عن فايروس كورونا والسخرية.. وانعدام الثقة
تاريخ النشر : 2020-02-26 08:48

تأخرنا كثيرًا في دخول دائرة الاهتمام بفايروس كورونا، ولم ندخلها إلا بعد الإعلان عن مرور وفد كوري جنوبي ضم أشخاصًا يحملون هذا الفايروس من الضفة الغربية والقدس، لكن رغم ذلك مازال اهتمامنا محصورًا بمتابعة الأخبار من جهة، وهذه الأخبار تتضمن الكثير من الكذب والشائعات، والسخرية من جهة أخرى، والاستغلال المادي لهذه الأزمة من جهةٍ ثالثة.

في الصين يعملون من أجل اكتشاف علاج لهذا الفايروس، وقد أقاموا مستشفى في أقل من 10 أيام للتعامل مع الحالات المصابة بهذا المرض. أما نحن، فاحتكر تجارٌ الكمامات ورفعوا أسعارها، بينما السوشال ميديا يعج بالنكات والسخرية من الصينيين، وقد وصل الأمر حد الشماتة بهم، واعتبار الوباء عقوبة بسبب اضطهادهم لمسلمي الإيغور.  

الأخصائية النفسية ربى أبوش ترى أن المنشورات المتداولة في موضوع فايروس كورونا يعود جزءٌ منها بسبب الجهل بأهمية الحدث وخطورته، بينما جزءٌ آخر منها يأتي كنوع من التفريغ وقلة الحيلة، في ظل عدم الثقة في إمكانية بلادنا من القدرة على مواجهة هذا الوباء في حال دخوله. فمن جهةٍ، المواطن لا حول و لاقوة له، ومن جهةٍ أخرى، قوة المعتقدات والوازع الديني والإيمان بالقضاء والقدر أكثر من الإيمان بالعلاج والوقاية.

وتعتقد أبو غوش أن النكتة والفكاهة هي المتنفس الطبيعي للمواطنين المتضررين خلال الأزمات.

وخير جواب حول إطلاق تلك النكات جاء على لسان ابن خلدون في مقدمته: "إذا رأيت الناس تكثر الكلام المضحك وقت الكوارث فاعلم أن الفقر قد أقبع عليهم وهم قوم بهم غفلة واستعباد و مهانة كمن يساق للموت وهو مخمور".

علينا أن نحذر فقط من الوقوع في مستنقع اللامبالاة والاستهتار، فلو صدق الحديث فإن هذا المصاب جلل، ونحن أمام كارثة لا نملك مواجهتها. وعلينا أن نكون أيضًا جادين في التوعية المجتمعية، والاستعداد للتطوع في حملات توعية أو تصنيع كمامات طبية أقلها، وأن لا تُشتَّتَ طاقتنا في مطالعة كتابة الساخرين الذين وصل بهم الأمر إلى السخرية ممن يتألمون ويموتون من المرض.

وهنا علينا أن نكن جادين أكثر في التعامل مع مصيبة الوباء، كي لا نفقد الحماس حول مشاركتنا ودورنا في التحديات التي قد تكون وصلتنا.

بالعودة إلى التاريخ، فربما يكون طاعون عمواس هو الوباء الأشهر في فلسطين، حيث بدأ من قرية عمواس (المهجرة بعد الاحتلال الإسرائيلي) وتقع بين الرملة والقدس ثم انتشر إلى بلاد الشام، في عهد عمر بن الخطاب. وتتراوح أرقام الضحايا بين 25 ألف شخصًا و30 ألف شخص كما يُعتقد.

إليكم بعض الأوبئة التي انتشرت في العالم على مدى سنوات سابقة وسبَّبت وفيات هائلة:

1. طاعون أثينا اليونانية القديمة: وباء دمر المدينة اليونانية القديمة خلال السنة 430 قبل الميلاد، وتسبب في مقتل ما بين 75 ألف و100 ألف شخص.

2. الطاعون الأنطوني: وباء ضرب الإمبراطورية الرومانية فى نهاية السلالة الأنطونية، بين سنتي (165- 190) ميلادي، حيث أرجع هذا الوباء إلى الإمبراطورية الرومانية من طرف القوات العائدين من الحملات التى قاموا بها فى الشرق الأدنى، وفقًا للمؤرخ الرومانى كاسيوس ديو (235-155) ميلادي.

تسبب هذا الوباء فى تدمير الجيش الرومانى، ووفاة ما يصل إلى 2000 حالة يوميًا، وتم تقدير العدد الإجمالى للوفيات بحوالى 5 ملايين شخص.

3. الطاعون الأسود: سمي بالموت العظيم، أو الموت الأسود، للإشارة إلى وباء الطاعون الذى اجتاح أنحاء أوروبا بين عامي (1347 - 1352) ميلادي، وتسبب في موت ما لا يقل عن ثلث سكان القارة.

4. الطاعون الأسود في مصر: هاجم وباء الطاعون مصر خلال فترات متعددة، فمابين (1347 - 1349) ميلادي، وبحسب المؤرخ الدكتور محمد فارس الفارس، لقي نحو 200 ألف مصرى حتفهم على طريق القوافل الذى يربط ما بين القاهرة وبلبيس، وقيل إن الجثث كانت تتناثر في كل مكان على طول الطريق، وأتى الطاعون والمجاعة بعد ذلك على الأخضر واليابس بين 1347 و1349 ميلادي.

5. الجدري: دمر الجدرى السكان الأصليين فى أستراليا، ما أدى إلى مقتل حوالى 50% منهم في السنوات الأولى من الاستعمار البريطانى، كما قتل العديد من النيوزيلنديين الماوريين.

6. فى الفترة ما بين (1848-1849) ميلادي، تشير التقديرات إلى وفاة حوالى 40 ألف شخص من أصل 150 ألف من سكان هاواي بسبب الحصبة والسعال الديكى والإنفلونزا.

7. الانفلونزا الإسبانية: انفلونزا قاتلة انتشرت فى أعقاب الحرب العالمية الأولى في أوروبا والعالم، وخلَّفت ملايين القتلى، وقد تسبب بذلك نوع خبيث ومدمر من فايروس الانفلونزا (أ). وتميز الفايروس بسرعة العدوى، حيث تقدر الإحصائيات الحديثة أن حوالي 500 مليون شخص أصيبوا بالعدوى، وما بين 50 إلى 100 مليون شخصًا توفوا جراء الإصابة بالمرض، أي ما يعادل ضعف المتوفيين في الحرب العالمية الأولى.

ووفقًا للكتاب الموسوعى لهيئة جينيس للأرقام القياسية الصادر بعنوان "الأرقام القياسية فى الجرائم"، فإن بسبب هذا المرض فارق الحياة نحو 21 مليون و640 ألف نسمة، بين شهري نيسان/إبريل وتشرين الثاني/نوفمبر من عام 1918.

8. انفلونزا هونج كونغ: منذ أول حالة وقع الإبلاغ عنها في 13 تموز/يوليو 1968 في هونغ كونغ، استغرق الأمر 17 يومًا فقط قبل أن يتم الإبلاغ عن تفشي هذا الفايروس في هونغ كونغ، ثم في سنغافورة وفيتنام، وفي غضون ثلاثة أشهر امتد إلى الفلبين والهند وأستراليا وأوروبا والولايات المتحدة.

وفي حين أن معدل الوفيات في عام 1968 كان منخفضًا نسبيًا، إلا أن الفايروس أدى إلى وفاة أكثر من مليون شخص، بمن فيهم 500 ألف من سكان هونغ كونغ نفسها، أي ما يقرب من 15% من سكانها في ذاك الوقت.

هذا إضافة لاستمرار انتشار الأوبئة في العالم مثل انفلونزا الخنازير، وانفلونزا الطيور، ايبولا، زيكا، كورونا.

__________

نقلًا عن الترافلسطين