"العيديّة".. وجهُ غزة الذي يقطُرُ حرجًا!
تاريخ النشر : 2020-05-24 23:05

بالأمس القريب، تحديدًا عندما تيقّن المواطن أبو محمود (50 عامًا) بأن عيد الفطر يوافق اليوم الأحد، بدأ المسكين يقلب كفيه، لا أخبار عن رواتب أو حتى سلفة تنتشله من قعر إحراج "عيدية الأقارب"!

منذ تعيينه موظفًا في السلطة الوطنية الفلسطيني قبل أكثر من عشرين عامًا، لم ينقطع الرجل عن تقديم هذه الهدية (النقدية) لقريباته من الدرجة الأولى وأطفالهن عيدًا واحدًا، "فالعيد -حسب رأيه- ليس عيدًا من دون عيدية!".

يقول لـ "نوى": "لا يمكنني أن أغير من طقوس العيد شيئًا حتى لو كانت الظروف الاقتصادية سيئة، بعد أن اعتدت على تقديم العيدية لأرحامي، من الصعب أن أنسحب، فهي مهما كانت قيمتها بسيطة تجعل للعيد معنىً آخر".

ويتابع: "هذا العيد جاء في ظروفٍ استثنائية، ففي كل عام نستلم رواتبنا مع بداية الشهر، لكن حلول العيد قبل الوقت بأيام طويلة، خلق أزمةً مالية لدى معظم موظفي السلطة"، موضحًا أن راتب الشهر الذي سبقه أُنفق على هدايا الرحم في رمضان، بالإضافة إلى مصاريف الشهر الاستثنائية، والالتزامات الأخرى "لقد دفعت الأقساط الجامعية لابني الشاب، كي يتمكن من متابعة دروسه عن بعد" يضيف.

لم يكن أمامه سوى حل واحد. الساعة التي لا تتوقف عقاربها باتجاه وقت العيد أجبرته على الاقتراض من أحد الأصدقاء "حتى من أكثر من صديق"، فكلهم تضغطهم العيدية والتزامات العيد أيضًا. يعلق: "على أية حال، لن يمر العيد دون أن أدخل البهجة على قلب أرحامي".

حال أبو محمود، هو حال الكثير من المواطنين، بعضهم مروا اليوم على أقاربهم مرور الكرام، وخرجوا والوجل يقطر من عيونهم، وبعضهم الآخر يدفع "العشرينات والخمسينات" متتاليات، ويسأل نفسه: "من أين سأددها للذي اقترضتها منه؟"، وبعضهم يدفعها من حر ماله "كل ماله" دون أن يدري كيف سيوفي ببقية التزاماته حتى موعد الراتب الجديد. الحال يتأزم أكثر، والأزمة الاقتصادية التي يعيشها معظم سكان القطاع تضخّمت في ظل "كورونا" أكثر وأكثر لتصبح حتى "العيدية" بقيمتها البسيطة "أملًا صعب المنال" للمعايد الزائر وأصحاب البيت في آنٍ معًا.

عند خالد حسن الأربعيني، كان الحال مختلفًا، فهو لم يستدن المال من أجل العيدية، لكنه حصرها على "المتزوجات" من بنات رحمه فقط، وشواكل قليلة للأطفال الذين ينتظرون هذا اليوم بفارغ الصبر.

يقول: "الظروف لا تسمح بأن أمنح العيدية لكل أرحامي، هن كثر، لدي من الأخوات 7 ولهن من البنات ما يزيد عن 20، هذا غير الأطفال".

يشعر حسن بالعجز في مثل هذه اللحظات في كل عيد، فهو موظفٌ بسيط بالكاد يستطيع تدبير قوت عياله، يضيف: "أن تضطر لتغيير طقوس اعتدتها ربما تنعكس سلبًا على مشاعر الصغيرات في هذا اليوم، وهو ما لا أرغب بحدوثه أبدًا"، يأخذ نفسًا عميقًا ويخرجه ببطء: "لكن ما باليد حيلة" يستدرك.

وتنظر صفاء محمد التي تعمل مُدرّسة للموضوع بشكلٍ آخر: "لا يمكن أن نربط العيد بالعيدية فقط، هو فرصة للزيارة والتواد وتقوية أواصر المحبة وصلة الرحم بين الأقارب، وليس من الفطنة أن يكون التعبير عن المحبة وصلة الرحم فقط بمنح المال، خاصة في ظل الظروف التي لا تخفى على أحد، التي تركت أثرًا على كل أسرة".

تحاول صفاء إقناع زوجها الذي يعمل أيضًا ضمن كوادر الحكومة في غزة، أن لا يكلف نفسه أكثر مما تحتمل، فهما منذ سنوات يتقاضيان 40% من أصل الراتب، وهو ما تركهم في حال سيء للغاية، لا يوازي حجم الوقت والتعب الذي يهدرانه في الوظيفة الحكومية.

تقول لـ "نوى": "بالكاد نتمكن من تدبير احتياجاتنا، ولا يمر شهر دون أن نقترض من أجل إتمامها، ومع الشهر الفضيل، تزيد الأعباء حدة، فالأطفال لا يدركون الظروف وشح المال، وكذلك لا يقبل زوجي أن يمرر العيد بلا عيديات لأرحامه من النساء والأطفال، وهو ما يشقّ علينا بكل ما تحمل الكلمة من معنى".

تختم: "كل عام أنتظر أشقائي وأقاربي لكنني –والله- لا ينصب تفكيري واهتمامي بما سيقدمون لي من مال، تكفي الكلمة الطيبة في هذه الظروف، والشعور بسند العيلة، وعلى كل النساء أن يقدرن الأمر".

يعقب الأخصائي الاجتماعي والنفسي د.درداح الشاعر على موضوع العيدية بالقول: "أيام العيد هي أيام توسعة على العباد، لا يجب أن تتحول لأيام هم وحيرة بسبب العيدية التي تحولت بفعل العادة إلى حالة من الإلزام الذي يثقل كاهل الأسرة"، مؤكدًا أن الأصل في العيد التواصل وزيارة الأرحام،  ونشر مشاعر المحبة والمودة بين الأقارب، ولا ضير من إحضار الهدايا ولكن قدر المستطاع.

يتابع: "ليس فرضًا أن تكون العيدية على شكل مال، وإنما يمكن أن تكون على شكل هدية للأسرة بأكملها دون أن تتحول إلى عبء، لا يقدر الرجال على الإيفاء به  خاصة في ظل امتداد الأسر وتضاعف عددها"، مشيرًا إلى أن العيد فرصة للمودة والتواصل النفسي للأقارب وتجديد أواصر المحبة بين الأرحام دون أي ارتباط بالأمور المادية، التي تعتبر ثانوية وتكميلية يتم تقديرها حسب قدرة الشخص وليست فريضة عليه.

وحذر الشاعر من ذهاب البعض للتضييق على أنفسهم أو الامتناع عن زيارة أرحامهم بسبب العيدية، التي يمكن أن تستبدل بأي شيءٍ رمزي آخر.