"إسرائيل" ترفع "البطاقة الحمراء" لمرضى السرطان بغزة
تاريخ النشر : 2020-06-16 09:52

قطاع غزّة:

لا شيء تثبته الظروف القائمة في قطاع غزّة، تحديدًا، بعد إعلان الاحتلال وقف التنسيق المدني مع السلطة الفلسطينية، سوى أن "غزة ليست صالحة للحياة".

العبارة تحمل طنينًا عاليًا صمَّ آذات آلاف المرضى الفلسطينيين، ممن ينتظرون التحويلات الطبية، للعلاج بمستشفيات الضفة الغربية أو القدس المحتلّة، هذه الفئة التي تتأثر بشكلٍ مباشرٍ بالطبع.

"في البدائل، هل سنتمكن من السفر إلى مصر أم أنهم سوف يجلبون لنا العلاج من هناك؟" أسئلة تدور في ذهن حنين حمدونة (28 عامًا)، التي تعاني من ورمٍ سرطاني وتعيش في مدينة غزة.

تقول حنين: "إن وقف التنسيق المدني بعد جائحة كورونا مباشرة، أثرت تبعاته بشكلٍ مباشرٍ على آلاف الحالات المرضية، وحرمتها من العلاج، وأنا منهم، كان من المقرر أن أخرج للعلاج بمستشفيات الضفة الغربية في الخامس من يونيو/ حزيران  الجاري، لعمل مسح ذري لحالتي الصحية، لكني لا أزال أنتظر".

وتضيف: "اليود المشع وتشخيص الحالة بحاجة إلى متخصصين، وهم غير موجودين في القطاع، غياب البدائل أمرٌ متعبٌ لنا، وكل يوم ننتظره، هو نقطة فارقة على صعيد سلامتنا وحياتنا".

وبحسب حنين، فإن أجهزة المسح الذري وأدوية الإشعاع التي تحصل عليها ليست متوفرةً بغزة، وإلا لما اضطرت وزارة الصحة الفلسطينية منذ البداية إلى تحويل المرضى من غزة إلى الضفة الغربية والقدس المحتلة للعلاج، تعقب: "ما يتم تحويله من حالات مرضية كانت تتعالج بمستشفى الرنتيسي ومستشفى الحياة التخصصي، إنما للعلاج بالكيماوي فقط".

وتتابع الشابة: "ليس أمامي سوى اللجوء إلى الكيماوي كون الإشعاع غير متوفرة"، مردفة: "أنا كمريضة سرطان، حالتي النفسية هي أهم خطوة في بروتوكول العلاج عندي، العلاج بالكيماوي سيؤثر علي، ويمكن أن أكون غير محتاجةٍ له، وهذا ما يحدده المسح الذري غير الموجود هنا، وهنا أسأل نفسي: على أي أساس سوف أخضع للعلاج الكيماوي؟ لدي حق بالحفاظ على استقراري النفسي".

وتؤكد أن تضررها من وقف التنسيق المدني يتضاعف مع مرور الأيام، متابعة: "الخلايا السرطانية عدو قاتل موجود بأجسادنا، كل تفكيري محصور بعدة أسئلة: هل شفيت؟ هل سأُشفى؟ هل أنا بحاجة لعلاج جديد؟ كيف سأحصل عليه؟"، تصمت قليلًا وتكمل: "هذه الأسئلة أرهقتني فعليًا".

كذلك الحال بالنسبة إلى فؤاد النعيزي، الذي أُصيبَ بسرطانٍ في الحنجرة منذ سبعة أشهر، كان قد حصل على تحويلة طبية شاملة للعلاج، واستطاع السفر إلى مستشفى المطلع في القدس، لتلقي العلاج من ٢٢ آذار/ مارس، وحتى ٢٢ نيسان/ أبريل من العام الجاري، وما أن عاد إلى غزة، حتى تقرر وضعه بالحجر الصحي داخل المستشفى التركي شمال القطاع برفقة زوجته مدّة ٢١ يومًا.

تقول ابنته سحر: "فترة الحجر الصحي كانت أصعب عليه نفسيًا من رحلة العلاج، فالخوف من "كورونا" لا يقل عن الخوف من السرطان إن لم يكن أكبر، وفور عودته إلى منزله بعد انتهاء فترة الحجر ظل يردد لفترة: "كانت أصعب فترة تمر علي بحياتي، أن تكون معلقًا بين السرطان و"كورونا" فإنه أمر لا يوصف حقيقة".

ومن المفترض أن يسافر فؤاد مرة أخرى في السابع من يوليو/ تموز المقبل لمتابعة حالته الصحية، لكنه مع وقف التنسيق المدني، لا يدري إذا ما كانت هنالك خيارات أخرى متاحة غير المتابعة المحلية بمستشفى الرنتيسي ومستشفى الحياة التخصصي في قطاع غزّة، ما يرهق نفسيته أكثر ويؤثر على صحته – وفق ابنته -.

وكانت إسرائيل قد قررت وقف التنسيق المدني مع السلطة الفلسطينية، ردًا على قرارها بوقف التنسيق الأمني، بعد إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس وقف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال، وتشكيل لجنةٍ لتنفيذ هذا القرار، وذلك عملًا بقرار المجلس المركزي، كردٍ فلسطيني مباشر على الإعلان الاسرائيلي عن التوجه لضم الأغوار والمستوطنات، وفرض ما يسمى بـ "السيادة الإسرائيلية" عليها.

من جهته، يقول رفيق الزنط رئيس مجلس إدارة مستشفى الحياة التخصصي في غزة: "إن قسم الأورام في المستشفى جاهز منذ ثلاثة أعوام، ونتناقش مع وزارة الصحة الفلسطينية بخصوصه، لكننا فوجئنا مؤخرًا باتصال من الوزارة، يخبرنا بتوطين الخدمة، والمباشرة بإعطاء الجرعات لمرضى السرطان".

ويضيف: "نعمل بكل الإمكانات المتاحة، أعطينا الجرعات للكثير من المرضى، والبعض الآخر لم يستطيعوا أخذها لعدم وجود أدوية بالشركات الوكيلة، وعدم معرفة مصدرها لدى الجانب الإسرائيلي"، مشيرًا إلى أنهم يحاولون التواصل مع شركاتٍ خارج القطاع، لتوفير بعض الأصناف.

وعن وضع المستشفى، يفيد بأن عدد التحويلات الطبية إلى مستشفى الحياة وصلت إلى ألفٍ تقريبًا، تم تقديم جرعات لحوالي ٧٠٠ مريض، "وبعض المرضى تناولوا جرعات أشهر: مارس إبريل ومايو بالفعل" يزيد.

يؤكد الزنط أن الاحتلال والانقسام الفلسطيني، هما العائقان الأساسيان لعلاج المرضى الفلسطينيين في غزة، تحديدًا فيما يتعلق بتوفير العلاج، خصوصًا أن الكم كبير، والوضع الحكومي يحتاج إلى إمكانات عالية لتلبيته، قائلًا: "لدينا عقود مع حكومة رام الله بمبالغ ضخمة، نحتاج إلى مستحقات بما يعادل ٢٠ مليون شيكل لم يتم دفعها حتى اللحظة، ما يمكن ألا يجعلنا نكمل خدمات مرضى السرطان".

ونقلاً عن استشاري ورئيس قسم علاج الأورام في وزارة الصحة بغزة خالد ثابت، فإن القطاع يسجل إصابة حوالي 120-130 حالة جديدة للأورام السرطانية شهريًا، موضحًا في تصريحاتٍ صحفية، أن نسبة الإصابة بالسرطان في غزة، تُقدر بنحو 90 حالة لكل 100 ألف، وفق آخر الإحصائيات. 

يُذكر أن عدد المرضى الذين يخضعون للعلاج حاليًا في مستشفيات قطاع غزّة وصل إلى 6 آلاف مريض ومريضة، وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، فإن مخازنها تعاني من نفاد 44 بالمئة من الأدوية، و35 بالمئة من المستهلكات الطبية، و65 بالمئة من المواد المخبرية.