"كورونا" والمخيم.. بيوتٌ ضاقت بأهلها وفقرٌ تَجَبَّر
تاريخ النشر : 2020-06-15 20:46

جباليا- شبكة نوى :

من نافذة بيتها الصغيرة في مخيم جباليا، شمال قطاع غزة، تطلّ ريماس الحناوي برأسها نحو الشارع الضيق، ذي الجدران الممتلئة بكلمات الحب والثورة، وقد ارتدت ثوب الصلاة لتبدو أكبر بكثيرٍ من عمر الثانية عشر.

 كانت تستنشق هواءً غير هواء البيت الضيق، الذي تعيش فيه برفقة والديها وأخواتها الخمس، وأخيها الوحيد.

 تقول لـ "نوى" بعد أن خلعت ثوب صلاتِها، وكشفت عن ملامح طفولتِها: "منذ انتشر فايروس كورونا، اعتدتُ أن أقف على الكرسي لأصل إلى النافذة وأُمضي وقتًا طويلًا أنظر هنا وهناك، لأغيّر نفسيتي، لقد مللتُ البيت، لم أعد أطيق جدرانَه وفِراشَه وروتينه".

"المدارس مغلقة، والزيارات ممنوعة، وكذلك الجلوس على عتبة البيت وشارعه، وابنة عمتي "روان" لم أرها منذ انتشر هذا الوباء اللعين".

وتضيف: "المدارس مغلقة، والزيارات العائلية ممنوعة، وكذلك الجلوس على عتبة البيت وشارعه، وابنة عمتي "روان" التي كنت أراها كل يوم أو اثنين، لم أرها منذ انتشر هذا الوباء اللعين (..) كل الظروف المتعلقة بفايروس كورونا، تدعو للضجر"، مستدركةً: "لكنني أشفق على أختي حنين أكثر من نفسي، فإنها تقضي معظم وقتها مُحبَطةً ممدّدة على الفراش".

حنين أختُها الأكبر وتبلغ من العمر 16 عامًا، تعاني من تخلفٍ عقليّ بسبب نقصٍ في الأكسجين، تعرّضت له أثناء ولادتها، وترك في قلب أمِّها سماح "الحناوي" حزنًا عميقًا حتى اليوم، فتجدها تحتضنها وتُقبّلها كل حين.

تقول لنوى: "قبل ظهور الفايروس كنت أجلس برفقتها في شارع البيت الضيق مع جاراتِنا، فتتسلّى حنين مع الأطفال الذين يركضون هنا وهناك، وتفرح لأقل الأسباب خارج البيت، أما اليوم فقد أُلغيت لمَّةُ النساءِ، كان الله في عونِها".

وتتابع: "كنا نجتمع في الغالب وقت العصر، فنصنع الشاي أو القهوة، ومن صَنَعت شيئًا من الحلوى منا تحضره معها، وما ألذّ طعمها مع اللّمة والصُّحبة والجيرة التي لا تعوّض بثمن، إنها نعمة نفتقدها اليوم حقًا".

بين هؤلاء النساء، كانت الجارة أم محمد الشباكي، والجارة أم وسام أبو سعدة، اللتان سرعان ما دعتهما "سماح" لمشاركتها الحديث مع "نوى"، فكانت فرصةً قصيرةً من الوقت لاحتساء فنجان قهوة، لقد وشّحت ملامحهنّ السعادة باللقاء، فقد مضى عليهنَّ وقتًا طويلًا دون أن يلتقين على الأبواب.

الشباكي تعيش على ما تحصل عليه من "شكّ الشئون الاجتماعية" برفقة ثلاثة أبناء، وابنتين، وزوجها الذي يعاني منذ 25 عامًا من حالة نفسيّة صعبة، وفق وصفها.

"كان ابنايَ يعملان على بسطةٍ أمام شاطئ البحر، يبيعان المشروبات المختلفة، ويجنيان مالًا نقضي به بعض احتياجاتنا، لكن مع إعلان حالة الطوارئ، اضطرّا للتوقّف عن العمل".

تقول: "كان ابنايَ يعملان على بسطةٍ أمام شاطئ البحر، يبيعان المشروبات المختلفة، ويجنيان مالًا نقضي به بعض احتياجاتنا، لكن مع إعلان حالة الطوارئ، اضطرّا للتوقّف عن العمل".

وتضيف: "لم يحظَ الاثنان بفرصةٍ للزواج بعد، لقد بلغ محمد من العمر (36 عامًا)، بينما صار عمر وسام (25 عامًا)، الوضع المادي لم يسمح لهما بذلك أبدًا".

أما الابنة الكبرى للحاجة الشباكي، فجامعيةٌ في قسم التحاليل الطبية تدرس فصلها الأخير، إنها حلم العائلة وفخرها، تواصل أمها القول: "ننتظر تخرجها على أحرّ من الجمر، وفي ظل الوضع الاقتصادي الصعب، كنت أبيع  بعض ما أحصل عليه من  مواد "الكوبونة" لأوفّر لها مواصلات الجامعة".

وتكمل: "اليوم وفي ظل إغلاق الجامعات، اضطررت لاستدانة مبلغ من أجل توفير جهاز لاب توب، لمتابعة دراستها إلكترونيًا"، تعبر: "ساق الله وهي مخلّصة".

وتوضح الشباكي أن طريقة التعلم الإلكتروني جعلت ابنتها دائمة التعب والتوتر، خاصة وأنها غير معتادة عليها فتُدوّن كل كلمةٍ يتم نطقها إلكترونيًا.

أما الجارة أبو سعدة، فدائمةُ القلق على ابنها في تركيا التي انتشر فيها "كورونا" بسرعة، حيث ذهب للعلاج بعد إصابته في رجليه الاثنتين، حين انتفض يوم إعلان الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، القدس عاصمة دولة الاحتلال "إسرائيل".

"كورونا" لم تشعل قلبها على ابنِها في تركيا فقط، إنما غمسَت فرحتَها بشيءٍ من الحزنِ حين زوّجت ابنتها وحيدتَها في البيت، بدون صالةٍ واسعة، ومراسم خاصة.

"كورونا" لم تشعل قلبها على ابنِها في تركيا فقط، إنما غمسَت فرحتَها بشيءٍ من الحزنِ حين زوّجت ابنتها وحيدتَها في البيت، بدون صالةٍ واسعة، ومراسم خاصة كما تجري العادة في الوضع الطبيعي.

تقول لـ "نوى" : "لقد عقد محمد قرانه على ابنتي نور الهدى منذ عامين، وفي هذين العامين خططا وجهّزا لإقامة أجمل عرس، وتم تحديد الفرح في شهر إبريل قبل ظهور "كورونا".

وتضيف: "لم نكن نتخيل أن يحدث ذلك ويتم العرس بشكل بسيط، فقد خشينا أن يشتد الإغلاق، وينتشر الوباء، ويسوء الوضع ويصبح أمر الزواج صعبًا، كانوا يقولون لنا: "اليوم تلبس في عرسها بدلة بيضا، بكرة الله أعلم يمكن تلبس جلباب، أو تنتقل لبيت زوجها بدون أي مراسم"، مؤكدةً أنها نسيت كل تلك الشكليات أمام ابتسامة نور الهدى ومحمد وفرحتهما.

أما بالنسبة لعائلة أبي يزن، فالحال كان شديد السوء، لقد فقد الرجل عمله بإغلاق الأسواق الشعبية، إذ يعمل بائعًا على بسطة للشاي والقهوة، ويجني قوت يوم عائلته من خلالها.

زارته "نوى" ففوجئت بزوجته أم يزن وقد جهزت بعض ملابسها وملابس صغارها والأحذية، وصفَّتها في أكياسٍ ليبيعها زوجها في مكانٍ ما، ويشتري بثمنها وجبة غداء جيدة ليوم الجمعة، فيما أطفالها يتناولون المعكرونة بجوارها.

تقول: "منذ إغلاق الأسواق الشعبية، ورفض أصحاب البسطات أن يجاورهم زوجي على بسطته، لم يكن أمامه سوى الذهاب لبيوت العزاء كلما صادف أحدها، وطلب صينية أرز لعائلته".

وتضيف: "اشتقتُ لأهلي كثيرًا، لكن تلك الأزمة التي حرمتنا من توفير المال تمنعني من الزيارة، وهم يسكنون في خان يونس جنوب القطاع، وذلك يكلفنا الكثير ثمنًا للمواصلات".

ولشدة الملل الذي تعيشه الفتاة صابرين أبو حمادة (15 عامًا) في بيتها الذي لا تزيد مساحته عن (60 مترًا) برفقة 12 شخصًا آخر، قررت أن تصنع لنفسها بسطة صغيرة بمبلغ (45 شيكل) كانت قد ادّخرته من مصروف مدرستها.

تعلق بالقول: "أبيع وأتسلى مع الأطفال، فنحن وإن كنا لا نحب المدرسة، إلا أننا نشتاق إليها حين نغادرها إجبارًا".