الموت في القدس.. "رصاصةٌ" تعانق مريض توحد!
تاريخ النشر : 2020-06-03 14:05

شبكة نوى | القدس المحتلّة:

"إياد انطخ" لو أن الزمن توقّف تمامًا قبل هذه الجملة، لو أن إياد يعود إلى الحياة فيكمل طريقه إلى المدرسة حاملًا ألعابه وقصصه التي كان سيتشارك بها مع أصدقائه الذين لم يرهم منذ إعلان حالة الطوارئ مطلع آذار/ مارس الماضي، ثم يعود.. يعود ليملأ منزل أسرته بهجةً وحبًا، لكن مهلًا: من أين لذلك أن يتحقق؟ إياد يعيش في فلسطين المحتلة، حيث يفتح "الموت" يديه للفرح في كل لحظة! 

سبع طلقاتٍ اخترقت جسد الشاب إياد الحلاق، بينما كان يمضي في طريقه قاصدًا مدرسته بباب الأسباط في البلدة القديمة بالقدس المحتلة، بعد أن عاش ٣١ عامًا يعاني مرض التوحّد كطفلٍ يبلغ من العمر ٧ سنوات.

كان إياد يعبُر من بين كتيبة جنودٍ مدججين بالأسلحة، يصل مدرسته ثم يعود من نفس الطريق إلى بيته منهكًا، كانوا يحفظون صورته جيدًا، هو طفل "التوحد" الصامت الضاحك "إياد"، ذاك الذي قرروا يوم الثلاثين من آيار/ مايو الماضي، أن يرسلوا إليه "هدية".. رصاصاتٌ سبع أردته قتيلًا مسجىً بدمه.

استعجل الذهاب إلى المدرسة تمام السابعة صباحًا – تقول أمه لـ "نوى"- لم ينتظر استيقاظها كما العادة، بل جهّزَ نفسه، ثم توجّه مع المرشد المرافق له إلى مدرسته عند باب الملك فيصل في القدس القديمة، وفي طريقه أفزعه الجنود بالصراخ مصوّبين أسلحتهم نحوه، لحقوا به بينما حاول البحث عن مكانٍ آمن ينتشله من بينهم، إلا أن رصاصاتهم كانت أقوى وأسرع، أصيب ثم تركوه ينزف على الأرض حتى استشهد.

دمه النازف لم يشفع لإسعافه أمام الجنود الذين كانوا يتلذذون باستنشاق رائحة الموت هناك، كتيبة الجنود تجمعت حوله قبل أن تطلق النار من مسافة ٢٠٠ متر تقريبًا، أغلقوا بوابة المدينة ثم عادت الحياة إلى "طبيعتها".. هذا الوجع يصيبنا كل يوم، عندما يقرر الاحتلال تحويل شوارع القدس القديمة -كما غيرها من المدن الفلسطينية- إلى ساحاتٍ للقتل الميداني، غارقة بدماء الأبرياء.

"شو ذنبه ينطخ بدم بارد؟ شو ذنبه يقتلوه؟" أسئلة تجري على لسان أمّه التي راحت تركض من نومها على صوت ابنتها تنادي: "ماما، إياد طخوه، جيش الاحتلال أطلق الرصاص على إياد وقتله"، تركض نحو المدرسة وتعود إلى البيت، تعيد الكرّة علها تجد إياد، تبحث عنه بين الجنود المحيطين بها كغول ابتلع طفلها دون رحمة.

تجلس الأم أمام شاشة التلفاز، تُمسك هاتفها وتراقب شاشته كمن يغرق في دوامة، في كابوسٍ تتمنى الاستيقاظ منه، تحكي أمام هذه الكاميرا عن طفلها النقي، وتقول للعدسة الأخرى "إنها لا تستطيع المتابعة"، ثمّ تعود للأولى تحكي عن بساطته وعن براءته، تحبس الدموع بعينيها وبصوت مختنق تردّد "ما عندي غيرو، ما عنديش غيرو إياد".

وردة مرشدة إياد ومعلمته كانت بالقرب من المكان حين قُتِل، صرخت للجنود وبالعبرية تخبرهم أنه من الأشخاص ذوي الإعاقة، إلا أنهم لم يلتفتوا إليها وأطلقوا ٣ رصاصات عليه، من أسلحة ثلاثة جنود بحسب إفادتها التي أدلت بها، لتقريرٍ إسرائيلي، وضعَ صورًا من كاميرات المراقبة قرب باب الأسباط، تظهر الشهيد المصاب بالتوحد إياد الحلاق وهو يحمل أكياس القمامة لوضعها في مكانها المخصص بالقرب من مدرسته.

منذ التحاقه بالمدرسة كانت أمه تحذره من جنود الاحتلال الذين يتربصون بالفلسطينيين ويتذرعون بأسخف الحجج لقتلهم، بتوصيات يومية مفادها "ماما لا تروح إذا بنادوا عليك، إذا نادى عليك الجنود، أخرج هويتك وأوراقك الثبوتية لمدرستك".

الثابت هنا، أن الفلسطيني الساكن في بلده يخاف على حياته، يعبر الحواجز التي يضعها الاحتلال ومن أمام الجنود كعدّاءٍ ماهر، يخشى على أبنائه وبناته، فهذه المدينة المحتلّة لا ثابت فيها سوى اللون الأحمر، لا أمان يتخلّلها ولا أمن، فكم من إياد راح برصاص الاحتلال وكم من إياد ينتظر حتفه على الطريق؟ هذه حقيقة طريق القدس التي لا تمرّ إلا بدماء وآلام الفلسطيني.