عن قانون حماية الأسرة ونقابة المحامين
تاريخ النشر : 2020-03-16 07:47

لم يكن متوقعاً من قيادة نقابة المحامين توجيه التحايا أو إرسال الورود للهيئات النسائية بمناسبة الثامن من آذار، ولكن لم يكن متوقعاً منها أيضاً أن ينشط بعض أعضاء وعضوات النقابة في جمع تواقيع القطاع لدعم موقفها أمام الرئيس ومطالبته بعدم التوقيع على قانون حماية الأسرة من العنف.. للمفارقة، عملية البدء بجمع التواقيع في الثامن من آذار جاء مع بدء الحكومة في تنفيذ قرار الرئيس بإعلان حالة الطوارئ لمواجهة وباء «الكورونا».
 قطاع المحامين، من تتركز مهمته السامية على تحرير الحقوق ممن يقبض عليها ويُصادرها ويعيق مسارها الطبيعي من أجل إعادتها لأصحابها، بينما تجاهد قيادة النقابة في حصار قطاع المرأة الذي يعادل نصف المجتمع من أجل تجريده من حقوقه، وإبقائه نصفاً معطلاً غير مستفاد من موارده، متوائماً بذلك مع الاتجاه الأصولي في المجتمع.
ليست المرأة الأولى التي تُظْهِر فيه قيادة نقابة المحامين عداءها لحقوق المرأة، متحالفة بذلك مع الاتجاهات الأصولية في المجتمع في شَنّ هجمة عدوانية ضد اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة من أجل شيطنتها، متحديةً بموقفها المؤسسة السياسية وإرادتها في السعي للانضمام للشرعة الدولية لتصبح جزءاً لا يتجزأ من المنظومة الحقوقية.
لقد استفزت مسودة قانون حماية الأسرة من العنف قيادة النقابة، ولم يستفزها إطلاقاً ما أظهره مسح العنف الأخير (2019) الصادر عن المكتب المركزي للإحصاء الذي أشار إلى أن العنف متفشٍ في المجتمع، بتسجيله معدلات مرتفعة بنسبة 37%، معتبراً وناظراً إلى المؤشرات بخطورة تتطلب الوقوف مليّاً أمامها لمعالجتها.
استَفزَّ قيادة النقابة صدور مسودة قانون حماية الأسرة من العنف، واستفزها توجه الوزارات والجهات الرسمية صاحبة الاختصاص، التي لم تحظَ واقعياً بتأييد المؤسسات النسوية والحقوقية، مطالبةً بإدخال تعديلات عليه لجعله أكثر قوة في معالجة العنف، ولم يستفزها أشكال العنف الممارس الآخذة بالتوسع بمختلف الأشكال والأماكن، حسب مسح المكتب المركزي للإحصاء، ضد النساء والشباب والأطفال والمسنين وأصحاب الإعاقة، العنف النفسي والجسدي والجنسي والاقتصادي والاجتماعي والإلكتروني، في الفضاء والحيّز العام والخاص.
ولم يستفز النقابة اقتصار حصول نسبة 3% من النساء على حقهن الشرعي في الإرث ولم يوقعوا مذكرات تطالب الالتزام بالنص المقدس!
تساوقت النقابة الحقوقية مع حملة حزب التحرير وحلفائه، بوضعهم التعارض بين الاتفاقية والدين، ووقعت في التناقض مع مبادئ ومنظومة حقوق الإنسان التي تطورت وتراكمت، وصولاً الى إصدار اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، بينما مطلوب منها إعمال العقل ووضع مقاربتها وفهمها الحقوقي للاتفاقية والحوار مع المكونات الأخرى والبحث عن التقاطعات، عوضاً عن إطلاق الأحكام والاتهامات المطلقة، بما أخرجها عن الموضوعية، موزعةً الإساءات على الحركة النسائية المناضلة والمؤسسات الحقوقية الوازنة، متجاهلين أن الانضمام إلى الاتفاقية بلا تحفظ قد تم بناء على توقيع رئيس الدولة الفلسطينية وإجماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
إن محصلة المواقف آنفة الذكر تفضي الى حقيقة واحدة لا ريب فيها، وهي أن نقابة المحامين بمجلس إدارتها الراهن يُعَبِّر عن توجه ذكوري بالمطلق. وهذا ليس حُكماً بل استنتاج لا يحتاج إلى إثبات، ومما يؤكد هذه الفرضية أكثر فأكثر في أوساط النساء إقصاء المحاميات ومشاركتهن الصفرية في قيادة النقابة التي يفوق عدد منتسباتها عن 30% من مجمل أعضائها أكبر برهان، عوضاً عن عدم الالتزام بتطبيق قرار المجلسين الوطني والمركزي بتمثيل المرأة بواقع 30% في جميع بنى وهياكل الدولة أو تمثيلهن بحجم وجودهن في القاعدة. مشاركة صفرية للمحاميات في مجلس النقابة وتجاهل مشاركتهن للدرجة التي يترأس فيها أحد المحامين لجنة المرأة في النقابة!!! ألهذا الحدّ وصل التمييز والإقصاء؟!! 
بعد ذلك، كيف ستقنع النقابة نساء فلسطين والمجتمع  عموماً أن رسالة المحامين ونقابتهم إرساء وتحقيق العدل والكرامة للمواطنين والمواطنات وردّ الحقوق إلى أصحابها على قاعدة منظومة حقوق الإنسان وتكريس العدالة والمساواة دون تجزئة أو انتقاء، أسوةً بجميع النقابات في العالم، التي تعتبر مراكز ومرجعيات لإنتاج المعرفة والمواقف الحقوقية.
نقطة في نهاية السطر، طرح عدد من المسودات من قبل قوى المجتمع والتي تعالج قانون حماية الأسرة من العنف، لم يُسعف الحظ أي نسخة لرؤية النور حتى الآن لاعتبارات كثيرة- لا يتسع المجال هنا للدخول فيها- وبقي القانون حبيس الأدراج، علماً ان هناك احتياجاً مجتمعياً ونسوياً لصدور مثل هذا القانون المهم والحيوي، وبالتالي تأخير صدوره بات يتطلب موقفاً مسؤولاً وقوياً من مختلف الجهات والقوى والفعاليات والمؤسسات وعلى رأسها نقابة المحامين، من أجل إسناد الحركة النسوية ومطلبها لصانع القرار بالإفراج عنه وإخراجه من الأدراج الى حيز النفاذ، نظراً لحاجة المجتمع الماسّة له، والسؤال الذي يستوجب الطرح هو هل سنرى موقفاً مغايراً لنقابة المحامين من هذا المطلب يَجُبُّ ما قبله من مواقف استحقت النقد والجدل ؟؟؟ نأمل ذلك ونتمنى ان نرى نقابة المحامين تقف حيث رسالتها ودورها التاريخي في إحقاق العدالة.