الصحافة وقت الطوارئ.. الحرية والمسؤولية
تاريخ النشر : 2020-03-24 21:21

غزة:

"لا تعارض بين فرض حالة الطوارئ وحرية الرأي والتعبير، على العكس باتت مطلوبة أكثر، ولكن الوضع يحتاج إلى المزيد من الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية والأخلاقية خلال ممارسة العمل الصحافي".

كان هذا خلاصة حوارٍ أجرته منسقة الإعلام في "الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان" الإعلامية نسمة الحلبي، عبر تقنية "البث المباشر" التي يتيحها موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، مع كل من الحقوقي عصام يونس المفوض العام للهيئة، والإعلامي فتحي صبّاح مدير المعهد الفلسطيني للاتصال والتنمية، بعنوان: "واقع الحريات وضمانات احترامها في ظل حالة الطوارئ".

تم اختيار تقنية "البث المباشر" لإجراء الحوار، الذي يأتي ضمن فعاليات مشتركة بين الهيئة المستقلة والمعهد الفلسطيني، بدلًا من دعوة الحضور للمشاركة كما هي عادة مؤسسات المجتمع المدني، وذلك استجابةً لحالة الطوارئ التي أعلنها الرئيس الفلسطيني محمود عباس بمجرد اكتشاف سبعة مصابين بفايروس "كورونا".

الحقوقي عصام يونس، أكد صوابية إعلان حالة الطوارئ كحالةٍ استثنائية، في ظل وجود خطر حقيقي يتمثل بجائحة فيروس كورونا الذي يهدد العالم، "وبالتالي يستوجب على الجميع الالتزام بكل الإجراءات التي تعلنها وزارة الصحة".

يؤكد يونس أن الأصل هو ضمان الحريات، ولكن حالة الطوارئ –حسب القانون- تفرضها الدولة في حالات مثل العصيان المدني، والكوارث الطبيعية، وانتشار الأوبئة، "وهذا ظرف استثنائي تنظمه القوانين المشروعة، وله ضوابطه"، قائلًا: "إننا أمام مشهد خطير، ودول بدأت تتهاوى وتعلن عجزها عن مواجهة الجائحة، بالتالي فلسطين كان لها خطوات استباقية صائبة، تلافت الكثير من التطورات والضرر".

الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان استجابت لحالة الطوارئ، وبدأ موظفوها بالعمل من منازلهم "في الرقابة، وتقديم النصح، والتوعية، ولفت الأنظار إلى أي تجاوزات قد تحدث بما يضمن تمتع الأشخاص بالحقوق الأساسية وفقًا للقانون.

يطرح يونس مثالًا على ذلك بقوله: "في الأيام الأولى للجائحة، تم التواصل مع الجهات العاملة على إنفاذ القانون من أجل فض التجمعات، ومن بينها مراكز الإصلاح، فكان هناك ضرورة للتدخل لضمان عدم انتشار الفيروس".

أما عن الحجر الصحي، فله شروطه وأركانه (والحديث ليونس) "إذ ليس المقصود منه تقييد حرية الأفراد، بل وضعهم ضمن واقعٍ ينطوي على ظاهره تقييد الحرية، وفي باطنه حماية لهم وللمجتمع"، مستدركًا بالقول: "لكن المحجورون بحاجة إلى حقوقٍ أساسية يجب توفرها، تحفظ كرامتهم، ومنها الرعاية والصحة والحق في التواصل مع العالم الخارجي، والحق في حرية الرأي والتعبير".

ويضيف: "الوضع كان في البداية مأساويًا ويشوبه الإرباك، ويمسّ بكرامة الناس في الحجر الصحي، ويعرضهم لانتهاكات أساسية للحياة الكريمة، وقد تدخلت الهيئة لتغيير الواقع، وتم نقل مرضى للحجر في المستشفيات، بينما ما زالت تتواصل وتنقل الملاحظات للجهات المكلفة بإنفاذ القانون"، داعيًا إلى شراكة أوسع بين الجهات الرسمية والمؤسسات.

ويوضح يونس أن الهيئة تواصل عملها في الرقابة على الإجراءات التي اتخذتها الحكومة بغزة، وإذا ما كانت تراعي مبدأ الضرورة، معقبًا: "نحن جميعًا أمام مسؤولية، مثلًا الفيس بوك ينشر الكثير من الشائعات التي تضر بالحالة العامة، وهناك حالة من التوظيف السياسي الخطيرة للأمور، وبينما نحن أمام شعب عزيز، من المطلوب أن نوفر الحماية له وأسباب الصمود والرعاية".

الطوارئ حالة استثنائية –حسب يونس- لا تمنح الضوء الأخضر للسلطات للقيام بإجراءات تعسفية، وإنما تبقى مرتبطة بقضيتين: الأولى هي ارتباط كافة الإجراءات بالخطر القائم، وعدم مساسها بحرية الرأي والتعبير، والثانية تطبيقها على كل المواطنين بلا استثناء، "لأن فرض حالة الطوارئ لا يعد انتهاكًا للحرية، بل فيه حماية وهو ينسجم مع روح القانون" يتابع.

ويكمل: "هنا يجب تحييد الانقسام وعلينا النظر إلى القضية من كافة الزوايا، نحن أمام خطر حقيقي، وما اتخذ من إجراءات صارمة أدت لاحتواء الفيروس، ولكن الخطر قائم، وكلنا مسئولون، الطواقم الطبية تعمل بشكل مهني، أما نحن فعلينا الالتزام بما تصدره وزارة الصحة من تعليمات، وعدم الخروج من البيت إلا للضرورة"، "فهذا الحق لم يعد ملكك الآن، الوضع لا يحتمل الصواب والخطأ" يردف.

من جانبه، تحدث الإعلامي فتحي صباح عن العمل الإعلامي خلال فترة الطوارئ، فوفقًا للقانون "لا يوجد ما يقيد حرية الإعلام في التشريعات الفلسطينية، والمشرّع تناول حالة الطوارئ في خمس مواد لم تنص على تقييد حرية الإعلام"، مؤكدًا أن حرية التعبير اليوم مطلوبة أكثر من أي وقت مضى، بشرط أن يقترن الإعلام بالحس الوطني العالي وأن يتحمل القائم عليه مسئولياته المجتمعية "فنحن أمام جائحة خطيرة هي ليست بعيدة عنا، والإعلام له الدور الأكبر في التوعية والتثقيف وتقديم المعلومات الدقيقة".

"أداء الإعلام التقليدي بوجه عام كان ممتازًا" تبعًا لـ صبّاح "وإن شابته بعض الثغرات، سيما خلال النقل عبر شبكات مواقع التواصل الاجتماعي"، مبررًا لذلك بقوله: "هذه هي التجربة الإعلامية الأولى لنا كفلسطينيين في تغطية أخبار وباء، وربما في العالم كله، فنحن نستند على تجاربنا من تغطية حروب الاحتلال الإسرائيلي والاعتداءات المتكررة".

يضيف صباح: "في حالة الطوارئ، قد تلجأ الحكومة الفلسطينية أو السلطة القائمة هنا في قطاع غزة إلى فرض حظر التجول في مرحلة متقدمة، وبالتالي من واجبها السماح للطواقم الصحفية بالعمل، مع مراعاة عدم المس بوسائل الإعلام أو تقييدها، سيما ونحن نسمع عن تهديدات يومية من هنا وهناك تتوعد الإعلام".

ويكمل :"هناك بعض الأخطاء والتجاوزات التي يمكن معالجتها بالحوار وليس بالإغلاق أو الاعتقال، فوفقًا للقانون، حق الرد مكفول، وتصحيح المعلومات مكفول"، ملفتًا إلى وجود أشخاص في مراكز صنع القرار لا يردون على اتصالات الصحافيين، "وهذا يدفع البعض لنشر أخبار قد يتبين لاحقًا أنها غير صحيحة".

يتابع :"الإعلام مارس دورًا مهمًا، وهذا ما تعترف به حتى الجهات المسئولة، على سبيل المثال الناطق باسم وزارة الصحة قال للصحافيين إنه لولا الصور التي نقلها الإعلام لمراكز العزل الصحي،  لما تم إصلاح الوضع القائم، وقد طالب الصحافيين بأن يكونوا على قدر المسئولية بعيدًا عن الإشاعات التي يمكن أن تقتلنا قبل الفيروس".

وتحدث صبّاح عن أن الحكومة الفلسطينية في مدينة رام الله بالضفة المحتلة، وضمن إجراءاتها التوعوية والوقائية، وزرعت أدوات وقاية على الصحافيين، "والمطلوب حاليًا هو تكثيف الجهد وليس تقييد الحرية، وكذلك توفير الإنترنت والكهرباء بشكل أكبر ليتنسى للمؤسسات الصحفية العمل من داخل البيوت في حال تم فرض الحظر الفعلي" يزيد.

ويكمل :"نحن كصحفيين نُعد صوت الضحايا، وعلينا أن نوصله مهما كلف الثمن، وهذا يثبته دورهم في دفع شركة الاتصالات الفلسطينية "بال تل" إلى إيصال الإنترنت لمراكز الحجر، ما أدى إلى بقاء الناس مع المحجورين لحظة بلحظة، ومعرفة أخبارهم بالتفاصيل في ظل منع الوصول إليهم أو إجراء أي مقابلات معهم".

وعن آليات الحماية المطوبة للصحافيين في هذه المرحلة، قال صباح: "إنها تتلخص بالبنود التي نص عليها القانون، التي تضمن حرية العمل الصحافي، وكذلك آليات متعلقة بنقابة الصحافيين، التي يجب عليها تفعيل دورها أكثر، إلى جانب أجسام أخرى مثل الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان"، مطالبًا الصحفيين باتباع وسائل الحماية الصحية الشخصية، وكذلك الالتزام أكثر بالابتعاد عن المناكفات أو التوظيف السياسي والنفعي.

الحقوقي عصام يونس

الإعلامي فتحي صبّاح 

الإعلامية نسمة الحلبي