض ما يستحق الحياة" هل وأنت ترسم لوحاتك المبهجة الباعثة على التفاؤل تستدعي شعار دويش أم تستدعي الجوهر ال فلسطين ي للناس الذين يقاومون بالحياة وتفاصيلها؟

الراحل درويش وثق هذه العبارة المدهشة التي تحولت إلى أيقونة وطنية وإنسانية، قبل الرسم استعيد مشاهد الشوارع والناس والأغاني والأفكار لتتشكل خطوط ومساحات لونية وأفكار تجسد عملا فنيا أحكيه في عنوان محدد، كل هذه العناصر تستمر في التبدل والحركة في لوحاتي أنا ممتن للشارع وحركة الناس والألوان والأفكار والطبيعة في حياتي.

كما أن الكثير من التفاصيل التي نعيشها تتقاطع مع الناس في الهند ومصر والبرازيل وكل مكان تضج فيه الحياة والحفر في صخرها اليومي من أجل البقاء.

 ** ماذا على أرض الآباء من ملامح الحياة ضعنا في تفاصيل اللوحة اليومية لل فلسطين ي بعيدا عن طقوس الموت والقتل؟

دائما ما أقول عبارة مزحة "حين تتحرر فلسطين سأصبح مصريا او فييتناميا او إيطاليا او يمنيا" سأبحث عن قضية وبلد آخر لأكونه، أريد أن تتحرر فلسطين لكي أتحرر معها.. ما يخفف على ال فلسطين ي في مأساته هو وجود قواسم مشتركة مع شعوب العالم التي يستهدفها الاستعمار الجديد، رأس المال والإمبريالية والليبرالية المتوحشة التي تفرق بين الناس من أجل شرب دمائهم.

اعمال الفنان ال فلسطين ي محمد السمهوري

 ** كيف تشعر الآن وأنت ممنوع من السفر وكنت قبل ذلك حرا طليقا علي الاقل في السفر والتحرك ؟

هذا سؤال ملح جدا.. كان في بداية وجودي في فلسطين ، اما الآن فقد تجاوزته، وانسجمت تماما مع عدم الحركة، لأنني اكتشفت حياة أخرى غير تلك الصاخبة في المطارات والمدن، أنها حياة كنت أجهلها، حياة الطبيعة وحب الحيوانات والطيور والناس بمنظار مختلف هذه المرة، دون أفكار مسبقة عن الإنسان وما يحيط به من طحن يومي تجاوزته.

إن الظروف الشخصية يمكن أن تخلق منك إنسانا متضامنا مع محيطك بشكل مطلق، الجوع/ الحركة/ الحرية/ التحرر/ كلها مفردات يعاني الشعب ال فلسطين ي، هي مثل حكاية الأسرى في سجون الاحتلال تلقي بظلالها على حياة ال فلسطين ي في المدن والقرى والمخيمات.

**هل كنت تعتبر نفسك حرا في الغربة؟

نعم كنت كذلك.. ولكن حين عدت إلى فلسطين تغيرت الفكرة، فأنا محشور تماما مثلي مثل غيري، الآن المفهوم تغير ولو جزئيا أنا في المكان الذي كنت أتطلع وأناضل للعودة إليه، اختلفت المفاهيم عن الغربة والحرية، أشتاق إلى أشياء تخص ذكرياتي في المدن الأخرى إلى أهلي الذين استبدلتهم بأهل مرادفين.

الغربة شيء يمكن أن يصاحب الإنسان في وطنه وفي غرفة نومه وفي تفاصيل الحياة حين تكون قاسية، لكنها تختفي أمام حب الإنسان لحياته الجديدة واكتشافه لها.

الأن لدي عائلة ممتدة في فلسطين من زوجه محبة وداعمة إلى أصدقاء وصديقات وحيوانات وشجر وأطفال.

** عدت من تجربة في دول الخليح.. كيف كانت التجربة ولماذا نشعر بأنك تجاهلت الخليج وسنواته في لوحاتك أم أن الفن منذور فقط للأم وللوطن؟

كانت تجربة الخليج عابرة رغم انني تعرفت من خلالها على أصدقاء وصديقات مهمين في حياتي، في الخليج رسمت فكرة الثنائيات بين الرجل والمرأة، وبدأت باستعادة عافيتي البصرية هناك، لكنها منذورة لأشياء أخرى كانت بداخلي، أنجزت بعض الكتب التي عبرت من خلالها عن التضاد والتناقض والحسرة التي خلفتها هذه التجربة التي سببت لي الأذى النفسي، الآن أنا متعاف من هذه التجربة، ولا أحب أن أكررها، وسأكون صداميا معها لو عادت، على الصعيد الشخصي خسرت سنوات من عمري كان يجب ان انتبه اليها، المهم خرجت ولن أعود إليها. لأن هذه التجربة في مجملها لا تمثلني فكريا او عاطفيا او مهنيا.

 لا أستطيع القول بأنك تتجاهل الأب ربما نستطيع أن نقول إنك منحاز في الكتابه والفن للأم والأنثى بشكل عام في الرموز او في طبيعة اللون وحركة التكوين في اللوحة.. كل شيئ تقريبا يقود إلى أنوثة ما. ما السر وراء ذلك ؟

أمي المرأة البسيطة والتقدمية بالفطرة كان لها الحضور الطاغي لأنها هي من فرضت هذا على كياني، وهي الشخصية المليئة بالحياة والعنفوان والحكاية، وهي حقيقتي الشخصية التي آن عليها الآن، ابي كان رجلا عاديا جدا، هو أراد لنفسه هذه المكانة، قد يكون له تأثير بأشقائي الآخرين، لكن أمي كانت تمثل لي الحرية والوعي.

هي قالت لي إنها ترى نفسها فيّ، وأنا رضيت لأنها مثلت حالة من الصعود المتواصل إلى ما أنا عليه من وعي وثقافة.

هي من كانت تعرف الحكاية وكيف ترويها، هي تشبه كل النساء العنيدات والمتحديات والقويات المدافعات عن الحق والوطن والحياة، أنا جزء بسيط من حكايتها ومن تاريخها الحافل بالذكريات والمواقف والتحدي.

أبي كان شخصية مرحة عاش يعمل ويضحك كأنه أراد لنفسه دائرة محددة لا يخرج منها.

أنا أحب المرأة جدا هي المثال الأعلى في حياتي، وهي الإنسان المكتمل بالنسبة لي عاطفيا وفكريا وحسيا، وهي المظلومة التي يريد منها المجتمع ان تصنعه وتحررها وحين يتحرر يزيد من ظلمها والتفنن في قهرها.

ولذلك تجدنا مجتمعات عرجان لن تقوى على الوصول إلى الحرية والمرأة فيه مكبلة ومضطهدة.

 الآخر تركت له الجحيم

** تتجاهل الآخر المحتل في الكتابة واللوحة فهل هو القتل بالصمت أم أنك تريد إزاحته من بؤرة الشعور وفضاء اللوحة، وكيف ترى وجوه أعدائك وهم يدوسون على الذاكرة يوميا أمامك؟

أريد ان أروي حكايتي لا حكاية العدو، لا أريده بشكل مباشر يقاسمني مساحتي البصرية او العاطفية، يكفي أن أرسم فكرة ليعرف الجميع أنها عن فلسطين ، حتى لو كانت طيرا او شجرة او تفصيل صغير، أنا لا أستسيغ الفكرة المباشرة إلا إذا كنت مضطر لقولها أو فعلها. هو مكانه معروف بالنسبة لي.. مكانه الجحيم، هو يحاول ان يمحي كل ما أفعله وأنا أحاول أن أحجمه وأعيده إلى إطار الصورة التي خرج منها، لن أسمح له أن يكون بين الألوان المبهجة، هو لونه قاتم، سيبقى قاتم لأنه أراد ذلك، انظر لهم كيف يعيشون داخل المستوطنات والدبابات والزي العسكري القاتم، أنهم لا يعرفون رغم بطشهم ان يعيشوا في أماكن مفتوحة ومشرعة على الطبيعة، يبنون الجدران طوال الوقت، كيف لهؤلاء أن يكونوا في نصوصي أو لوحاتي شخصيات طبيعية أو رئيسية، أنها فترة زمنية حكموا فيها على أنفسهم بالتقوقع والإجرام والسرقة.

 تقنيات فنية

** تلجأ أحيانا إلى تقنية الكولاج لتضم قصاصات الورق والصحف إلى تكوين اللوحة هل هي الرغبة في استعياب اليومي والتوثيق الذي يسمح بوجود الآخر القاتل؟ أم للكولاج لديك مهمة أخرى؟

هي مرة واحدة قمت بها أثناء الحرب على غزة، قمت بجمع صفحات الجرائد اليومية عن الحرب والرسم عليها، كوثيقة تدين الحرب على الأبرياء، وكانت جزءًا من معرضي الذي حمل عنوان "غزة تصعد إلى السماء"، وبعدها قمت بعمل لوحة من المواد المختلفة عن الاستعمار الأمريكي ـ الإسرائيلي "لعبة السلم والحية".

** تلجأ لتقنيةالتكرار في الموتيفات والموضوعات وكأنك تشفي الذاكرة من صور ما أو تجعل المعرض مثلا وكأنه قصيدة لونية واحدة.. السمك والطيور والوجوه والأطفال كل شيء لديك يتكرر بألوان مختلفة ما أهمية التكرار لديك وألا تخشى من تأثيره السلبي على المتلقي ؟

هذا صحيح.. مرات التكرار يكون في سياق فكرة حيوية، وهي مثل الصوفي حين يتجلى في إيقاع متكرر ومتناسق في عبارة واحدة، أكرر في الفكرة واللون من اجل ان أجرب مع نفسي والمتلقي كيفية ان نشبع من فكرة بالألوان واحدة ومتعددة لما هو أسمى.

التكرار مهد لي الدخول الى خيال لا ينضب، التكرار ساعدني على النجاة من مواقف وصعوبات كانت من الممكن ان تجعل مني إنسانا هامشيا لكنها فعلت العكس.

**ما جديد السمهوري، في الكتابة والفن وهل تستطيع العرض خارج الوطن؟

أعمل على إنجاز معرض تحت عنوان "الروح العظيمة" يتناول حكاية السكان الأصليين في أمريكا الشمالية وتقاطعهم مع القضية ال فلسطين ية والمعاناة المشتركة التي ربطت الشعبين في صورة بصرية واحدة

في الكتابة صدر لي طبعة ثانية من روايتي "مغادرة نسبية" عن دار خطوط في عمان

و بخصوص معرض (الروح العظيمة) قمت بجمع مادة تاريخية عن السكان الأصليين في أمريكا وتواصلت مع الباحث السوري الكبير منير العكش الذي فرح جدا باهتمامي وأيدني وقدم لي بعض الوثائق والاقتراحات والعكش هو صاحب كتاب الإبادة الجماعية عن ثقافة العم سام كيف أبادت الثقافات الأصلية وسكان امريكا الشمالية عند اكتشاف امريكا

الفكرة تقوم على تقارب بصري فني بين السكان الأصليين وما تعرضوا له من إبادات جماعية ومع ال فلسطين يين لاعتبار طبيعة التوحش والاعتداء والقتل والإبادة واحدة

كما أن المفهوم واحد في كيفية الدخول والاستعمار المستند إلى نصوص توراتية شبهت أمريكا الشمالية بارض الكنعانيين وحين استعمروها توجهوا إلى فلسطين والحقيقة لا أحد يعلم أين الاحتلال الجديد بعد فلسطين ؟!

هذا مشروعي الأهم وسأنجزه على مهل من اجل ان يرى النور

وأن يكون وثيقة تتحدى كل أشكال العنصرية والقتل والإبادة التي تتعرض لها شعوبنا العربية والإنسانية

وسيكون هدية لأرواح السكان الأصليين ول فلسطين من قبل ومن بعد.

المصدر: بوابة الأهرام