التسول الإلكتروني.. حداثة الجريمة وقانون العقوبات "العجوز"
تاريخ النشر : 2020-06-11 20:21

غزة/ تحقيق خاص لشبكة نوى- فلسطينيات:

على مدار عامٍ كامل، تمكن (م.ث) من استغلال أحد رجال الأعمال في الخليج العربي، بعد أن تعرف عليه من خلال تطبيق المحادثات الفورية (واتس آب)، واستقبل منه العديد من الحوالات المالية الضخمة، بعد أن أقنعه بأنه يبني مسجدًا في إحدى مناطق قطاع غزة.

(م.ث) عكف على إرسال صور لأحد مساجد القطاع، وكان قيد الإنشاء، لرجل الأعمال الذي كان سعيدًا للغاية كونه يظن بأن المسجد بُنيَ بواسطة الأموال التي كان يرسلها.

بعد عامٍ من إرسال تكلفة إنشاء المسجد، قام رجل الأعمال بتوكيل أحد المعرفين له في قطاع غزة، للتأكد من افتتاح المسجد، لكنه تفاجأ أن لا علاقة له بهذا المشروع.

بعد عامٍ من إرسال تكلفة إنشاء المسجد، قام رجل الأعمال بتوكيل أحد المعرفين له في قطاع غزة، للتأكد من افتتاح المسجد، لكنه تفاجأ أن لا علاقة له بهذا المشروع، لتبدأ هنا رحلة تقديم الشكاوى ضد "المحتال" (م.ث).

شابٌ آخر من قطاع غزة، ألقى بشباك احتياله حول عنق الفلسطيني (م.أ) وهو رجل أعمال فلسطيني، يقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة، بعد أن حصل على رقمه الخلوي بطريقة عشوائية، وتواصل معه عبر (واتس آب)، وحصل منه على مبالغ مالية، بدعوى أنها ستذهب لإغاثة الفقراء.

وتمكن المقيم الفلسطيني في الإمارات، من الوصول إلى مختار عائلة الشاب الذي احتال عليه، من خلال تدخل عدد من الوجهاء، وإعادة جزء من الأموال التي حوّلها له عبر نظام التحويلات المالية السريعة، المنتشرة في جميع أنحاء العالم.

وعمل الشاب على خداع المقيم الفلسطيني بالإمارات، بعد أن أقنعه بأنه يقدم مساعدات للفقراء من سكان أحد مخيمات قطاع غزة، لكنه اكتشف كذبه بعد أن أرسل أحد أقربائه للتأكد من صرف الأموال المرسلة لأصحابها، التي بلغت على مدار عامين قرابة (25) ألف دولار أمريكي.

رب الأسرة محمد منصور، تعرض كذلك للنصب والاحتيال، من قبل أحد جيرانه –وكان عاطلًا عن العمل- بعد أن طلب منه هويته الشخصية، ووعده بتقديم مساعدة مالية له من جهة خارجية.

فوجئ منصور، بعد مدةٍ ليست بالبعيدة، بأن الشاب الذي حصل على هويته الشخصية، قام بتشييد عمارة سكنية، وشراء سيارة، وقطعة أرض مجاورة لبيته.

فوجئ منصور، بعد مدةٍ ليست بالبعيدة، بأن الشاب الذي حصل على هويته الشخصية، قام بتشييد عمارة سكنية، وشراء سيارة، وقطعة أرض مجاورة لبيته، ما أثار تساؤلاته حول مصدر هذه الأموال كلها في هذه الفترة الوجيزة.

سارع منصور إلى ذلك الشاب لسؤاله عن ما استجد في المساعدات التي وعده بتحصيلها له بعد أن أخذ بياناته الشخصية، فصدم بالأخير يعطيه مبلغًا ماليًا قدره 1000 شيكل أي ما يقارب (300 دولار)، وهو الأمر الذي رفضه، وأثار مشكلة عائلية على إثره، بعد أن اتهمه بأنه جمع الأموال على اسمه وحقق به ثراءً سريعًا.

بعد الخلاف الكبير الذي نشب بين منصور وجاره الذي احتال عليه، توصّلت عائلتيهما إلى حل، هو أن يقوم الأخير بزيادة المساعدة المقدمة، مع تقديم وعودات له بتقديم مبالغ أخرى، عند تسلمه أي أموالٍ جديدة من الخارج!

تلك الحالات التي تم عرضها، تأتي ضمن ما بات يُعرف في قطاع غزة باسم "التسول الإلكتروني" الذي بات يعتمده عدد من الأشخاص، بطرقٍ غير قانونية عبر حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، وبرامج الاتصال الفوري، من خلال استجداء الأغنياء خارج فلسطين، خاصةً في دول الخليج العربي، وأوروبا.

يعمل هؤلاء على وضع صورٍ للفقراء عبر حسابتهم، مع فتح باب التبرع لهم، ثم الحصول على هذه الأموال بعد تحويلها لهم عبر نظام التحويلات المالية السريعة، وصرفها بعيدًا عن أعين الرقابة.

ويعمل هؤلاء على وضع صورٍ للفقراء عبر حسابتهم، مع فتح باب التبرع لهم، ثم الحصول على هذه الأموال بعد تحويلها لهم عبر نظام التحويلات المالية السريعة، وصرفها بعيدًا عن أعين الرقابة أو المتابعة من قبل الجهات الرسمية، وهو ما يترك الباب مفتوحًا للسرقة والاختلاس.

ويستخدم هؤلاء طرقًا أخرى في التسول، من خلال الاتصال بأرقامٍ عشوائية في دول الخليج، وطلب الأموال بحجة دعم الفقراء، وشراء ملابس لهم، أو ترميم منازلهم.

كما بات المتسولون إلكترونيًا، يبيعون أرقام المتبرعين، خصوصًا من رجال الأعمال الخليجيين، لبعضهم البعض، مقابل مبالغ مالية تصل إلى آلاف الشواكل وفق تأكيداتٍ حصل عليها معد التقرير.

المبادرات الفردية

في خطٍ موازٍ انتشرت العديد من المبادرات الفردية لبعض نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، بهدف جمع الأموال والتبرعات للفقراء والمحتاجين، وإنفاقها بطرقٍ شخصية وبدون علم ومعرفة الجهات الرسمية.

الصحفية والناشطة الاجتماعية نور النجار، لم تكن لديها مشكلة في الحديث مع "نوى"، فهي كانت صاحبة إحدى المبادرات لجمع التبرعات للفقراء عبر حسابها في موقع التواصل الاجتماعي "انستجرام"، الذي يتابعها عليه أكثر من ربع مليون شخص.

أكدت أن عملها كان يهدف إلى مساعدة الفقراء والتخفيف من وطأة الفقر على حياتهم، قائلةً: "أعمل على جمع التبرعات بعد وضع المناشدات عبر حسابي في موقع الصور الشهير "انستجرام"، ثم إيصال المساعدات التي أستلمها للمحتاجين فورًا".

توقفت النجار عن مهمتها في مساعدة الفقراء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بعد أن عرفت بعدم قانونية عملها كما تؤكد.

وتوقفت النجار عن مهمتها في مساعدة الفقراء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بعد أن عرفت بعدم قانونية عملها كما تؤكد، مبينةً أنها ستعود إلى عملها الإنساني مرةً أخرى بطرقٍ رسمية وقانونية تامة.

ورفضت النجار حالة ما اسمته "التشهير والقذف" ضد أصحاب المبادرات التي تساعد الفقراء، بدون تقديم أي وثائق، من قبل بعض الأشخاص، واصفةً نظرائها من أصحاب المبادرات بـ"رواد العمل الخيري".

نسبة الفقر والبطالة، وصلت في قطاع غزة عام 2019م، إلى ما يقارب 75%، إضافة إلى أن 70% من سكان القطاع المحاصر، يعدون غير آمنين غذائيًا، وفقًا لآخر إحصائيات وزارة التنمية الاجتماعية في قطاع غزة.

وتُعد مؤشرات الفقر في غزة هي الأعلى على مستوى العالم، كما أن الجهود المبذولة من قبل المؤسسات الحكومية والدولية والمحلية يغلب عليها الطابع الإغاثي، ولا تفي إلا بحوالي 50% من الاحتياجات الأساسية للأسر الفقيرة.

جريمة وعقاب

المستشار القانوني، عبد الله شرشرة، يؤكد أن قانون العقوبات الفلسطيني رقم 74 لسنة 1936م، جرّم التسوّل في المادة رقم (139)، مخصصًا فيها كل من استعطى، أو طلب الصدقة من الناس، متذرعًا بعرض جروحه أو عاهة فيه، أو بأية وسيلة أخرى، سواء أكان متجولًا أم جالسًا في محل عام، أو وُجد يقود ولدًا دون السادسة عشرة من عمره، للتسول وجمع الصدقات أو شجعه على ذلك.

يجرم القانون وفق حديث شرشرة، كل من تنقل من مكانٍ إلى آخر لجمع الصدقات والإحسان، أو ساعيًا لجمع التبرعات الخيرية، مهما كان نوعها، بالاستناد إلى ادعاءٍ باطل أو كاذب.

كما يجرم القانون وفق حديث شرشرة، كل من تنقل من مكانٍ إلى آخر لجمع الصدقات والإحسان، أو ساعيًا لجمع التبرعات الخيرية، مهما كان نوعها، بالاستناد إلى ادعاءٍ باطل أو كاذب.

ويكون المتسول، كما يؤكد شرشرة، قد أرتكب جنحة، ويعاقب في المرة الأولى بالحبس مدة شهر واحد، وفي المرة الثانية أو ما يليها بالحبس مدة سنة واحدة.

والمادة سابقة الذكر من القانون، لا تكفِي لتجريم التسول الإلكتروني -حسب شرشرة- لأنها تشمل فقط التسول المادي في الأماكن العامة، ولا تشمل التسول في الفضاء الإلكتروني، وذلك لِقدَم قانون العقوبات، حيث أن عمره يزيد عن 93 سنة.

وينبغي إعادة تكييف القانون حول هذه الجريمة، كما يوصي المستشار القانوني، لسد الثغرة التشريعية، بوصف عملية التسول الإلكتروني "جريمة نصب" لا جريمة تسول اعتيادية.

ويستدرك بالقول: "من الناحية العملية، تنطبق على قصص التسول التي نسمع عنها، الأركان المادية والمعنوية لجريمة النصب، فهي ليست عملية تسول اعتيادية، بل تشمل عمليه خداع وإيهام وانتحال صفة جمعيات خيرية، والحصول على أموال بطريق الخداع والتدليس وبالتالي لا بد من تغليظ العقوبة".

الكحلوت: "التسول الإلكتروني ليس له علاقة بعمل الوزارة، ويختلف تمامًا عن صميم مهامها"، مؤكدةً أن الملف لدى وزارة الداخلية.

وزارة التنمية الاجتماعية التي من أبرز مهامها، توفير الحماية الاجتماعية للفقراء والفئات المهمشة والعمل على تمكينهم في المجتمع، أكدت وعلى لسان الناطقة باسمها، عزيزة الكحلوت، أن التسول الإلكتروني ليس له علاقة بعمل الوزارة، ويختلف تمامًا عن صميم مهامها، كونها تحارب التسول في الشوارع، مؤكدةً أن الملف لدى وزارة الداخلية.

وزارة الداخلية الفلسطينية وعلى لسان المتحدث باسمها، العقيد أيمن البطنيجي، أكدت أن التسول الإلكتروني موجود في قطاع غزة، وهو ملف متابَعٌ من قبل طواقم الوزارة، عبر قسم خاص بالمؤسسات والجمعيات.

وأوقفت وزارة الداخلية في قطاع غزة وفق حديث البطنيجي، عددًا من الأشخاص الذين قاموا باستعطاف متبرعين من الخارج، وجمعوا أموالًا، ولم يتم إنفاقها بالطريقة القانونية كما تفعل المؤسسات الخيرية القانونية المسجلة.

ووصلت وزارة الداخلية، كما يبين البطنيجي، شكاوى من متبرعين وأشخاص من الخارج، تعرضوا للاحتيال من قبل متسولين، بعد تقديمهم شكاوى عبر موقع وزارة الداخلية الإلكتروني، وصفحة الناطق باسم الشرطة الفلسطينية عبر موقع "الفيسبوك".

وتم التعامل مع هذه الشكاوى، وتحويلها إلى النيابة العامة للتحقيق فيها، بعد إجراء توكيل رسمي، وفق البطنيجي.

والمتسولون عبر الإنترنت كما يوضح  البطنيجي يعملون بشكل شخصي عبر صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، وليس عبر مجموعات منظمة، وتم تقديم ملفاتهم إلى النيابة العامة.

ملف التحويلات مهم وحساس، ويوجد أجهزة أمنية تتابعه، وتراقب دخول المال للأفراد بشكل دقيق.

"ويُجرم القانون الأساسي الفلسطيني التسول الإلكتروني أو في الشوارع، أو جمع المال بدون أي سبب سواء بشكل فردي أو جماعي، حيث يعرض من يفعل ذلك نفسه للمساءلة القانونية" يقول البطنيجي.

وحول التحويلات المالية عبر مكاتب الصرافة، التي يستخدمها المتسولون في استلام أموالهم من الخارج، يلفت البطنيجي، أن ملف التحويلات مهم وحساس، ويوجد أجهزة أمنية تتابعه، وتراقب دخول المال للأفراد بشكل دقيق، مشددًا على أن وزارة الداخلية تتابع المبادرات الفردية التي تجمع الأموال، وتضع أصحابها تحت الشبهة، وتقوم بالتحقيق مع بعضهم، بينما بعضهم الآخر يبقى تحت طائلة المساءلة القانونية في أي وقت.