حرية التعبير "تُحتضر".. احتلالٌ وانقسامٌ و"كورونا"!
تاريخ النشر : 2020-05-08 13:20

غزة:

"حرية التعبير ليست بخير، صحافتنا ليست بخير (..) على الصحافيين أن يتضامنوا مع بعضهم بشكلٍ حقيقي، وعلى المؤسسات التي تؤمن بحرية التعبير أن تقدم شراكةً حقيقية، تُخفف من وطأة حالة تكميم الأفواه". على هذه التوصيات أجمع متحدثون ضمن جلسة حوارٍ إلكترونية نظّمَها مركز "الميزان" لحقوق الإنسان عبر منصة "زووم".

وحملت الجلسة التي تأتي إحياءً لليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي يصادف يوم الثالث من آيار/ مايو لكل عام، عنوان: "الصحافيون وجائحة كورونا واستمرار الانقسام"، بينما تمحور حديث المشاركين والمشاركات فيها عن حال الصحافة في ظل تدهور الوضع العام لحقوق الإنسان في فلسطين، لا سيما بسبب انتهاكات سلطات الاحتلال التي تسابق الزمن كي تحسم قضايا كبرى في الصراع، مثل ضم القدس، وتوسيع المستوطنات، ومنع اللاجئين من حقهم في العودة إلى أراضيهم المحتلة عام 1948م.

وبدأ مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان عصام يونس، حديثه عن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي، وسلسلة اعتداءاته التي طالت الصحافيين والصحافيات في فلسطين، أولئك الذين دفعوا ثمنًا كبيرًا نتيجة غياب الفعل الدولي في محاسبته على كل جرائمه بحق الصحافة الفلسطينية.

وقال: "نذكر من أبرز هذه الانتهاكات، استهداف الصحفيين أحمد أبو حسين وياسر مرتجى، اللذان استشهدا في مسيرات العودة وكسر الحصار على الحدود الشرقية مع قطاع غزة، ناهيكم عن إصابة عدد كبير من الصحافيين وكان آخرهم الصحفي عطية درويش، وتكسير معداتهم"، مؤكدًا أن الوضع في الضفة الغربية بالنسبة للصحافة تحت سطوة الاحتلال ليس بأفضل حالًا.

وأضاف: "في الضفة الغربية، استهدف الاحتلال عين الصحفي معاذ عمارنة بشكل مباشر لمنعه وزملائه من نقل الحقيقة، التي يحرص الاحتلال على عدم ظهورها للرأي العام العالمي، وهو لا يسمح حتى الآن للجان التحقيق الدولية بالقدوم للتحقيق مع الجنود بخصوص هذه القضية"، معلقًا بأسف: "في ظل غياب الحماية، يمضي الصحافيون الفلسطينيون وحدهم نحو مذبح الحقيقة".

وجاءت جائحة "كورونا" لتزيد الطين بلة  وفقًا ليونس- فبات من الصعب التخطيط لإحراز أي تقدم على صعيد الرقي بالصحافة الفلسطينية في ظل تطورات ليست بالحسبان، مردفًا: "هذا يلقي بتبعاتٍ ثقيلة على الفاعلين في مجال حقوق الإنسان، قضايانا الكبرى كثيرة، وتحتاج إلى متابعة خصوصًا ما يتعرض له الأسرى في سجون الاحتلال (..) هذا يتطلب منا فعلًا مختلفًا في شكل الاشتباك مع القانون الدولي، خاصة بعد أن أصبحت فلسطين عضوًا كاملًا في المحكمة الجنائية الدولية".

حتى نقابة الصحافيين، المنوط بها الدفاع عن خقوق الصحافيين الفلسطينيين، تعاني هي الأخرى جملةً من الإشكاليات المتعلقة بتبعات الانقسام السياسي، إلا أن نائب نقيب الصحافيين د.تحسين الأسطل، يؤكد أن "النقابة" في فلسطين، هي البيت الجامع لكل الصحافيين الفلسطينيين على اختلاف توجهاتهم، "وليس أدل على ذلك، زيارتها لكافة المؤسسات الصحافية في ظل جائحة كورونا وتسليم القائمين علها أدوات السلامة الصحية دون تمييز" يقول.

وضمن مداخلته عبر "زووم" أضاف: "الانتهاكات بحق الصحافيين في فلسطين تتواصل، على شكل اعتقالاتٍ واعتداءاتٍ واستدعاءاتٍ مستمرة، ناهيك عن استمرار حجب مجموعةٍ من المواقع في الضفة الغربية"، مضيفًا: "نتحدث عن 80 انتهاكًا من قبل الاحتلال الإسرائيلي العام الماضي، وهذا الرقم ليس بسيطًا، الاحتلال يريد أن يجعل هذا الحال أبديًا، وألا يكون هناك تواصلٌ جغرافيٌ بين أجزاء الوطن (..) انقسامنا الداخلي كان أفضل هدية قدمناها للاحتلال كونه قضى على حلم الدولة الفلسطينية الواحدة المستقلة".

وأوضح أن النقابة لا تميز بين صحفي وآخر في منح العضويات "وبالدليل"، أما بالنسبة للصحافيين الذين تعرضوا لإصابات خلال تأدية واجبهم المهني، فقد عملت النقابة على توفير الدعم والعلاج لهم من خلال التواصل مع مؤسساتٍ دولية، حتى لمن هم ليسوا أعضاءً فيها.

بدورها، تحدثت الإعلامية وفاء عبد الرحمن، مديرة مؤسسة "فلسطينيات"، ورئيسة تحرير "شبكة نوى" عن التحديات التي تواجه الإعلاميات الفلسطينيات في ممارسة العمل الصحافي.

واستهلت مداخلتها بالتأكيد على أن الاحتلال الإسرائيلي هو أصل كل الشرور،  وهو الجهة التي تتحمل المسؤولية عن كل ما يجري من انتهاكات بحق الصحافيين والصحافيات في فلسطين، مستدركةً: "رغم ذلك نتعاطى مع انتهاكاته ضمن إطار أنه محتل، لكن التعاطي الداخلي ما زال هو العبء الحقيقي، الذي يحمله الصحافيون والصحافيات على ظهورهم منذ تاريخ الانقسام".

"عام 2020هو عام مزاولة مهنة الصحافة دون خوفٍ أو محاباة، هكذا أراداته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"" وفقًا للإعلامية عبد الرحمن، ولكن الواقع يقول العكس –تزيد- "فأقلام الصحافيات والصحافيين تهتز عندما تبدأ بكتابة الحقيقة، ورغم أننا لا ننفي وجود من يصر منهم على الكتابة مهما كان الثمن باهظًا، إلا أننا نتحدث عن 200 انتهاك بحق الصحافة في الضفة الغربية وقطاع غزة عام 2019 وفقًا لمركز مدى".

تؤكد عبد الرحمن خطورة انتهاكات حرية الرأي والتعبير على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" أيضًا، "فهو المساحة التي نهرب إليها كمؤسسات مجتمع مدني، بعيدًا عن مقص الرقيب، يا للأسف الرواية الفلسطينية هناك تُهاجم على الدوام" تتابع.

وتحدثت عن الأمان الوظيفي -للصحافيات على وجه الخصوص- في ظل جائحة "كورونا"، فقالت: "لا عقود عمل، ولا تأمينات صحية، معظم القطاع الخاص أوقف إعلاناته، والمؤسسات بمنتهى السهولة تضحي بالصحافيات إذا ما قرروا تقليص الطواقم".

وتطرقت زيادةً على ما سبق، إلى ما يتعلق بوحش الرقابة الذاتية، والهجمة على الصحفية التي تقرر فرد أوراق المسؤولين، أو مساءلتهم حول تقصيرهم إزاء القضايا المختلفة، طارحةً تجربة "نوى" حين تحدثت عن ظروف مراكز الحجر الصحي، وما تعرضت له الصحافيات من تنمر، معقبةً بالقول: "نعم، هذا انحيازٌ لنوى، وأعتقد أن الصحافيات كُنَّ الأجرأ في الكتابة".

تستدرك: "لكن ظهر عامل مخيف يجب أن يستوقفنا هنا، وهو الخوف الذي أوصل الجمهور إلى تقبّل التضحية بالحريات الإعلامية، وقبول الانتهاكات، مقابل الأمان الفردي والشخصي"، مضيفةً: "الاحتلال أخرج لسانه لنا، وفي اليوم العالمي لحرية الصحافة حكم على الصحافية ميس أبو غوش بالسجن، هذا غير 21 صحافية وصحفي داخل سجون الاحتلال".

الحالة العامة (والحديث لعبد الرحمن) سيئة، لكن أمامنا فرصة للتضامن مع الصحافيات، عبر محاولة الضغط لاختراق النقابة، والإصرار على إجراء الانتخابات بشروط، من أجل خلق بيئةٍ مخالفة تضمن تواجدهن، وصولًا إلى نقطة الأمان الوظيفي.

وعن وضع الصحافية المرأة في ظل الجائحة، تزيد: "العمل من داخل البيت ليس سهلًا، الصحافية في النهاية امرأة عادية، مطلوب منها التربية، وتدريس الأطفال، ومتابعة التعليم الإلكتروني، وتمريض الكبار، ثم تعود إلى المربع الأول حيث هي الصحفية العاملة المطلوب منها مواصلة العمل، والعودة بالراتب لمساندة الأسرة"، موصيةً بالشراكة الكاملة مع المؤسسات التي تؤمن بحقوق النساء حتى حدود السماء، وتفعيل العمل النقابي، والشراكة مع مؤسسات حقوق الانسان، كمدخل ثالث لمواجهة القمع من كل الجهات.

"كما تسبب الانقسام بواقعٍ قاتم للصحافة الفلسطينية، نخشى أن تكرّس "حالة الطوارئ" واقعًا آخر أكثر قتامة"، بهذه النبرة المتخوفة، بدأ مدير المعهد الفلسطيني للاتصال والتنمية، فتحي صبّاح، وصف الواقع الإعلامي في فلسطين، ذاكرًا أن وضع حرية الصحافة في فلسطين كان سيئًا قبل الانقسام، "لكنه اليوم أسوأ بكثير" على صعيد الصحافيات والصحافيين في آنٍ معًا.

ولفت صبّاح إلى أن واقع حرية التعبير الذي نشأ بفعل الجائحة، يحمل انتهاكًا كبيرًا للخصوصية، وتنمرًا على الحالات المصابة، خصوصًا بعد ظهور أول إصابتين بالكورونا لشيخين من غزة، إذ نشرت وزارة الداخلية صورًا لهما، تم تداولها بطريقة غير مقبولة.

وتفرض أخلاقيات مهنة الصحافة –تبعًا لصباح- شرط الحفاظ على خصوصية الناس أثناء التغطية الإعلامية، إلا أن الكثير من الصحفيين انبروا في تداول صور الشيخين، هذا غير إعداد تقرير متلفز ظهرا فيه من داخل مستشفى العزل برفح، "وهذا فيه انتهاك وفيه خطورة على صحة الطاقم" يضيف.

يقارن صبّاح بين الصحافيين الذين قتلوا نتيجة عملهم الصحفي عام 2019م، وفقًا لمنظمة (مراسلون بلا حدود) وعددهم 23 صحفيًا على مستوى العالم، والصحافيين الذين توفوا بسبب "كورونا" وعددهم 55، من 23 دولة.

ويكمل: "واقع الصحافة ليس بخير، لقد تابعنا جميعًا التنمّر على صحفي في الإيجاز الصحفي برام الله، وكذلك غزة، التي يتم فيها تقديم معلوماتٍ محدودة، ولا يُسمح بطرح الأسئلة التفسيرية أو التحليلية، ناهيك عن التنمر على وزيرتي الصحة والمرأة وتحديات الرقيب الذاتي، وانتشار مقولة "خفوا يا صحفيين الوضع صعب".

يعقّب صبّاح :"ندرك أن الواقع صعب، ولكن من يُعلي صوت الغلابا والمنتهكة حقوقهم؟"، مؤكدًا حاجة الصحافة الفلسطينية إلى نمط الاستقصاء الإعلامي لتطرح التساؤلات حول صندوق "وقفة عز" على سبيل المثال، الذي يتم تمويله –على حد تعبيره- من جيوب البسطاء، "بينما هناك 22 ألف مليونير، لو تبرع كل منهم بمبلغ 100 ألف دولار، لانتهت المشكلة" يضيف.

وفي السياق، تحدث صبّاح عن واقع "الصحافة الاستقصائية" الذي قيّمه بأنه "في تراجع كبير" سوى من من بعض التحقيقات التي تجريها صحافيات في مؤسسة "فلسطينيات" وشبكة "نوى"، مردفًا بنبرة أسف: "وضع نقابة الصحافيين ليس بخير أيضًا، آخر مرة أجريت فيها انتخابات كانت في عام 2012م، وكان يفترض أن تليها انتخابات أخرى عام 2015م، لكن هذا لم يحدث رغم كثرة الوعود"

أعاد صباح في ختام حديثه، التذكير بمقترحٍ سابق كان قدمه لانتشال النقابة من وضعها القائم، وهو: "تشكيل قائمة من المستقلين والمستقلات، ترأسها صحافية، وتكون مناصفة بين الجنسين".