الاحتلال والانقسام.. رصاصتان في صدر "التعليم" بغزة
تاريخ النشر : 2020-03-06 23:36

غزة:

"أي تعليم في فلسطين نريد؟" حول هذا السؤال العريض دار النقاش أمس الخميس، خلال جلسات مؤتمر نظمه مركز "إبداع المعلم" بالتعاون مع نظيره "حيدر عبد الشافي" تحت عنوان: "الحق في التعليم في قطاع غزة، صور الانتهاكات وضمانات الحماية في ظل الحصار".

عقد المؤتمر الذي غابت عن منصته الأوراق النسوية، انبثق عن فكرة توطين الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة، الذي ينص على "ضمان التعليم الجيد، المنصف، والشامل للجميع، وتعزيز فرص التعليم مدى الحياة"، بحيث يقف المؤتمر بأوراق عمله ومشاركيه، على المسافة بين واقع التعليم الحالي والهدف المذكور ضمن خطة التنمية الفلسطينية.

دار نقاشٌ معمق حول صعوبات تواجهها العملية التعليمية، بدءً من فرض الرسوم الدراسية على عائلاتٍ بالكاد تستطيع توفير قوت يومها "إذ يعتمد 80% من أهالي القطاع على المساعدات"، مرورًا باكتظاظ المدارس، وغياب حقوق ذوي وذوات الإعاقة، وليس انتهاءً بكثافة المنهج التعليمي كمًا وليس كيفًا، إضافة إلى عدم ربطه بأهداف تنموية مستقبلية.

في الإجابة على السؤال العريض سالف الذكر، وهو من طرح الحضور، تحدث المشاركون حول المعيقات الرئيسية لحق الطلبة الفلسطينيين بالحصول على تعليمٍ جيد: "الاحتلال" أولًا، إذ يوغل في عدوانه، و"تداعيات الانقسام السياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة" ثانيًا، ناهيك عن "نقص التمويل الدولي، وأثره على مسار الحق في التعليم" أخيرًا.

نريد تعليمًا غير قائم على الحفظ والتلقين، يفتح الآفاق، ويساهم في تعزيز مقومات الصمود والتغيير الاجتماعي، والدمج بين الكم والكيف؛

كانت أبرز التوصيات تتمحور حول هذا الملخص: نريد تعليمًا غير قائم على الحفظ والتلقين، يفتح الآفاق، ويساهم في تعزيز مقومات الصمود والتغيير الاجتماعي، والدمج بين الكم والكيف؛ بمعنى إدخال تحديثات وتطويرات على مناهج التعليم المدرسي، وما قبل المدرسي، بما يقوي البناء النفسي والاجتماعي والجسدي والذهني للطلبة، ويعزز أواصر العلاقة مع الأسرة وقوى المجتمع المدني ذات العلاقة بالتعليم.

مناهج تعليم أكثر تطورًا، تتناسب ومرحلة التحرر الوطني التي تتطلب فكرًا تحرريًا انعتاقيًا ديمقراطيًا يساهم في تماسك المجتمع ويعزز قيم المواطنة والحرية، مناهج ترمي إلى تطويرات قدرات المعلمين، وتواكب العصر وتقنياته الحديثة، ويكسر العزلة المفروضة على الكيان التعليمي من قبل الاحتلال الذي يريد قذف غزة إلى مئات السنوات نحو الخلف.

لأجل ذلك، أجمع المشاركون على ضرورة توفير خطط تعليمية تتجاوز مخاطر نقص التمويل سيما بعد تقليص تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا"، وتأخذ بالاعتبار زيادة الوعي الجندري، وحقوق ذوي وذوات الإعاقة، وتركز على فكرة التشبيك بين مؤسسات المجتمع المدني والمدراس، والتخطيط الجيد لبرنامج الطوارئ وتوفير التجهيزات اللازمة له، بالإضافة إلى زيادة حصة التعليم من الموازنة العامة "التي لا تزيد أصلًا عن 3%"، وتحييده (التعليم) عن تبعات الانقسام.

وفي تفاصيل المؤتمر الذي تم تقسيم فقراته إلى جلسة افتتاحية وجلستين علميتين، توّلت عضو مجلس إدارة إبداع المعلم آمال السبعاوي، إلقاء كلمة المؤتمر نيابة عن المدير العام رفعت صباح الذي لم يتمكن من الحضور إلى قطاع غزة بسبب عدم منحه تصريح دخول من قبل الاحتلال.

في كلمتها، أكدت السبعاوي ضرورة التشخيص الموضوعي لتدخلات المؤسسات من أجل توطين الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة في الخطط التنموية الفلسطينية، ووفقًا للسياق الوطني الفلسطيني، ومن ثم مواصلة تقييم دور منظمات المجتمع المدني في ترجمة الالتزامات العالمية وفقًا للهدف الرابع.

وقالت: "إن قطاع غزة هو نموذج يعبر عن حالة التعليم وقت الطوارئ، وهذه حقيقة تستحق تسليط الضوء على مدى جهوزية المنظمات المحلية في مجال التعليم، وقدرتها على الاستجابة لتوفير المتطلبات الكفيلة ببقاء التعليم صامدًا وقت الطوارى"، مضيفةً: "إن قيمة هذا المؤتمر تنبع من أنه يؤسس لجهد منظمٍ في إطار التقييم الذاتي، إذ يصنف الكثيرون التعليم على أنه أداة تحرر، وإعادة مؤشر بوصلة المستقبل يحتاج إلى ضبط إيقاع مؤشر التدخلات".

أما الباحث محسن أبو رمضان مدير مركز د.حيدر عبد الشافي للثقافة والتنمية، فقال: "إن التعليم واحدة من أهم القضايا الوطنية، التي ترتكز على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية  1966م، واستنادًا إلى الهدف الرابع من أهداف الألفية"، معربًا عن أمله في أن يكون لنتائجه صدى على صعيد تشكيل حملات واسعة بقيادة منظمات المجتمع المدني ودعم التضامن الشعبي الدولي، من أجل دعم هذا الحق، ووصوله كاملًا لكل طالب فلسطيني داخل قطاع غزة.

"ويستغرب البعض أن قطاع غزة المحاصر يحاول أن يعالج جراحه بنفسه، ويسعى ليكون جزءًا من مسار المنظومة الإنسانية العالمية، وجزءًا من أهداف الألفية ومن منظومة حقوق الإنسان"، يتابع أبو رمضان، ملفتًا إلى أن هذه الرؤية التي تتبناها منظمات المجتمع المدني، هي رؤية طموحة، تريد الأخذ بالأهداف الدولية وتوطينها فلسطينيًا، لتستمر جزءًا من المنظومة الإنسانية العالمية.

الجلسة الأولى

في الجلسة الاولى للمؤتمر، التي أدارها الإعلامي أمجد الشوا، قدم الباحث غسان أبو حطب منسق مركز دراسات التنمية بغزة-جامعة بيرزيت، ورقة عمل بعنوان: "التدخلات المؤسساتية لتوطين الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة في الخطط التنموية وفقًا للسياق الوطني الفلسطيني".

وانطلق أبو حطب من الخطة الاستراتيجية لقطاع التعليم (2017-2022) التي تبنت خطةً مفادها: مجتمعٌ فلسطيني يمتلك القيم والعلم والثقافة لإنتاج المعرفة وتوظيفها في التحرر والتنمية"، ضمن ثلاث غايات هي: ضمان فرص تعليم آمن للجميع، وتحسين بيئة تعلم آمنة ومحفزة، وتطوير أطر القيادة والحاكمية والمساءلة.

غير أن هذه الرؤية واجهت معوقات أبرزها: ممارسات الاحتلال بحق التعليم، وافتقار السلطة الفلسطينية لمقومات الاستقلال والسيادة، ما زاد من خضوعها لاشتراطات المموولين، والانقسام السياسي الذي تسبب في تعدد المرجعيات في التعليم، ومخرجات التعليم التي لا تنسجم وسوق العمل.

واقترح أبو حطب تدخلات عملية من قبل مؤسسات المجتمع المدني، لمساعدة طلبة المدارس على التغلب على أزمة انقطاع الكهرباء، وحملة أخرى ترفع شعار حوسبة الفصول الدراسية (إدخال الحواسيب للمدارس)، وثالثة بالتعاون مع البلديات، لتجويد خدمات المياه والصرف الصحي في المدارس، وحملات دورية للتأكد من سلامة وأمن بيئة التعليم.

وعبر سكايب تحدث الباحث رفعت صباح في ورقة بعنوان "دور المنظمات الأهلية في ترجمة الالتزامات العالمية، في إطار الهدف الرابع على المستوى الوطني، وتبعاته على تطوير التعليم في قطاع غزة"، أكد فيها أن الفلسطينيين أمام هدف مركّب، يعكس ذاته على طبيعة التدخلات التي يجب أن تبقى شاملة وموجهة وعميقة.

وأوجز صباح دور المجتمع المدني في تحليل السياسات الوطنية، من منظور مدى ما تحققه من غايات الهدف الرابع، وتقييم الوضع والتدخلات التي تتم، والانتصار لتعزيز ثقافة التعامل العلمي مع المؤشرات ونتائج التقييم "فالتغيير يكون بالتعاطي مع المشكلة وليس مجرد الاكتفاء بالوصف، وتنظيم حملات لدعم فكرة أن تبقى غايات التعليم بعيدة عن تبعات الانقسام، وتعزيز نهج الشراكة في العمل" أضاف.

وخلصت الجلسة، إلى أن الإشكاليات التي يشهدها قطاع غزة، تتطلب أن يحظى الفتية والفتيات بتعليم ابتدائي وثانوي مجاني منصف، في ظل وجود مدارس تعمل بنظام الفترات، وتعاني الاكتظاظ، "وهذا يتطلب من مؤسسات المجتمع المدني، طرق الأبواب للمطالبة بمرافق تعليم تراعي الفروق بين الجنسين وتحفظ حقوق ذوي وذوات الإعاقة".

الجلسة الثانية

الجلسة الثانية التي أدارها الناشط الحقوقي سمير زقوت، بدأت بورقة عمل للحقوقي حسين حماد تحت عنوان: "الحق في التعليم في قطاع غزة بين الانتهاك والحماية"، أكد فيها أن قطاع غزة شهد على مدار السنوات السابقة قدرًا غير مسبوق من الانتهاكات، سيما للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وشرح أن الحق في التعليم داخل قطاع غزة هو الآخر، يتعرض لانتهاكاتٍ متعددة رغم الحماية المكفولة له بموجب المواثيق الدولية، حيث استهدفت المؤسسات التعليمية بالقصف مرارًا، كما ارتكبت الانتهاكات ضد المدنيين وممتلكاتهم ومؤسساتهم والمنشآت العامة، وهذا غدا من أبرز المعوّقات في وجه تطوير قطاع التعليم في قطاع غزة، "إذ لم تقف تلك الممارسات عند حدود الحصار المفروض على القطاع، بل امتدت لتشمل استمرار أزمة انقطاع التيار الكهربائي، التي كان لها آثارها على العملية التعليمية وعلى الطلبة والمعلمين".

وشدد حماد على ضرورة مطالبة المجتمع الدولي بالوفاء بالتزاماته القانونية والأخلاقية، والتحرك العاجل لإنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة، وتوسيع الدعم المالي والتقني لقطاع التعليم انطلاقاً من مبدأ التعاون الدولي، ومطالبة مؤسسة الأمم المتحدة للثقافة والعلم (UNSCO)، والمؤسسات المالية والاقتصادية الدولية بالمشاركة في الدعم المالي والتقني لقطاع التعليم، انطلاقاً من مبدأ التعاون الدولي.

وفي ورقة العمل الأخيرة، قدّم ماهر عبد الله مسؤول برنامج التعليم في مؤسسة "إنقاذ الطفل الدولية" ورقة عمل بعنوان: "التعليم في حالات الطوارئ: الجهوزية والاستجابة عند المنظمات الأهلية المحلية والدولية العاملة في مجال التعليم في قطاع غزة، قدم خلالها شرحًا حول دور إنقاذ الطفل في تفعيل عمله وقت الأزمات، من خلال مجموعة التعليم في حالات الطوارىء.

يقول: "إن مجموعة التعليم في حالات الطوارىء تعطي فرصة التعاون بين المؤسسات، في أن تنظم مدخلاتها ومخرجاتها لضمان وصول الخدمة دون تعارض للفئات المستهدفة، أو حدوث تدخل غير مناسب للاحتياج، وهي تسعى لتوفير الجهود على المستوييم الوطني والاجتماعي في قطاع غزة، لضمان تطوير برنامج التعليم وقت الطوارىء وبناء قدرات المؤسسات الشريكة وتعزيز قطاع التعليم".

لكنه أشار إلى ضعف الخبرات في مجال التخطيط للطوارئ في القطاع، "فهناك صعوبة في الوصول إلى الأماكن المستهدفة، وصعوبة في الاتصال على مستوى المؤسسات، كذلك لا يوجد استقرار وظيفي، ما يعني اضطرارهم لتدريب فئات جديدة عند الحاجة"، مبينًا وجود مشكلة في الاستجابة لاحتياجات الأطفال "التي تتطلب إمكانيات ضخمة، لا تتناسب ومحدودية إمكانيات المؤسسات الداعمة، سيما فيما يتعلق بمسألة خدمات الدعم النفسي الضعيفة في مدارسنا، رغم أهميتها والحاجة الشديدة لها".