لا خطوط حمراء..كل الخيارات مفتوحة
تاريخ النشر : 2020-06-19 10:44

موضوع التحالفات من المواضيع التي تثير إهتمامي وتثير الجدل في رأسي، وكما يعلم الجميع فإن لها معادلات وحسابات دقيقة لدى الدول تحكمها المصالح والمصالح ومن ثم المصالح .

نحن كفلسطينيين ومنذ بدايات ثورتنا المعاصرة، نتخذ موقف الحياد تجاه القضايا الإقليمية والدولية المختلفة وسياستنا هي ألّا نتدخل بالشؤون الداخلية للدول الأخرى، والسبب ببساطة أن لدينا قضيتنا المركزية التي هي الأساس والأهم، ولدينا ما يكفينا من الهموم والقضايا المتعلقة بقضيتنا والتي يجب أن ننشغل بها من ناحية، ومن ناحية أخرى لأنه ليس من صالحنا أن يكون لدينا أعداء إلا العدو الصهيوني الذي اغتصب بلادنا ولأننا بحاجة إلى دعم وتعاطف جميع الدول.

وعلى الرغم مما سبق، فإن ذلك لم يمنعنا كفلسطينيين من بناء تحالفات ولو بصورة غير رسمية وغير معلن عنها، وهذه التحالفات لها أبعاد تاريخية عميقة ترتبط بالدعم السياسي أو الدعم المالي / الإقتصادي لثورتنا ولمنظمة التحرير، ومنذ ما يقارب ربع قرن، نتحدث عن الدعم المباشر للسلطة الوطنية الفلسطينية، وكذلك لم يمنعنا من أن يكون لدينا تحفظات في إقامة علاقات معينة لأسباب قد تتعلق بنا بصورة غير مباشرة، ولكنها ليست مبرراً لمثل هذه التحفظات، بل السبب الحقيقي يتعلق ببعض الداعمين لنا وتحالفاتهم الإستراتيجية وإرضاء لهم وحرصاً على عدم إستثارة غضبهم وإستفزازهم.

بشكل عام، أفهم أن يكون صديق الصديق صديقاً لنا، لأن هذا هو الأصل في سياستنا المبنية على كسب صداقة الجميع، ولكن ما لا أفهمه هو لماذا يجب أن يكون عدو الصديق عدواً لنا، خاصة في حال أنه قد يكون لنا مصلحة معينة ولو مؤقتة معه، وتساؤلي هذا لا يعني أنني أحمل المسؤولية لنا نحن الفلسطينيون فقط في تطبيق هذه القاعدة البالية، التي أعتقد أنه آن الأوان لأن يلتفت العالم أجمع إلى إعادة النظر بالقواعد التي تحكمها، بل أنني أحمل المسؤولية إلى كل دولة تلزم أو تفرض على حلفائها بتناسي مصالحهم وإتباع تعليماتها في إقامة علاقاتهم، بغض النظر عن مصالحهم، قد يقول قائل إن هذا لا يحدث بحرفيته، وأنا أوافق، فليس المقصود إصدار التعليمات للحلفاء بالمفهوم الحرفي، وإنما هو أمر جرى عليه العرف في تجنب إقامة علاقات مع دولة بينها وبين الدولة الصديقة لنا خلافاً أو عداوة، تحسباً من غضب الدولة الصديقة وقيامها بأي ردة فعل ضدنا كقطع المساعدات أو طرد الفلسطينيين الذين يعملون على أراضيها أو غيره من ردود الأفعال التي تضر بنا وبمصالحنا..

آن الأوان أن تحترم الدول خيارات حلفائها دون ربطها بمصالحها، وآن الأوان لأن يتغير مفهوم الحليف، بحيث يصبح أكثر شمولية وأكثر مرونة وأكثر واقعية ومنطقية، فالحليف هو الصديق الذي يقف معنا عند الحاجة بجميع إمكانياته السياسية والدبلوماسية والإقتصادية والأمنية، والذي نقوم نحن بدعمه وفق إمكانياتنا، ولكن، ولخصوصية الحالة الفلسطينية، فإننا لسنا بموقع أن نقدم مباشرة إلى حلفائنا لأننا لا نمتلك الموارد، ولكن نمتلك العلاقات التي يمكن لنا إستثمارها في وساطات دولية لحل قضايا شائكة، أو إستخدام علاقاتنا في إقناع دولة غنية ممن تجمعنا معها علاقة جيدة من الإستثمار في دولة ثالثة لنا مصلحة معها ، وهكذا.

كانت تلك المقدمة الطويلة تمهيداً لما أردت طرحه في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها قضيتنا في مواجهة أعتى المؤامرات عليها والمتمثلة بصفقة القرن الترامبية النتنياهويه، والتي يشكل جزء منها ضم أجزاء كبيرة من غور الأردن والمستوطنات ومن أراضي الضفة الغربية لتصل نسبة الضم شاملة إلى ما يقارب 33% منها ، والتي اتضح أنه، وعلى الرغم من جميع الجهود الدبلوماسية والسياسية والمواقف التي حصلنا عليها من 25 دولة أوروبية والدول العربية والإسلامية وغيرها من دول العالم من مواقف رافضة للضم ومن تهديدات بقطع العلاقات والتعاملات الإقتصادية مع إسرائيل، وعلى الرغم من المقاومة الشعبية السلمية ، إلا أن إسرائيل ماضية في تنفيذ مشروعها على الأرض، وقد أكدت نيتها على لسان غانتس مؤخراً بأن الضم سيدخل حيز التنفيذ في بداية شهر تموز.

من هنا أطرح طرحاً قد يبدو متطرفاً وغريباً لدى لبعض، مع علمي بأن ذلك لا يتناسب وموقف القيادة وأنه غير مقبول، إلا أنني أجد أنه من الضروري في هذه المرحلة أن نوسع تحالفاتنا وأن نطلب العون والمساعدة في مواجهة الضم من إيران أو من أحد أذرعها في المنطقة، وأقصد هنا حزب الله.

فشعار وبوصلة إيران وحزب الله هي فلسطين، ولكننا لم نشهد لغاية اللحظة أي دليل على ذلك سوى الكلام والإعلام، لم لا نعطيهم فرصة إثبات حسن النية، لم لا نطلب منهم مساعدتنا في مواجهة إسرائيل بجميع الوسائل الممكنة وإلى الحد الذي يمكن للأمور أن تصل إليه، لم لا نجد في ذلك فرصة لتثبت إيران أن دعمها لفلسطين وليس للإخوان المسلمين في فلسطين، لم لا نعطي إيران شرف الدفاع عن الأراضي الفلسطينية فعلياً لا بضخ الأموال التي تعزز الإنقسام وتطيل في أمده، وإنما بالوقوف إلى جانب السلطة الشرعية في مواجهة إعادة إغتصاب ما حققناه في إتفاقيات منقوصة وعرجاء ولكنها شكلت لنا نقطة البداية في أن نكون في فلسطين ونناضل سلمياً من أجل تحقيق الحرية والإستقلال وبناء دولتنا وعاصممتها القدس.

حسن نصرالله يهدد منذ عقود بأنه سيضرب إسرائيل، وبأنه سيحرر فلسطين، فلنضع يدنا بيده بصورة مؤقتة في مواجهة الضم، خاصة أن جميع المواقف الإيجابية التي ثمّناها للدول العربية والأوروبية وغيرها هي مجرد مواقف وتهديدات بمقاطعة لا تغني ولا تسمن من جوع في حال تم تطبيق الضم الفعلي على الأرض، هي مواقف كبيانات الجامعة العربية ولكنها غير فاعلة بصورة توازي حجم الموضوع وخطره في حال تنفيذه، المواقف بالنسبة لي هي مواقف صورية، تعاضد وتعاطف ومساندة معنوية، ولكن من يستطيع مواجهة الضم في حال تم تطبيقه على الأرض قريباً ؟! طبعا لا أحد، وأنا شخصياً لا أتوقع أن تهب الجيوش العربية إلى أرض فلسطين "المغتصبة بعد أوسلو" لتحريرها، ولكن يمكن لي أن أتخيل أن يقوم حزب الله مثلاً بقض مضاجع إسرائيل ومساومتها لتتوقف وتتراجع .

بالنسبة لحليفتنا السعودية الشقيقة، التي وقفت معنا في أحلك الظروف في تاريخ قضيتنا، والملتزمة بصورة لم تنقطع عن دعمنا إقتصادياً وسياسياً، فأنا اعتقد أنها ستتفهم خطوة تحالفنا "المؤقت" مع إيران وذراعها حزب الله" ، وتتفهم خصوصية الوضع الفلسطيني الذي يجب أن تكون له إعتبارات خارج حدود حسابات التحالفات التقليدية، وأنها تدرك أن لا رادع لإسرائيل سواهم، وأن تحالفنا معهم هو للضرورة القصوى ولا يعني التخلي عن السعودية أو مصر أو أي دولة شقيقة.

أعلم جيداً أنه لا ثابت في السياسة إلا المتغير، وأعلم جيداً أننا في مرحلة علينا أن نأخذ فيها أسوأ الأمور بالحسبان، لأنها مرحلة حرجة ومن الصعب التكهن بما سيحدث فيها، كما أنه هذا مفهومي لما ذكرته قيادتنا في أكثر من موقف بأن جميع الخيارات مفتوحة، وقد ذكرت أحد تلك الخيارات في مقالي السابق وهو تشكيل وتفعيل مجموعات مسلحة، لن يتم إفشال مخطط الضم لا بالشعارات ولا بالمواقف الصادرة بتصريحات وبيانات، لن يتم إفشال المخطط بالقوى الناعمة، وإنما إفشال الضم يكون بالتحرك والفعل والتهديد الحقيقي لإسرائيل، وهو بالتلويح بالأوراق الرابحة والجاهزة أن تقاتل على الأرض، إفشال المخطط يكون بالضرب الذي يتناسب والحدث، والحدث هو إعادة إحتلال ما تبقى لنا من فلسطين. لست من دعاة الحرب، ولكن، إن لزمت، فعلينا أن نكون جاهزين.

أعرف أن الأمور لا تكون بالبساطة التي نكتبها بها، ولكني أعلم بأنها ليست مستحيلة لو توفرت الإرادة والقرار، ولكني أجد أننا يجب أن نضع هذا الخيار على الطاولة، وألّا نضع حدود لتحالفاتنا، وأن نفكر خارج الصندوق في وضع خططنا الإستراتيجية والتكتيكية كما هو الحال الآن، وقد يكون في ذلك عاملاً مساعداً في إنهاء الإنقسام وتحقيق الوحدة الوطنية، وقد يؤدي إلى أن تخطو الدول الحليفة لإيران خطوة جريئة تجاه إسرائيل، تردعها وتحثها على التراجع عن الضم بصورة نهائية، بعد أن تدرك الخطر الحقيقي الذي ستواجهه، وعندما تدرك أن ظهر الفلسطينيين ليس مكشوفاً ومغطى بأكثر من مجرد أوراق وصفحات البيانات والتصريحات والمواقف.

____________________

المقال نقلًا عن وكالة معًا