شيبُ "صفية" يُهان! فمتى يُقرُّ قانون "الأسرة"؟
تاريخ النشر : 2020-06-13 10:17

غزة:

قبل ثلاثة أشهر، وعلى إثر مقتل الشابة الفلسطينية صفاء شكشك على يد زوجها في قطاع غزة، نشرت شبكة "نوى" تقريرًا بعنوان: "آذار اقترَب.. وقانون حماية الأسرة "محلك سر"، طرحت فيه أهمية الإسراع في إصدار قانون "حماية الأسرة من العنف"، الذي تبنًت فكرته المؤسسات النسوية منذ عام 2005م.

القانون الذي شهد هجومًا كبيرًا من قبل بعض العائلات والعشائر، التي ادعت أنه يمس بتقاليد المجتمع وأعرافه، بات إصداره اليوم أكثر إلحاحًا، بعد تزايد ضحايا العنف الأسري في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، سأخبركم أمرًا: يكفي أن يُستصدر إكرامًا للشيب في رأس الحاجة "صفية" آخر ضحايا المجتمع المعلن عنهم؛ "التي تعرضت دون أدنى اعتبار لسنها أو وضعها الصحي" للضرب على أيدي أخوالها لإجبارها على التنازل عن قطعة أرضٍ تملكها جنوب قطاع غزة.

عويضة:تشكّل ائتلاف "صدى" على مستوى فلسطين للتوعية بأهمية محاربة العنف المسلط على النساء، والمناداة بإقرار قانون حماية الأسرة من العنف

أعداد ضحايا العنف الأسري في الضفة الغربية وقطاع غزة تتزايد، والقوانين المعمول بها حاليًا "هرِمة" ضعيفة، الاعتداءات داخل البيوت بفعل جائحة "كورونا" تلامس أرقامًا مخيفة، مادلين الجرابعة الفتاة التي قتلت على يد والدها بسبب مكالمةٍ لها مع أمها المطلقة، ثم العثور على جثة سيدةٍ في نابلس، هذا فقط خلال الشهر الماضي، وما في خفي بين جدران البيوت الصامتة "أعظم".

إذن بات القانون الذي يعمل عليه "مركز المرأة" للإرشاد القانوني منذ عام 2005م مُلحًا، "وتأجيل إصداره لسنوات بمبرر غياب "مجلس تشريعي" غير مقنع، خاصة وأنه تم إقرار العديد من القوانين خلال هذه السنوات"، تقول ساما عويضة مديرة المركز.

عويضة التي تحدّثت لـ"نوى" من رام الله عبر الهاتف، أكدت أنه مع انتشار وباء (كوفيد- 19)، وجلوس الناس في منازلهم لفترةٍ طويلة، رصدت الخطوط الساخنة للمؤسسات النسوية، زيادةً في نسبة العنف داخل البيوت، لا سيما في ما يتعلق بالاعتداء على النساء.

استطلاع:بلغت معدلات العنف الناتج عن الحجر المنزلي نسبة 36%

هذا ما يؤكده تحقيقٌ كانت نشرته شبكة "نوى"، حول تزايد العنف ضد النساء خلال إعلان حالة الطوارئ وما تبعها من إجراءات الحجر التي طالت معظم قطاعات الوطن، وثّقت معدّته (964) استشارة نفسية واجتماعية، قدمتها جمعيات الدفاع عن حقوق المرأة، منذ مطلع مارس/ آذار الماضي.

ووفق استطلاعٍ للرأي نفذته جمعية "عائشة" لحماية المرأة والطفل، بهدف معرفة أثر الأزمة الناجمة عن فايروس "كورونا" المستجد، على قضايا العنف المبني على النوع الاجتماعي، خلال شهر نيسان/ إبريل الماضي، بلغت معدلات العنف الناتج عن الحجر المنزلي نسبة 36%.

"هذا الواقع رصدته المؤسسات النسوية في الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل دقيق، فشكّلت لمواجهته مرصدًا لمناهضة العنف، عملت من خلاله على متابعة الخطوط الساخنة لحالات العنف، ومشاركة اللجان التي تعمل في المناطق، وتدريب الطواقم في المؤسسات على كيفية التعامل مع الحالات عبر الخطوط الساخنة" تضيف عويضة.

وعلى مستوى أبعد –والقول لعويضة- انطلقت حملةٌ للضغط والمناصرة، من أجل إقرار قانون "حماية الأسرة من العنف"، قدّمت على إثرها وزيرة شؤون المرأة عرائض لمجلس الوزراء بهذا الشأن.

تزيد عويضة: "تشكّل خلال الفترة الحالية ائتلاف حمل اسم "صدى" على مستوى فلسطين كلها: الضفة الغربية، وقطاع غزة، والقدس، والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م، انطلق عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام، للتوعية بأهمية محاربة العنف المسلط على النساء، والمناداة بإقرار قانون حماية الأسرة من العنف".

القانون على طاولة مجلس الوزراء، صوّت له بعضهم، وآخرون لم يصوتوا كما تؤكد عويضة، والسبب: وجود أصوات داخل المجتمع لا يروق لها القانون الذي شهد هجومًا من قبل عائلات وعشائر، قالت إنه يتعارض مع الدين، موضحةً أن هذا غير صحيح، فالقانون لا يتعارض مع الدين "لأن الدين لا يدعو للعنف الذي ارتكبت في إطاره جرائم قتل (..) القانون هو حماية لكل أفراد المجتمع وليس فقط النساء".

وحتى نكون صادقين مع أنفسنا قبل كل شيء، مستويات العنف تتزايد منذ قبل جائحة كورونا، فوفقًا لنتائج مسح العنف التي صدرت عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، ووزارة شؤون المرأة، نهاية عام 2019م، فإن 27% من النساء الفلسطينيات تعرّضن للعنف بأشكاله المختلفة، وبلغت نسبتهن 22% في الضفة الغربية، و35% في قطاع غزة.

وقد فصّل الجهاز المركزي نسبة العنف وفقًا للمحافظات في يوم المرأة العالمي في مارس/ آذار 2020م، فتبيّن أن أعلاها في الضفة الغربية، تحديدًا في محافظة الخليل بنسبة 37%، بينما في قطاع غزة، تركزت الحالات في محافظتي خانيونس وغزة بنسبة 41-40%، وكل هذا يثبت ارتفاع نسبة العنف ضد النساء الفلسطينيات، "ما يجعل قانون حماية الأسرة من العنف ملحًّا" والقول لعويضة.

عضو الأمانة العامة للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية ريما نزال، قالت في مداخلة سابقة لشبكة "نوى": "إن مسودات كثيرة شهدت السنوات الماضية مرورها على أدراج مكاتب كل الحكومات (فياض-الحمد الله-اشتيه)، التي قدمت الوعود تباعًا بإقرار القانون، وعلّقت: "المسودة جاهزة، ومتوافق عليها من قبل الحركة النسوية، ممثلة بمنتدى مناهضة العنف ضد النساء، مع الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، بل وتعوّل على هذا القانون كثيرًا، سيما وأن الجهتان على تماسٍ مباشر مع الضحايا".

وأشارت نزال إلى أن الإشكالية فقط لدى الجهات الرسمية: مجلس القضاء الشرعي، ووزارة العدل، وديوان الفتوى، والتشريع، ومجلس الوزراء، والنيابة العامة، معقبةً: "على ما يبدو، ولأسباب تتعلق بتضارب المصالح، جميع تلك الجهات تتقاذف الكرة، وتعدُّ نفسها المرجعية، ولذلك كل جهة تضع تعديلاتها وفقًا لمواقفها وفكرها، وهذا ما تسبب في تعطيل إصدار القانون حتى الآن".

لكن المستشارة القانونية لوزارة شؤون المرأة سونا نصار، نفت أن يكون القانون قد تعطّل في أروقة مجلس الوزراء الفلسطيني، قائلة: "لو أخذنا بالاعتبار كل التغيرات السياسية مع الاحتلال، والتغيّرات الاقتصادية والاجتماعية، وظروف المنطقة، هذا كله يؤثر على مشروع القانون".

وأوضّحت نصار، الآلية التشريعية التي تمر بها القوانين التي تذهبُ عادةً في نقاشات مع الأطر المختلفة، حيث تبدأ بالنقاشات وإعداد المسودة الأولى، وعرضها على مجلس الوزراء للقراءة الأولى، ثم إعادتها إلى أطرها من أجل مناقشتها ووضع الملاحظات عليها، ومن ثم إعادتها مرة أخرى، وهكذا حتى إقرارها بشكل نهائي.

نصار: القانون ما زال في دائرة الهجوم، من قبل أطراف يظنون أنه يمس بالتماسك الأسري، وهذا غير صحيحٍ

ورغم صدور العديد من "القرارات بقانون" في السنوات الماضية، بعيدًا عن المجلس التشريعي المعطّل منذ تاريخ الانقسام الفلسطيني عام 2007م، إلا أن قانون حماية الأسرة من العنف لم يُقر، تشرح نصار السبب بقولها: "الأمر يتعلق بحساسية هذا القانون كونه يمسّ الأسرة، ويطال ثقافة الناس وتقييمها لأشكال العنف في المجتمع، فهناك أناس لا يعتقدون أن ضرب المرأة او الأبناء عنف، كونهم يفهمون موضوع الوصاية بشكل خاطئ".

وتابعت: "إن القانون ما زال في دائرة الهجوم، من قبل أطراف يظنون أنه يمس بالتماسك الأسري، وهذا غير صحيحٍ أبدًا، فهناك جزئية في القانون تتحدث عن الوساطة، وهذا يعطي فرصةً للأشخاص أطراف الخلاف لمحاولة الإصلاح"، نافيةً أن يكون القانون نسخة عن اتفاقية "سيداو" التي يهاجمها البعض، "لكن سبب هجوم العشائر عليه، هو أنه مسّ بسلطتهم الاجتماعية".

وأضافت نصار: "المرحلة المقبلة ستشهد المزيد من الحوار المعمق المتسع لشرح القانون وتوضيحه، خاصة وأن نحو 70% من الردود عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والبيانات التي نراها، يتضح منها أن مهاجمي القانون "لم يقرأوا بنوده أصلًا" تعقب.