هل ستنفذ إسرائيل قرار الضم؟
تاريخ النشر : 2020-06-25 09:10

أيام قليلة تفصلنا عن إعلان اليمين الإسرائيلي عزمه فرض السيادة الإسرائيلية على أجزاء من الدولة الفلسطينية "المرتقبة"، في خطوة تعد الأهم منذ بدء محدثات السلام ما بين الطرفين في العام 1991. وكما أُعلن، تنوي إسرائيل فرض سيطرتها على 30% من مساحة الضفة الغربية وغور الأردن، وسيكون مشروع الضم حصراً على الأرض دون المواطنين الذين يتوزعون في تلك المناطق الجغرافية، ما سيؤدي لزيادة الأمر سوءا وتعقيدا.

وكردة فعل من الجانب الفلسطيني فقد أعلن الرئيس الفلسطيني في الـ 20 من أيار الماضي أن الدولة الفلسطينية قد أصبحت في حل من جميع الاتفاقيات والتفاهمات مع إسرائيل وأمريكا، وتبع القرار رفض استلام أموال عائدات الضرائب من إسرائيل، ووقف التنسيق الأمني معها.

باعتقادي جاءت هذه الخطوة متأخرة ما لا يقل عن 20 عاما، حيث أن إسرائيل قد تحللت من تلك الاتفاقيات ونقضتها على كافة المستويات، سياسياً وقانونيا واقتصادياً وأمنيا منذ العام 2000 على الأقل. ومع ذلك ما يزال المجتمع الدولي يطالب الفلسطينيين بالالتزام بهذه الاتفاقيات-ربما بصفتهم الطرف الأضعف- رغم علمهم بنقض إسرائيل لها.

حقيقة أستغرب الموقف الداخلي الفلسطيني والموقف العربي والعالمي من رفض قرار الضم المعلن، فيما الحقيقة والواقع هو أننا نعيش الضم وفرض السيادة الإسرائيلية كل يوم ومنذ زمن، بل ولم نتوقف عن مشاهدة ذلك منذ توقيع الاتفاقيات بين الطرفين. الضم الحقيقي لا يتمثل بالكلام والإعلان بل بالأفعال التي مارستها قوات الاحتلال ولا تزال تمارسها، ومن أمثلتها زحف الاستيطان الذي لم يتوقف منذ سنوات بالرغم من عدم قانونيته أو شرعيته، ومع ذلك لم يُواجه سوى بصمت دولي عنه وفي أفضل الأحوال إدانة.

وكل من زار المناطق المنوي ضمها خلال الخمسين سنة الماضية يدرك أن السيادة الإسرائيلية طُبقت على المستوطنات فيها فعلا منذ إقامتها، حيث يدفع سكانها الضرائب ويصوتون في الكنيست وأحيانا يخدمون في الجيش. إلا أن إسرائيل تستغل انشغال العالم بقضية عامة في الوقت الحاضر للتذكير بقدرتها على فعل المزيد، ولن نخوض في إمكانية قتل حل الدولتين أو مدى قانونية إقدام إسرائيل على هذه الخطوة. ولكن هل تنوي إسرائيل فعلا تنفيذ قرارها؟ أم أن دول العالم ستتحرك لإنقاذها من نفسها؟

وعلى المستوى الداخلي يعارض مستوطنون يهود نية إسرائيل ضم أجزاء من الضفة الغربية، وسبب قلقهم الذي لا يشاركهم فيه كل المستوطنين، هو أن الخطة قد تمهد الطريق إلى الرؤية الأميركية الخاصة بإقامة دولة فلسطينية على 70 في المئة من أراضي الضفة الغربية، وهي مناطق قد تشمل نحو 15 مستوطنة.

على المستوى الدولي، انقسمت الإدارة الأمريكية صاحبة المخطط الأساسي لتنفيذ الضم (صفقة القرن) إزاء هذه الخطوة، حيث ارتفع عدد أعضاء الكونجرس الأمريكي الذين وقعوا على وثيقة تعارض الضم إلى 140 عضو، كما أكد ناشطون متضامنون مع الحق الفلسطيني أنه من المتوقع أن يصل العدد إلى 200. ويرون بشبه إجماع أن دعم جهود أحادية بضم الضفة الغربية لن تعمل إلا على إبعادهم عن الهدف الرئيس بالغ الأهمية.

يصر الاتحاد الأوروبي وهو أحد القوى الدولية ذات التأثير غير البسيط في ميزان القوى العالمي على الاستمرار بسياسة "مسك العصا من منتصفها"، فعلى مدى سنوات طويلة لم نلمس ترجمة للدبلوماسية الأوروبية لواقع فعلي، وبقي دعمها السياسي للحقوق الفلسطينية داخل نطاق الخطاب فقط، وحتى الآن لم يخرج الاتحاد الأوروبي بموقف حقيقي موحد ولا حتى منفرد لبعض الدول لمحاولة ثني إسرائيل عن مخططها كأن تعترف بالدولة الفلسطينية.

أما الدول العربية فقد أدانت في مجملها الضم الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، واعتبرت انه سيقتل أي فرصة لعملية السلام، ولكن دون أن نشهد منها أي موقف فعلي ولو كان مجرد التلويح بقطع العلاقات بينها وبين الطرف الإسرائيلي من خلال التطبيع.

نعم هناك أرباح ستجنيها إسرائيل بضم الأراضي الفلسطينية لتحقيق هدفها، ولكن هناك الكثير من الحسابات التي يتوجب عليها سدادها نتيجة اتخاذها "كقوة قائمة بالاحتلال" لهذا القرار. ستخسر إسرائيل الاستقرار والهدوء النسبي الذي ساد العلاقة بين الطرفين على مدى السنين الماضية، وسيكون للفلسطينيين دوافع أكبر لممارسة العنف بدون أن يكون هناك تنسيق أمني يساعد على الحد منه، وقد يترتب على ذلك تحويل الجهد الأمني من التركيز على تقويض سلطة إيران في المناطق الشمالية إلى الساحة الفلسطينية لإعادة الاستقرار لها. وقد يكون لقرار الضم نتائج إيجابية على التقارب ما بين أكبر فصيلين في فلسطين، والذي قد يؤدي لتنبي سياسة مشتركة لا ترغب بها إسرائيل.

من أهم العوامل المؤثرة والناتجة عن تنفيذ القرار، ارتفاع الاحتمالية بانهيار السلطة الوطنية الفلسطينية، وإعادة تحمل مسؤولية السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية والبالغ عددهم (2.99) مليون (حسب إحصاءات جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني في العام 2019) على قوة الاحتلال بعد أن تخلصت منها مدة 25عاماً. كما ستلغى خطة الضم مزايا اتفاق السلام مع الأردن والذي وفر لها حدود آمنة وتنسيقا أمنيا ناجحا.

تنفيذ قرار الضم ليس بالأمر السهل، ويبقى السؤال، كيف يمكن لنتنياهو التراجع عن قراره والنزول عن الشجرة؟

ربما يكون الهدف الإسرائيلي من تحديد موعد الضم هو المناورة، واستخدام القرار كسلاح تهديد قابل للتنفيذ في أي لحظة تخرج فيها الأمور عن السيطرة، برفض الفلسطينيين أكثر سياسة "التركيع" التي تمارس عليهم منذ فترة (وقف المساعدات الأمريكية، تجفيف موارد الأونروا، ضم القدس والجولان) بدليل لجوء اسرائيل لخيار الضم المتدرج بضم 10% فقط من المساحة حاليا.

أما السلطة فهي تعي جيداً عواقب قرارها التحلل من الاتفاقيات، فهي سلطة مؤقتة نتجت أصلا عن هذه الاتفاقيات بين الطرفين لحين التحول لدولة، ووقف التنسيق الأمني يعني وقف أهم أسباب وجودها الذي يدرك الجانب الإسرائيلي أهميته جيدا، ما يعني أن هذه الخطوة جاءت للضغط على إسرائيل للعودة عن قرارها.

كما أن السلطة لن تقوم بحل نفسها من تلقاء نفسها، فهي تعتبر أن وجودها هو الإنجاز الوحيد الذي سيؤدي لإعلان الدولة، وفي حال تنفيذ قرار الضم فليس لها من خيار سوى القبول بالاستمرار بتأدية وظيفتها بتسيير أعمال المواطنين وهنا سيكون من الصعب الاستمرار في ذلك في ظل الوضع الإقليمي والدولي الضاغط.

تبقى المراهنة على التراجع الإسرائيلي عن تنفيذ قرار الضم لكل ما سبق غير منطقية، ويتوجب على الطرف الفلسطيني التصرف بجدية أكثر على المستوى الرسمي من خلال اللجوء للقانون الدولي، وتسخير جميع أدواته الممكنة في سبيل إيقاف القرار الاسرائيلي، العمل بآلية تسمح بتضافر الجهود بشكل منظم على المستوى الشعبي داخليا وخارجيا، التحرك الدبلوماسي المدروس للتأثير على دول العالم وعلى الأخص دول الاتحاد الأوروبي كقوة ذات وزن، والأهم هو إعادة العمل على تفعيل منظمة التحرير وإعادة بناء مؤسساتها.

لا فرق بين حدوث الضم من عدمه، المشكلة الرئيسية تتلخص في الوضع الفلسطيني الداخلي الذي شجع إسرائيل للتطاول على الاتفاقيات المحلية والدولية، وسهل لها تنفيذ مخططاتها، فيما يتوجب على القيادة الفلسطينية اعادة ترتيب الأوضاع الداخلية لمواجهة الأخطار الخارجية.