"الكمامات الطبية".. أزمة الأسعار وقانونية "العقاب"
تاريخ النشر : 2020-05-12 10:28

رام الله/ شبكة نوى- فلسطينيات:

"قدِّم للناس الكمامات والقفازات مجانًا، أو بسعرها الطبيعي على الأقل، ثم عاقب من يخالف"، بهذه العبارة علّقَ عماد الشولي على قرار الحكومة الفلسطينية الصادر في الخامس من آيار/ مايو الجاري، الذي يقضي بفرض غرامةٍ مالية على غير الملتزمين بلبس الكمامات والقفازات الطبية في الأماكن العامة، وعلى المحال التجارية التي لا توفر لموظفيها وزبائنها ذلك.

يؤكد الشولي عدم مقدرته على توفير تلك الأدوات الوقائية لمحله التجاري في محافظة نابلس شمال فلسطين، بسبب الارتفاع الباهظ في أسعارها، رغم معرفته بحجم المخالفات التي قد تطاله بسبب عدم التزامه.

وأثار القرار الذي يأتي ضمن الإجراءات الاحترازية للوقاية من تفشي الجائحة، حفيظة الشارع الفلسطيني، لا سيما بعد إصدار وزارة الاقتصاد، قائمة أسعارٍ مُلزِمة لهذه الأصناف، تراوحت فيها أسعار الكمامات الطبية وغير الطبية مثلًا بين شيكل واحد وخمسة شواكل.

جدلية الأسعار والقناعات

المواطن طارق ربيع، هو الآخر يقول لـ "نوى": "لا أستطيع شراء الكمامات والقفازات لأفراد عائلتي يوميًا، بأسعارها الحالية"، مضيفًا: "تحتاج مستلزمات الوقاية تلك  إلى تغييرها بشكل دوري، وهذا يعني ميزانية خاصة، خارجة عن حدود الاستطاعة بالنسبة للمواطنين الفلسطينيين الذين يواجهون أزمةً ماليةً خانقة، وارتفاعًا في نسب البطالة، ناهيك عن توقف بعض أرباب العمل عن دفع الأجور لموظفيهم، خاصةً في منشآت القطاع الخاص".

ومع تخفيف الإجراءات الحكومية مطلع شهر رمضان، شهدت الأسواق الفلسطينية عودةً للاكتظاظ في شوارع المدن الرئيسية ومنشآتها التجارية.

"بالإضافة إلى أسعارها المرتفعة، يمتنع بعض الأفراد عن ارتداء الكمامات، لأن ثقافة ارتدائها لم تتبلور بعد في قناعاتهم الشخصية".

يعلق الصحفي عمر الرجوب: "فوجئت قبل عدة أيام، وبينما كنت أتوجه لشراء بعض الاحتياجات المنزلية في مدينة رام الله، باحتشاد العشرات داخل أحد المحال التجارية، دون الالتزام بارتداء الكمامات والقفازات"، عازيًا ذلك –حسب رأيه- إلى الارتفاع الكبير في أسعارها، بالإضافة إلى أن هذه الثقافة الجديدة، لم تتبلور بعد بالشكل المطلوب في قناعات أبناء المجتمع الفلسطيني.

الصيدليات تمتنع عن الشراء

وتمتنع بعض الصيدليات الفلسطينية منذ عدة أيام، عن شراء وبيع الكمامات والقفازات، خاصةً بعد الإعلان عن فرض غراماتٍ بحق من يخالف التسعيرة المفروضة.

"نوى" زارت بعض الصيدليات، التي أكد أصحابها أنهم لم يتمكنوا من توفير أدوات الوقاية تلك، كون تكلفة شرائها بالجملة، أعلى فعليًا من سعر بيعها للأفراد، ما دفعهم لرفض التعامل بها "خشيةً من فرض غرامات مالية، قد تتجاوز الأرباح البسيطة التي يمكن تحصيلها منها بعشرات المرات" على حد تعبير معظمهم.

النقابة تعترض والوزارة توضح

نقابة الصيادلة الفلسطينيين، أصدرت بدورها بيانًا توضيحيًا وصفت فيه قائمة الأسعار التي أصدرتها وزارة الاقتصاد بـ "المتسرعة" و"غير الخاضعة للدراسة".

وجاء في البيان: "قائمة الأسعار وضعت دون التنسيق مع النقابة، ودون الاطلاع على الأسعار الحقيقية الموجودة في السوق الفلسطيني".

وحسب النقابة فإن وزارة الاقتصاد وضعت أسعارًا أقل من التكلفة على الصيدلية، داعيةً لجنة حماية المستهلك إلى متابعة الشركات والمؤسسات التي تحصل على نسبة ربح مرتفعةٍ جدًا، مقابل نسبة الربح المعقولة للصيدليات.

قائمة الأسعار الجديدة، التي أثارت تساؤلات المواطن الفلسطيني حول مدى اطلاع وزارة الاقتصاد الفعلي على واقع الأسواق الفلسطينية، دفعت "نوى" للتواصل مع مدير الإدارة العامة لحماية المستهلك في الوزارة إبراهيم القاضي، الذي يرى بأن عدم التزام الناس بارتداء المعدات الوقائية، ليس مرتبطًا أبدًا بأسعارها، بل بافتقاد الثقافة الخاصة بضرورة ارتدائها.

ويؤكد القاضي بأن عددًا من التجار أقدموا على رفع أسعار البيع للصيدليات، مما دفع الثانية إلى رفع أسعار البيع للمواطن، مردفًا بالقول: "لقد حاول بعض التجار بيع الكميات المتوفرة من الكمامات في بداية الأزمة لتجار الاحتلال، رغم افتقاد الأسواق الفلسطينية حينها إلى كمياتٍ كافيةٍ منها، كما أقدمت الشركات العالمية على رفع أسعار المنتجات الطبية وفقًا للأوراق الجمركية، التي اطلعت عليها وزارة الإقتصاد".

وأمام هامش الربح الكبير الذي قد تحققه بعض الشركات المتنفذة والتجار، يرى القاضي أن الوزارة قد تواجه بعض التمرد قبل الالتزام بالقائمة التي طرحتها، داعيًا إلى الالتزام بسياسة عدم تحقيق الربح العالي، وفي الوقت ذاته عدم الخسارة.

وضمن سياسة حماية المستهلك، أقدمت وزارة الاقتصاد –تبعًا للقاضي- على وضع هذه القائمة، بعد ملاحظتها وجود فروقات بأسعار هذه المستلزمات بين الصيدليات، "ولتكون مرجعيةً لكل المواطنين والصيدليات منعًا للاستغلال".

وفي معرض إجابته عن سؤال "نوى"، "بخصوص حقيقة اطلاع الوزارة على الأسعار في الأسواق الفلسطينية" قال القاضي: "إن دوريات الوزارة تعمل بشكل دوري على مراقبة الأسواق"، داعيًا المواطنين للتواصل مع الوزارة، والتقدم بالشكاوى حول ارتفاع الأسعار الذي شهدته عدة قطاعات تجارية في الآونة الأخيرة.

مخالفة قانونية

القرارات الجديدة لم تُثر حفيظة المواطن العادي فقط، بل ومنذ إعلان رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية خلال مؤتمره الصحفي الأخير، فرض غرامات بحق المخالفين لهذه الإجراءات، أثار ذلك نقاشًا واسعًا في صفوف الحقوقيين الفلسطينيين، الذين رأوا في ذلك مخالفةً واضحةً للدستور الفلسطيني.

"القرار يخالف نص المادة الخامسة عشر من القانون الأساسي الفلسطيني، التي جاء فيها "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنصٍ قانوني، ولا تُوقع عقوبة إلا بحكمٍ قضائي".

يقول الناشط الحقوقي والمحامي مهند كراجة لـ "نوى": "القرار يخالف نص المادة الخامسة عشر من القانون الأساسي الفلسطيني، التي جاء فيها "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنصٍ قانوني، ولا تُوقع عقوبة إلا بحكمٍ قضائي".

ومع استمرار غياب دور المجلس التشريعي، فإنه يحق للرئيس فقط، وبموجب المادة (43) من القانون الأساسي، أن يصدر قراراتٍ لها قوة القانون وتكون منسجمة مع القانون الأساسي، إلا أن ذلك لم يحصل.

وبحسب كراجة فإن تعليمات رئيس الوزراء، تم تحويلها إلى قرارات، بعد أن تم تحديدها بغراماتٍ وعقوبات، مما يؤكدً بأن هذه الإجراءات مخالفة للمبدأ القانوني، وقد تلجأ المحاكم إلى قولبة هذه التهم ووضعها عند المحاكمة، تحت غطاء "مخالفة قانون الطوارئ".