في مؤسسة "الربيع".. الأطفالُ لا يُذنبونَ وحدَهُم
تاريخ النشر : 2020-02-18 18:17

"يا طير ويا اللي طاير، بالله توصل سلامي، أنا خِلِّي مجافيني ماهو راضي يطاوعني.. نزل دمعي من عيني.. يا خوف يكون بايعني" بهذه الكلمات كان الطفل "بدر" (12 عامًا) المحتجز داخل مؤسسة الربيع لرعاية الأحداث بغزة، يدندنُ بصوتٍ شجي، وهو ينظر من إحدى النوافذ المسيّجة إلى الحياة الفسيحة بعد أسوار المؤسسة.

صاحبُ البنية الضعيفة "بدر"، هو  أصغر طفل في مؤسسة الربيع، ثبت تنفيذه لعدة سرقات بتحريضٍ من والده المحبوس على ذمة قضايا مشابهة!

ما إن تحثه على الغناء، حتى يبدأ بصياغة مواويل من بنات أفكاره وجُلُّها تعبر عن اشتياقه لأمه التي لم يرها منذ أشهر.

يبرر عدم زيارتها له طوال تلك المدة بالقول: "إنها لا تملك المال الذي يمكنها من الوصول إلى مدينة غزة، فنحن من سكان وسط القطاع".

ينتظر بدر الإفراج عنه بكفالة ليعود إلى حضن أمه، وإلى مدرسته التي اشتاق إليها، وإخوته الأشقياء أيضًا، رافضًا الاعتراف باقترافه فعل السرقة بالمطلق.

حدثٌ آخر ينادونه "أيوب"، يبلغ من العمر سبعة عشر عامًا، وصل إلى "الربيع" بتهمة "ارتكاب فعلٍ منافٍ للأخلاق"، يحاول جاهداً الابتعاد عن تفاصيل القضية التي أوصلته إلى هنا، وبعد تكرار السؤال من مراسلة شبكة "نوى" انطلق يروي حكايته باستحياء: "الحج هو من استدرجني لفعل ذلك".

و"الحج" –كما يناديه عماله - هو رجلٌ يفوق الستين عمرًا، يعمل مقاولًا في مجال "الزفتة"، وقد بدأ أيوب العمل معه وكان أصغر العمال لديه.

يقول: "كان يعطيني مقابل كل يوم عمل قرابة 30 شيقلًا، وقبل حوالي ثلاثة أشهر، هاتفتُه لأطلب منه يوميتي، فدعاني إلى منزله لأتقاضى أجري، وحينما دخلت، كان معه ثلاثة من العمال الذين أعرفهم، وبينهم فتاة أمكنني تقريب عمرها لـ 14 عامًا، في وضعٍ مخل".

يضيف بكلماتٍ بالكاد يمكن تجميع حروفها بعد أن طأطأَ رأسه :"استدرجني لفعل الرذيلة أمام الجميع مقابل أجرٍ يومي، لكن بعد شهرين من الحادثة، حدثت مشكلة بينه وبين أحد العمال، فقام الأخير بإبلاغ الشرطة عن نشاطه اللا أخلاقي، لأجد نفسي في نهاية الأمر متهمًا معه في نفس القضية".

قبل أن يختم حديثه، طلب من "نوى" أن توصل نصيحةً إلى كل أولياء الأمور، قال: "أرجوكم اهتموا بأطفالكم، لا تتركوهم للشارع، ولا تبصموا بالعشرة لكل رب عمل، تابعوا كل تفاصيل يومهم، ولا تتتغافلوا عن ما يريب".

أحداثٌ مذنبون، وآخرون وجدوا أنفسهم رهينة الحبس بسبب مشاكل أسرية، طفلٌ لم يتجاوز الـ (14) عامًا، يقف أمام قاضي الأحداث، بعد شكوى من جده بالسّب، "رغم تأكيد الشهود بأن الطفل لم يكن متواجداً لحظة المشكلة".

حُبِسَ ما يقارب الشهر إلى حين الحكم في القضية، وخروجه بكفالة، وسط دموع والدته التي لم تملك سلاحًا آخر تدافع به عن طفلها أمام القضاء.

يحاكم الأحداث في محكمة خاصة بهم بذات  مبنى المؤسسة وفق ما أكد كرم الشنا مسؤول ملف الأحداث في مؤسسة "الربيع"، وذلك بالتوافق بين الوزارة والمؤسسات الحقوقية المحلية، التي تتابع بدورها عمل المؤسسة وجلسات المحاكمة.

ويرى الشنا أن نقل الأحداث للمحاكمة بجيبات الشرطة يمكن أن يترك في أنفسهم كأطفال أثرًا غير سوي، "بل قد يتسبب ذلك بوصمهم بالعار طوال حياتهم، وهذا يتعارض تمامًا مع أهداف المؤسسة، ودوافع  حجز الأحداث لإعادة تأهيلهم، باعتبارهم ضحايا لظروف لا ذنب لهم فيها".

داخل المؤسسة التي افتتحها الرئيس المصري أنور السادات بغزة عام 1958م، أطفال محتجزون لأسباب مختلفة، كالسرقة والقتل، والأفعال المنافية للأخلاق، والمشاكل الأسرية

وفق ما ذكر معتز دغمش مدير المؤسسة- لـ "نوى"، نافيًا أن يوصمَ وجود الأحداث داخل المؤسسة بـ "العقاب"، يقول: "نحتجز المذنبين من الأطفال بهدف تقويم السلوك، وإعادة الدمج في المجتمع، ونوفر لأجل ذلك أخصائيين نفسيين واجتماعيين، ومدرسين في المواد الأساسية للأحداث الملتحقين بالتعليم النظامي".

وذكر دغمش أن عملية التقويم تتطلب في كثير من الأحيان، إبعاد الأحداث عن البيئة التي نشأوا فيها، وأدت إلى انحرافهم، طارحًا مثالًا بالقول: "أحد النماذج التي أُعيد تقويمها داخل المؤسسة، هي لحدث جاء على خلفية عمل منافٍ للأخلاق، وبعد خضوعه لبرامج التقويم والتأهيل، أضحى رب أسرةٍ ناجح قويم، بل ومن أمهر صناع الحلوى في القطاع".

يُعقب: "هذا ما يدفعنا لعدم إطلاق الأحكام المطلقة تجاه هؤلاء الأحداث، هم فقط بحاجة لمن يأخذ بيدهم نحو الطريق السليم وهذا دور المؤسسة".

ويقسم الأحداث داخل المؤسسة لثلاث فئات، حسب العمر، بإشرافٍ كامل على مدار اليوم، من قبل المشرفين الذين يبيتون وسط العنابر لضمان عدم حدوث أية مخالفات خلال الليل".

ويبلغ متوسط  عدد الأحداث في المؤسسة سنوياً 700 طفل، بمتوسط شهري من65-75 طفل، وحتى كتابة هذا التقرير يوجد بالمؤسسة 50 حدث.