الجالية الفلسطينية في فرنسا تواجه "كورونا" بالتكافل
تاريخ النشر : 2020-04-08 19:51
صورة أرشيفية

باريس:

أسبوعان مرّا، مُذ التزم الطبيب الفلسطيني في العاصمة الفرنسية "باريس" وسام المغربي، العزل المنزلي عقب اكتشاف إصابته بفياروس "كورونا"، الذي انتقل إليه خلال عمله بأحد المستشفيات الفرنسية الشهيرة وتدعى "اوبيتال دو فاليه".

الشاب الذي يعيش في حيٍ باريسيٍ هادئٍ برفقة زوجته وطفليه، يعمل طبيب أشعة، وقد سافر من غزة إلى فرنسا قبل خمس سنوات، ليرتفع عدد أفراد الجالية الفلسطينية هناك إلى 5000 فلسطيني موزعين على مختلف أنحاء المدن الفرنسية، أصيب منهم عشرة، وأحدهم بحال الخطر.

الغربة التي يعيشها الفلسطينيون والفلسطينيات في أوروبا، جعلت التضامن والتواصل الاجتماعي فيما بينهم عنصرًا أساسيًا

ورغم أن أول حالة إصابةٍ بـ "كورونا" في فرنسا، تم تسجيلُها في آخر كانون ثاني/ يناير؛ إلا أن عدد المصابين ارتفع سريعًا ليصل إلى نحو 70 ألفًا، بينهم 5000 فقدوا حياتهم، ما جعل الحكومة الفرنسية تشدد إجراءاتها في تقييد حركة الناس، لمنع تفشي المرض أكثر.

الغربة التي يعيشها الفلسطينيون والفلسطينيات في أوروبا، جعلت التضامن والتواصل الاجتماعي فيما بينهم عنصرًا أساسيًا، برزت أهميته "والحاجة إليه أكثر" في ظل تفشي الوباء، وحالة التوتر التي سيطرت على كل سكان فرنسا. كيف يمررُ الفلسطينيون هناك أيام الحجر المنزلي؟ وكيف أثر تكاتف أفراد الجالية الفلسطينية في دعم بعضهم البعض معنويًا –لا سيما المصابين منهم- على صعيد الوقاية والتشافي؟ التقرير التالي يحمل الإجابة:

حَذَر

وفقًا للمغربي، فإن التزاور متوقف حاليًا بين العائلات الفلسطينية، إلا أن "التضامن المعنوي" يشكّل لهم جميعًا "طوق نجاة" يخفف من شعورهم بالغربة في هذه الظروف، التي بات يعاني منها حتى من يعيشون في أوطانهم بسبب واقع الحجر الصحي.

أتى صوت الطبيب الشاب متقطّعًا نسبيًا كونه دخل لتوه مرحلة التعافي، فقال: "التعامل حذرٌ جدًا في المستشفيات الفرنسية، الناس الذين يدخلون المستشفيات، توضعُ لهم الكمامات فورًا تحسبًا من احتمال أن يكونوا مصابين، مع منعٍ تامٍ للتجمعات".

تُوفِرُ المستشفيات، الكمامات والملابس العازلة للطواقم الطبية رغم شُحّها في الفترة الأخيرة، "لكنها تكفي" يؤكد المغربي، الذي انتقلت إليه العدوى بواسطة زميلةٍ تشاركه ذات الأجهزة، فعزل نفسه كليًا عن عائلته ووالدته التي حدثت أزمة الجائحة بينما هي تزوره في فرنسا.

أما أطفاله فهم يجدون ساعةً كل يومٍ للخروج برفقة والدتهم إلى حديقة العمارة التي يسكن فيها، ضمن شروط التباعد الاجتماعي، وهذا متوفرٌ بحكم المساحة الواسعة للحديقة.

ويعدّ المغربي نفسه محظوظًا فهو لم يعاني من آلامٍ حادة، "فغالبية المصابين يتعافون دون علاج، معتمدين على المناعة الذاتية، كما يحدث معه حاليًا".

التضامن الحالي بين أفراد الجالية الفلسطينية، شكّل رافعةً نفسيًا واجتماعيًا بالنسبة للشباب المغتربين في فرنسا

التضامن "رافعة نفسية"

الشاب (أ.ص) الذي فضّل عدم ذكر اسمه، قال لـ "نوى": "إن التضامن الحالي بين أفراد الجالية الفلسطينية، شكّل رافعةً نفسيًا واجتماعيًا بالنسبة للشباب المغتربين في فرنسا، خاصةً بالنسبة لحديثي التواجد ممن فاجأتهم الأزمة، وشكّلت ضغطًا نفسيًا واقتصاديًا شديدًا عليهم".

يسكن الشاب الذي وصل إلى فرنسا بداية عام 2018م، في غرفةٍ صغيرة داخل "أوتيل" (فندق صغير) ويعمل باليومية (بما لا يكفيه أكثر من أسبوع)، إلا أنه انقطع عن عمله منذ أربعة أسابيع بحكم توقّف المصانع، وعجلة الإنتاج في فرنسا.

وأضاف: "حالة التوتر كبيرةٌ جدًا، فلا نعلم إلى متى يستمرُّ هذا الوضع؟ عندما حدثت الأزمة توجّه كل الناس إلى المولات (المجمعات التجارية) واشتروا كل المواد التموينية، بالنسبة لي ولمن هم مثلي لا نملك شراء شيءٍ للتخزين، ليس لدي ثلاجة أصلًا".

يضطر الشاب صاحب الاسم المستعارـ إلى التواجد مع عدة عائلاتٍ في مكانٍ ضيق، بحكم أن "المطبخ مشترك"، وهذا ما يدفعه إلى دخوله واستخدامه مرةً واحدةً في اليوم لتجنب الازدحام، ناهيك عن استخدام المعقمات بشكلٍ كبير خلال تلك المرة.

يكمل: "الملتقى الفلسطيني نصحنا قبل بدء الأزمة بشراء كمياتٍ من المعلبات، وحددوا لنا أنواعًا لا تحتوي على مواد حافظة ضارة، هذا كان مهمًا بالنسبة لمن لا يعرفون البلد بشكل جيد"، مبينًا أن ما يزيد واقع "المستجدين" سوءًا هو بُعد "المولات" التي تبيع اللحوم والمنتجات الحلال، عن أماكن سكنهم، بينما تصريح التنقل لا يسمح لهم بأكثر من المنطقة الجغرافية الصغيرة التي يعيشون فيها.

خوف المغتربين من مخالفة أي قوانين في ظل عدم معرفتهم بشكل جيد بها، جعلهم يعيشون بشكل دائمٍ حالة توتر، وفقًا لتأكيده، ما دفع بالملتقى إلى طلب الأشياء التي يحتاجونها عبر الإنترنت وتوصيلها إلى بيوتهم.

الأمر ليس سهلًا بالنسبة لعائلاتهم أيضًا، هم يتصلون بهم عدة مراتٍ في اليوم للاطمئنان عليهم، لكن الواقع أكثر صعوبةً النسبة للطلبة الذين يدرسون على نفقتهم، أو يعملون ويدرسون في ذات الوقت، ممن لم يجدوا مالًا لدفع إيجار البيوت، وهؤلاء "ومن خلال مجموعة من المقتدرين، ومن خلال الملتقى الفلسطيني، عملوا على تسديد الإيجارات لهم، وتوفير بعض المساعدات الغذائية".

يحاول الفلسطينيون حاليًا من خلال الملتقى، التواصل فيما بينهم، لتخفيف إحساسهم بالغربة

قبل الأزمة كان الشاب (أ.ص) قد التحق بمدرسةٍ لتعلّم اللغة الفرنسية، تم استبدال الذهاب إليها اليوم بمنصة "زووم" الإلكترونية، "رغم ذلك كان دافع التحدي كبيرًا"، لكن طول وقت الأزمة وارتفاع أعداد الإصابات، أصاب حتى المعلمات بالتوتر والقلق، وانخفض تحصيل الطلبة.

ما يخفف عنه وعن وبقية المغتربين، حالة التضامن الواضحة بين أبناء فلسطين، والمساعدات التي يقدّمها المقتدرون منهم في هذه المرحلة.

أما الملتقى الفلسطيني، فهو جسمٌ طوعي، يرأسه محمد الشمالي، الذي قال لـ "نوى": "نعمل حاليًا على التواصل مع كل أبناء الجالية الفلسطينية في فرنسا لمعرفة أخبارهم واحتياجاتهم، والعمل على توفيرها خاصة لكبار السن".

ويحاول الفلسطينيون حاليًا من خلال الملتقى، التواصل فيما بينهم، لتخفيف إحساسهم بالغربة، وتقديم الدعم اللازم، ومتابعة أوضاع المصابين.

يوضح الشمالي ذلك بقوله: "الكل في تواصل مع الكل، من ينقصه أي شيء وهو بالحجر، نحاول توفيره له، سواءً عن طريق الإنترنت، أو من خلال أي شخص قريب".

أما بالنسبة للمصابين الفلسطينيين في فرنسا وهم 10، فقد تماثل 7 منهم للشفاء، وبقي منهم اثنان في الحجر المنزلي، بينما يقبع الدكتور أنور أبو عيشة عضو مجلس بلدية الخليل سابقًا، تحت حالة الخطر.

بعض الفلسطينيين، أصيبوا بحالةٍ من الخوف والهلع نتيجة وجودهم في هذه الظروف الصعبة وحدهم، ما دفع الملتقى لتوفير الدعم النفسي والاجتماعي أيضًا لهم.

"التضامن موجودٌ بأجمل صوره" بين الفلسطينيين في الغربة، أطباءٌ ومهندسون ومقتدرون، يقودون اليوم حملات المساعدة لمن تقطّعت بهم السبل، من طلبةٍ وباحثين وطلّاب رزق، في فرنسا يحمل أبناء الوطن بعضهم حتى تنقشع الأزمة.