أيادٍ على القلوب.. موظفو السلطة ينتظرون الراتب
تاريخ النشر : 2020-06-09 23:21

غزة:

"أيدينا على قلوبنا" بهذه الكلمات عبّرت السيدة يسرى حميدات عن حال موظفات وموظفي السلطة الوطنية الفلسطينية مع بداية كل شهر، حيث أخبار الرواتب تصيرُ الأعلى متابعةً بين أهالي قطاع غزة.

وتحكي السيدة التي كانت تعمل موظفةً في المجلس التشريعي الفلسطيني، أنها وبعد إحالتها إلى "التقاعد المالي المبكّر" باتت تتقاضى (1500 شيكلًا) فقط كراتب، وهو ما لا يكاد يكفي النفقات العادية  اليومية للأسرة.

حتى اللحظة، لم يتلقَ موظفو السلطة الفلسطينية البالغ عددهم نحو 133 ألفًا (منهم 33 ألفًا في قطاع غزة) رواتبهم عن شهر مايو/ آيار المنصرم، ما جعلهم يعيشون حالة توترٍ واضطرابٍ بسبب استمرار الحال المجهول، وقبل أن يتلقوا أي خبر إيجابي بخصوصه؛ صُدموا بتصريحٍ لرئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتيه، يعلن فيه أن السلطة الفلسطينية ربما لن تتمكن الشهر المقبل من دفع رواتب موظفيها.

تعلق حميدات: "الأسوأ من ضعف الراتب، هو تضارب الأخبار بشأن نسبته، فما بالنا ونحن نتحدث عن احتمال انقطاعه؟ نعاني منذ أشهر طويلة الضغوطات النفسية والعصبية، لكن الوضع خلال الفترة الأخير تفاقم أضعافًا مضاعفة".

السيدة التي اضطرت قبل سنواتٍ لسحب قرضٍ من البنك من أجل ترميم بيتها، لا تتلقى الآن سوى 750 شيكلًا منه، لقد أنهكتها الفائدة المرتفعة، رغم أن المبلغ الذي اقترضته لا يتعدى 30 ألف دولار، لكن مع إعادة جدولة التسديد، سيصل المبلغ الذي يسترده البنك منها 55 ألفًا، أي بفارق 25 ألف دولار عن المبلغ الذي استلمته فعليًا.

لدى السيدة ابنان، أحدهما عاد من الخارج بعد إنهائه دراسةً جامعية كان تلقاها كمنحة، والثاني ما زال في الصف الثاني الثانوي، تقول: "أحمل همًا كبيرًا، كيف سأتدبر أمر تأمين مستقبل ابني الثاني، فأنا بحاجة إلى توفير نفقات رسومه الجامعية مستقبلًا بينما الحال لا يسمح، ولي في قصص صديقاتي اللواتي اضطررن لعدم إرسال أبنائهن إلى الجامعات بسبب أزمة الرواتب عبرة، فكيف الحال في بلدٍ يعاني شُحّ فرص العمل، والبدائل التي ستقترب من الصفر في حال انقطاع الرواتب.

لا يختلف عن السيدة حميدات حال الشاب سعداوي أبو اخصيوان، فهو من موظفي دفعة عام 2005م، ممن يتلقون رواتب قدرها 1500 شيكلًا فقط، لا تكفي نفقات أي أسرةٍ عادية في ظل غلاء المعيشة الذي نعانيه.

يقول لـ "نوى": "لدي أربعة أطفال وأسكن بالإيجار، أعاني بشدة في الإنفاق، وأضطر فقط للاعتماد على الضروريات، أي أساسيات الحياة التي لا غنى عنها، وهذا كله على حساب أشياء ليست أقل أهمية".

الاقتصاد طال حتى الملابس، فليس كل ما تحتاجه ينبغي أن تشتريه، دفعُ الإيجار على سبيل المثال، أولوية بالنسبة لعائلة مثل عائلة أبو محمد، وإلا سيجد نفسه بين ليلةٍ وضحاها بلا مأوى برفقة عياله وأثاثه، "ثم يأتي الطعام والشراب ونفقاته المرتفعة جدًا، وأخيرًا باقي التفاصيل" يضيف.

"نحن في متاهة، متاهة انعدام الأفق، متاهة تضارب الأخبار، متاهة الوضع السياسي الذي ندفع ثمنه نحن"، يقول الشاب الذي يستذكر بألمٍ تلك المرحلة التي تلقت فيها دفعة 2005م من الموظفين، راتبًا بقيمة 750 شيكلًا وما شكّله ذلك من عبء عليهم.

لكن الأسوأ –يستدرك- هو الوضع النفسي السيئ الذين يعيشون في دوامته، لا نعرف إلى أين نحن ذاهبون؟ نتساءل دومًا هل سيستمر الراتب كما هو، أم سينخفض، ليخرج علينا تصريح رئيس الوزراء اليوم، وهو ما زاد قلقنا وتوترنا".

الأصعب بالنسبة لشابٍ يدرك أنه ما زال في مرحلةٍ عمرية يستطيع فيها تقديم الكثير، هو شعوره بأن البدائل والفرص المتاحة ضعيفة جدًا، وتكاد توجد بالصدفة، يعلق :"لو فكرنا في مشروع شخصي، أو عمل إضافي، ماذا يمكن أن نفعل في منطقةٍ تعاني كل هذه الحالة من الفقر والبطالة؟".

وزادت نسبة الفقر في قطاع غزة عن 47%، بينما قفزت نسبة البطالة عن 65%، وهو ما يجعل هامش الخطورة مرتفع بدرجة كبيرة، حال إقدام أي شخص على افتتاح مشروع خاص يعيل به نفسه.

لكن جذر موضوع الرواتب في قطاع غزة سياسي، فمن ناحيةٍ هناك العقوبات التي فرضتها السلطة الفلسطينية على قطاع غزة عام 2017م، وتخفيض نسبة رواتب موظفيها إلى 75%، بداعي الضغط على حركة "حماس" لدفعها نحو المصالحة التي لم تتحقق، وصولًا إلى مخاطر وقف الرواتب عن كل موظفي السلطة في الضفة والقطاع، بسبب إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس التحلل من الاتفاقيات مع الجانب الاسرائيلي، كردٍ أوليّ على قرار الضم.