تعليقًا على خطاب الرئيس.. متابعون: "الميدان بيننا"!
تاريخ النشر : 2020-05-20 22:44

غزة - رام الله:

ميرفت صادق و شيرين خليفة

"إن منظمة التحرير الفلسطينية، ودولة فلسطين، في حلٍ –اليوم- من جميع الاتفاقات والتفاهمات مع الحكومتين الأميركية والإسرائيلية، بما في ذلك كل الالتزامات الأمنية"، بهذه العبارة، أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمس الثلاثاء في خطابٍ بثه التلفزيون الرسمي الفلسطيني، الفكاك من الاتفاقيات الموقعة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، ردًا على قرار الأخيرة، البدء بضم مناطق واسعة في الضفة الغربية، والأغوار.

الإعلان الذي تم خلال اجتماع أعضاءٍ من اللجنة التنفيذية للمنظمة، واللجنة المركزية لحركة فتح، وبعض ممثلي فصائل المنظمة أيضًا، شكّلَ مادةً خصبةً لرواد مواقع التواصل الاجتماعي، والنشطاء والمحللين السياسيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، الذين قابلوه –إلا بعضًا منهم- بتعليقاتٍ ساخرة، وأخرى قللت من جديّة أو إمكانية تنفيذه على أرض الواقع على اعتبار استحالة "تجاهل السلطة لاتفاقيات السلام التي وقعتها منظمة التحرير منذ عام 1993م".

خطاب الرئيس الذي طالب "إسرائيل" بتحمل مسؤولياتها "كدولة احتلال"، وتبعات ذلك المنصوص عليها في اتفاقية جنيف، حمّل في الوقت ذاته الإدارة الأمريكية، المسؤولية الكاملة عن "الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني" على حد وصفه.

جملة من القرارات "غير المفاجئة" اتخذها الرئيس الفلسطيني، وأفصح عنها ضمن خطابه، ومنها عزمه التوقيع على المزيد من القرارات والمعاهدات الدولية وملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين، فهل هو جادٌ هذه المرة؟

"الميدان وحده سيجيب عن هذا التساؤل" كما يرى الباحث السياسي من مدينة غزة، عزيز المصري، الذي أشار إلى أن قراراتٍ كالتي أعلنها الرئيس عباس، كان يجب أن يتم التحضير لها قبل عامٍ على أقل تقدير.

وأضاف: "لا يمكن إلغاء كل شيء بمرسوم رئاسي وجرة قلم، دون أن يكون هناك بديل سياسي، وحوار وطني شامل، واستراتيجية لما بعد تنفيذ هذه القرارات وكيفية التعامل مع آثارها"، فالاتفاقيات السياسية والأمنية والاقتصادية مع الاحتلال –والحديث للمصري- قائمة على أساس اتفاق "أوسلو"، الذي يعني إلغاؤه سقوطها تلقائيًا.

المصري: التحلل منه يعني تجميده وليس إلغاؤه بالمعني السياسي، لكن يبقى الاختبار الأهم هو ملف التنسيق الأمني

يستدرك: "لكن إعلان الرئيس التحلل منه يعني تجميده وليس إلغاؤه بالمعني السياسي، ويبقى الاختبار الأهم هو ملف التنسيق الأمني، إذا ما كان سيتسمر أو سيتوقف، وهنا من الممكن معرفة مدى جدية قرارات الرئاسة الفلسطينية".

وكقوةٍ احتلالية، على "إسرائيل" أن تتحمل مسؤولياتها في الضفة الغربية وقطاع غزة وفقًا لما تنص عليه القوانين الدولية، يتساءل عزيز: "هل سيوقّع الرئيس على المعاهدات والاتفاقيات الدولية باسم السلطة الفلسطينية التي نشأت وفق اتفاق أوسلو؟ أم وفق إعلان الأمم المتحدة قبول عضوية فلسطين كدولة مراقب؟"، مرجّحًا أن يكون عباس قد لجأ إلى هذه الخطوة لإحراج الاحتلال الإسرائيلي في المحافل الدولية.

ورغم إعلان الاتحاد الأوروبي، نيته عدم الاعتراف بإجراءات الضم، وتلويحه بفرض عقوباتٍ اقتصادية على "إسرائيل"، إلا أن هذا التهديد لن يجدي نفعًا في ظل انحياز قوىً أوروبية كبرى لصالح الاحتلال كألمانيا، وفرنسا التي تستطيع منع قرار الاتحاد الأوروبي من النفاذ.

تصعيد خطابي

بدورها، وصفت رلى أبو دحو، الأكاديمية بجامعة بيرزيت، إعلان الرئيس بـ "التصعيد الخطابي"، معلقةً بالقول: "هو أسلوب السلطة ذاته، كلما استشعرت بالخطر".

فإعلان التحلل من الاتفاقات –والحديث لأبو دحو- يجب أن يعني إنهاء كل اتفاق أوسلو ومفرزاته، "ولكن السلطة غير معنية بهذا لأنه أوسلو في حقيقته اتفاق أمني، وليس مشروعًا سياسيًا، استفادت منه نخبة في السلطة، وهي غير معنية بإنهاء هذه الحالة، ولا بإعادة الاعتبار للنضال الشعبي عامة" تقول.

أبو دحو: لإخماد الغضب الشعبي، تعتقد السلطة أنها تظهر قوتها بهذه الإعلانات، لكن على أرض الواقع لا يوجد جدية

وتضيف لشبكة "نوى": "لإخماد الغضب الشعبي، تعتقد السلطة أنها تظهر قوتها بهذه الإعلانات، لكن على أرض الواقع لا يوجد جدية في التطبيق".

ولهذا برأيها "يرد الناس على إعلانات السلطة بالنقد الساخر واللامبالاة أيضًا، فهم يستمعون إلى مثل هذه التهديدات منذ سنوات، دون أي تطبيق".

تعرب أبو دحو عن ألمها من تلك التعليقات الساخرة، كونها تعجّ بمرارة وقهر أصحابها "الذين يشاهدون التحولات الجدية التي تفرضها دولة الاحتلال للسيطرة على الأرض والتاريخ، مقابل خطابات ترتهن للاتفاقيات من طرف السلطة" تتابع.

إعلان فضفاض

من ناحيته، يرى الناشط السياسي عصمت منصور ابن مدينة رام الله، أن "التحلل من الاتفاقيات" يعني التعامل معها على أنها غير ملزمة من طرف واحد، "وهذا يختلف سياسيًا وقانونيًا عن إلغاء الاتفاقيات".

يقول لـ "نوى": "للفلسطينيين تجربة طويلة ومتكررة مع هذه الإعلانات، التي لا يتعدى مداها صدى الصوت"، معربًا عن رفضه لطريقة اتخاذ القرارات داخل السلطة الفلسطينية، وعدم مشاركة الفصائل الكاملة في ذلك.

منصور : الصيغة التي أعلنت فيها القيادة الفلسطينية أمس ردها على قرارات الضم الإسرائيلية ناتجة عن اجتماع استشاري لمقربين من الرئيس

ويضيف منصور: "الصيغة التي أعلنت فيها القيادة الفلسطينية أمس ردها على قرارات الضم الإسرائيلية ناتجة عن اجتماع استشاري لمقربين من الرئيس، وليس عن إطار قيادي يسمح فيه لكل فصيل بأن يقدم فيه رأيه، تمامًا كما حدث من محاولة استبعاد مداخلات بعض المشاركين"، في إشارةٍ إلى ممثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عمر شحادة، الذي انسحب من الاجتماع الذي عقد بمقر المقاطعة في رام الله، بعد ما أسماه "منعه من الاعتراض أو نقاش الإعلان المعد مسبقًا".

يردف: "ينقص الإعلان جدية التطبيق، لقد جاء فضفاضًا بشكل مقصود، وغير ملزمٍ لأحد".

 منصور المتابع للشأن الإسرائيلي، قال: "إن رد الفعل الإسرائيلي الرسمي ما زال غائبًا في التعليق على قرارات القيادة الفلسطينية، وهذا يدل إما على أن إسرائيل تستخف بقرارات الفلسطينيين، أو أن لديها ما يكفي من التطمينات حول عدم جدية هذه القرارات وإلزاميتها".

 ويعتقد أن معيار التغيير الحقيقي عند الإسرائيليين يكمن في وقف التنسيق الأمني، "وهو ما لم يعلن عن أية توجهات جديدة بخصوصه على الأرض" يزيد.

عدم جدّية

ولا تعتقد الباحثة شيماء مرزوق من مدينة غزة، بجدية الرئيس عباس في التحلل من الاتفاقيات، "إذ اختبر الفلسطينيون مواقفه المتعلقة بالاحتلال الإسرائيلي، وطريقة إدارته للأزمات أكثر من مرة".

وتقول: "موضوع الضم ليس جديدًا، وسياسة الاحتلال منذ زمن ذاهبة بهذا الاتجاه في الضفة الغربية من خلال السيطرة على آلاف الدونمات حتى دون إعلان، ناهيك عن أن هذا هو إعلان التحلل الثالث عشر ربما، لكن دون خطواتٍ على الأرض"، "فوقف التنسيق الأمني يعني تحمل الاحتلال مسؤولية إدارة البلاد بالكامل، دون أن يكون هناك سلطة ولا رئيس" تزيد.

موضوع الضم ليس جديدًا، وسياسة الاحتلال منذ زمن ذاهبة بهذا الاتجاه في الضفة الغربية من خلال السيطرة على آلاف الدونمات حتى دون إعلان

 وحال حدث هذا، كما تشرح مرزوق، فإننا سنرى دبابات الاحتلال تحاصر المقاطعة وتقتحم المدن بالكامل، ولكن أيًا من هذه الأمور لن تحدث، وحتى صباح اليوم هناك تقديرات أمنية إسرائيلية تتحدث عن استمرار التنسيق الأمني وعدم جدية الرئيس.

وتكمل: "مندهشة من طرح الرئيس فكرة التحلل من الاتفاقيات، وفي ذات الوقت دعوته لعقد مؤتمر برعاية موسكو التي لا تملك مفاتيح الملف الفلسطيني، فهو بالكامل بيد الولايات المتحدة، ومن يتحلل من الاتفاقيات يجب أولًا أن يلغي عملية التسوية"، مستبعدةُ إمكانية وقوف المجتمع الدولي مع الفلسطينيين ضد القرار الإسرائيلي، "فالوضع الحالي مثالي جدًا بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي، والولايات المتحدة (..) ربما الخلاف الوحيد هو رغبة الولايات المتحدة في الضم التدريجي، لكنها ليست ضد الضم نفسه".

حوار وطني مسؤول

يأتي ذلك في الوقت الذي يؤمن فيه الناشط في لجان المقاومة الشعبية صلاح الخواجا من مدينة رام الله، بأن قرار القيادة السياسية، باعتبارها في حِلٍ من الاتفاقيات مع دولة الاحتلال، يحتاجُ إلى ترجماتٍ عملية ليتحول من حيز التطبيق النظري إلى العملي، "وهذا يتطلب التأسيس الفوري لحوار وطني مسؤول، من أجل تطبيق كل الاتفاقات الفلسطينية بين كافة القوى، والبدء بتغيير وظيفة السلطة، والإعلان عن الدولة الفلسطينية، ومطالبة العالم باعترافٍ واضحٍ بهذه الدولة".

الخواجا دعا إلى البدء بالتحضير لعصيانٍ مدنيٍ شامل، وتوسيع المقاومة الشعبية ونهج المقاطعة، وتبني برنامجٍ وطني وشعبي لتعزيز صمود الفلسطينيين في المواجهة، خاصةً في القدس والأغوار والتجمعات البدوية.

إذًا يراها النشطاء والمحللون السياسيون معركةً إعلاميةً لا يمكن أن تترجم إلى مواجهةٍ على أرض الواقع، بينما يجمعون على فكرة أن القيادات الفلسطينية الكبيرة "المختفية منذ بداية أزمة كورونا" ستخرج لتصب تصريحاتها الضخمة في آذان المواطنين البسطاء لكن دون مساسٍ بالتنسيق بين السلطة و"إسرائيل"، تمامًا كما حدث عند إعلان صفقة القرن، حين شتموا الولايات المتحدة، وقطعوا العلاقات معها لا مع محركها الرئيس "إسرائيل"..

هو خطابٌ محسوبٌ تمامًا لن يتجاوز تأثيره صدى الصوت، فأي خطوةٍ على الأرض سيكون ثمنها "حصار الرئيس" والعودة إلى مربع طمس السلطة، وهذا ما لا تريده الأخيرة أن يحدث أبدًا.