أصابعٌ فلسطينية تصفعُ وجه "إسرائيل" الرقمي
تاريخ النشر : 2020-06-03 13:06

غزة:

لم يعد غريبًا أن تجد آياتٍ من الذِّكر الحكيم، منشورةً على صفحة "فيس بوك" الخاصة بالناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي "أفيخاي أدرعي"، أو أن تشاهد على صفحة منسق أعمالهم الجنرال كميل أبو ركن، منشورات تزوّر الواقع وتدّعي تقديم تسهيلات للمواطنين الفلسطينيين؛ في الوقت الذي يعاني الفلسطينيون منه في الضفة الغربية وقطاع غزة، تبعات حصار الاحتلال، وحواجزه، واعتداءاته.

الخطورة في هذه الصفحات ليس فيما تبثّه من تزويرٍ للانتهاكات اليومية فقط؛ بل في وجود من يصدّقون محتواها ويتفاعلون معها من الفلسطينيين أنفسهم، الذين تجاوز عددهم "مئة ألف"، فأفسحوا المجال لدعاية الاحتلال الإسرائيلي كي تجد طريقها بين المواطنين لا سيما قليلو الحظ من الوعي والتعليم بينهم.

بعض النشطاء استشعروا هذه الخطورة، فقرروا الوقوف في وجه رواية الاحتلال المضلِّلة التي يبثها عبر هذه الصفحات، فأطلقوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي حملةً بعنوان: #عندي-أو-عند-المنسق، طلبوا من خلالها من أصدقائهم، إزالة الإعجاب عن صفحة "المنسق" مع توضيح خطورتها.

"خلال يومين فقط، خسرت صفحة المنسق نحو70 ألفًا من متابعيها، وتصدّرت الحملة عناوين الصحف والمواقع الإخبارية، وهذا يؤكد نجاحها وأهميتها"، تقول الشابة جفرا سليم التي أطلقت الحملة من خلال صفحتها على "فيس بوك"، وتفاعل معها آلاف النشطاء الفلسطينيين سريعًا.

"المنسق لا يمكن أن يكون مناصرًا لحقوق الفلسطينيين، هم يدّعون الديمقراطية كذبًا ويستغلون الدبلوماسية الرقمية كي نصمت" تضيف الشابة الحاصلة على درجة الماجستير في التخطيط والتنمية السياسية، أن الفلسطينيين سيستمرون في المطالبة بحقوقهم الوطنية المشروعة، والكشف عن زيف "الإنسانية" و"التعايش" اللذان يروج لهما قادة الكيان المحتل.

جفرا: المنسق لا يمكن أن يكون مناصرًا لحقوق الفلسطينيين، هم يدّعون الديمقراطية كذبًا ويستغلون الدبلوماسية الرقمية كي نصمت

تزيد: "طلبت من أصدقائي على فيس بوك، إلغاء الإعجاب بالصفحة، وهم نسخوا المنشور إلى صفحاتهم"، مبينةً أن سبب إطلاق الحملة كان، تقويض السياسات المتبعة من قبل الكيان المحتل ضد الفلسطينيين، من خلال استدراجهم عاطفيًا لتجنيدهم في سبيل خدمته بشكل غير مباشر، مستغلًا بذلك حاجتهم للمال والعلاج والعمل.

واستثمارًا لنجاح الحملة، تفكر "جفرا" وزملاؤها في تدشين حملةٍ أخرى تسلّط الضوء على واقع الانقسام بين الفصائل الفلسطينية، وتدعوهم إلى الوحدة والالتفاف حول مصالح الشعب، من أجل استعادة الثقة بالقيادة الوطنية الموحدة.

"الدبلوماسية الرقمية" مصطلحٌ حديث، وهو أحد أشكال القوة الناعمة التي تستخدمها الدول للترويج لسياساتها من أجل مدّ جسور التواصل بين الشعوب والأمم، كي تحظى بالقبول الشعبي.

إيمان بن سعيد المديرة التنفيذية لمركز "نفحة" للدراسات الإسرائيلية، أكدت أن الاحتلال الإسرائيلي يبذل جهدًا كبيرًا على المستوى الإعلامي، من أجل تحقيق أهدافه السياسية، والحصول على دعمٍ دولي -وحتى عربي- لسياساته في فلسطين، والتمهيد للتطبيع مع العرب.

تقول لـ "نوى": "الاحتلال تمكَّن من استخدام الدبلوماسية الرقمية بشكلٍ كبير، وتوسيع نطاقها من خلال التواصل مع الأفراد والحكومات، في حين وظّفَ أعدادًا كبيرة من المتطوعين والمستشارين في قسم الدبلوماسية الجماهيرية بوزارة الخارجية الإسرائيلية، وأشرف على منصات وقنوات ناطقة بعدة لغات أبرزها العربية والإنجليزية والروسية".

بن سعيد: الاحتلال تمكَّن من استخدام الدبلوماسية الرقمية بشكلٍ كبير، وتوسيع نطاقها من خلال التواصل مع الأفراد والحكومات

الصفحات الإسرائيلية الناطقة بالعربية -والحديث لجفرا- ومنها صفحات "المنسق"، والناطق باسم الاحتلال، و"إسرائيل" بالعربية، تزامنت مع حصول دولة فلسطين على لقب عضو مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2012م، وهي الصفحات التي استهدفتها حملة إلغاء الإعجاب في الأيام الماضية.

وأكملت: "خلال الـ(24) ساعة الأولى من بداية الحملة تم إلغاء ما يقارب من 60 ألف إعجاب، الأمر الذي دفع المنسق إلى إلغاء زر الإعجاب، منعًا للمزيد من الخسارة، وهذا دفع الإعلام العبري لوصف هذه الحملة بالعدوانية المثيرة للقلق".

تتحدث بن سعيد عن ضرورة مواصلة الحملة لأطول وقتٍ ممكن، والتحلي بالصبر، وطول النفس "وأن تشمل كافة مواقع التواصل الاجتماعي، وعدم اقتصارها على صفحات محددة، وزيادة الجمهور المشارك بالحملة" تردف.

"المنظومة الرقمية للاحتلال يُنفَقُ عليها ملايين الدولارات، وهي تخترقُ المجتمعات من خلال وزارة الخارجية الإسرائيلية بنحو خمسين لغة"، تبعًا للشاب حسن الداوودي الباحث في الدبلوماسية الرقمية.

الداوودي: المنسّقُ بنى جمهوره من خلال الدور الذي تؤديه الصفحة، بتقديم معلوماتٍ للجمهور

ويشير الداوودي إلى أن قِسمًا خاصًا بوزارة الخارجية يقوم على إدارة المحتوى باللغة العربية، ومنها صفحة "المنسق" القائمة على اختراق المجتمع الفلسطيني، متابعًا: "المنسّقُ بنى جمهوره من خلال الدور الذي تؤديه الصفحة، بتقديم معلوماتٍ للجمهور، حتى وصل عدد متابعيه إلى أكثر من 600 ألف"، "وفكرة حملة إلغاء المتابعة ببساطة نسف هذا الجهد الذي تراكم لسنوات" يستدرك.

ووفقًا للداوودي، تجب المتابعة بعد هذه الخطوة من خلال شِقّين: الأول، هو توفير البديل الفلسطيني الذي يقدم المعلومات للعمال والمرضى ومن يريدون السفر، والثاني، تبنّي استراتيجية رقمية فلسطينية، وهذا مُهم، فنحن تأخرّنا كثيرًا في إطلاقها.

وفقًا لإحصاء عام 2017م، يحتلُ الاحتلال الإسرائيلي المركز التاسع عالميًا في استخدامه للدبلوماسية الرقمية بينما حلّت فلسطين في المركز 85 عالميًا، "وهذا مستوى متأخر جدًا، وفجوة واسعة، ولكم أن تتصوروا بأن كافة صفحات السفارات الفلسطينية غير موثّقة باستثناء واحدة، والمثير للدهشة أن وزير الخارجية الفلسطيني لا يمتلك حسابًا على (فيس بوك) ولا حتى على تويتر" يزيد الداوودي.

فلسطين تأخرت كثيرًا في استثمار "الدبلوماسية الرقمية"، وهو ما جعل رواية الاحتلال بكل ما تحمله من تلفيق، تلفُّ العالم دون مجابهةٍ حقيقية من قبل وزارة الخارجية الفلسطينية.

أن يلغي الفلسطينيون متابعة الصفحات التابعة للاحتلال أمرٌ جيد، لكن تبقى ضرورة المتابعة من خلال إنشاء منصات فلسطينية قادرة على المجابهة والرد.. فلسطين لا تنقصها الكوادر، ما ينقصها حقًا هو "القرار الرسمي".