لماذا يسعى السودان للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي!!
تاريخ النشر : 2020-02-07 00:02

غزة:

عقب توليها منصب وزيرة الخارجية السودانية قبل خمسة شهور صرّحت أسماء محمد عبد الله، إن الوقت غير مناسب "حاليًا للتطبيع مع إسرائيل"، لكن السيدة التي تعدّ أول امرأة تشغل هذا المنصب السيادي في السودان بعد الإطاحة بحكومة الرئيس السوداني السابق عمر البشير، لم تغلق الباب تمامًا أمام فكرة التطبيع.

وربما كانت سرعة اللقاء بين عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني مع رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في أوغندا هي ما أحدثت الصدمة لدى الكثيرين، رغم إن مؤشرات الحالة العربية توحي بتراجع مكانة القضية الفلسطينية لدى الدول العربية، وكان من المتوقع ذهاب الأنظمة تباعًا نحو التطبيع.

وإذ يتفق الباحثان طلال أبو ركبة وهيام البيطار في أن اللقاء لم يكن مفاجئًا، لكن أبو ركبة ذهب إلى أن مؤشراته بدأت بتراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية لصالح القضايا القطرية للدول، وما حدث منذ اجتاحت المنطقة العربية رياح التغيير التي وضعت الأنظمة العربية أمام حقيقة إن ديمومة البقاء لا تستند إلى الرضا الشعبي  وإنما بالهرولة نحو رضا البيت وبوابة هذا الرضا التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، لذا التقى البرهان بنتنياهو خاصة أن المجلس الانتقالي لا يحظى برضا الكثير من السودانيين.

أما الباحثة البيطار فترى إن اللقاء هو ترسيخ لوجود شخصية سودانية عسكرية تقود مرحلة ما بعد الثورة السودانية وتحويل لمسار الثورة كما حدث مع مصر بدعم إماراتي أو بدعم من المحور العربي الذي يقود التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وهذه الشخصية يتم تجهيزها في المشهد السوداني الحالي ستتولى القرارات السودانية في السياسة الخارجية إن لم يكن والداخلية أيضًا، وغن الإعلان يعني رغبة الاحتلال الإسرائيلي بالعودة للقارة الإفريقية بقوة، وهذه العودة وفقًا لتصريحات نتنياهو مهمة للأمن والاقتصاد الإسرائيلي،

وعلى الرغم من الرفض السوداني الواسع لهذا التطبيع والذي تجسد في المظاهرات الشعبية الرافضة وبيانات الشجب والاستنكار من قبل أحزاب سودانية، إلا أن المجلس الانتقالي يريده، ويفسر الباحث أبو ركبة ذلك إن التطبيع صك لبقائهم في الحكم ولعل النتائج جاءت سريعًا بدعوة وزير الخارجية الامريكي للبرهان لزيارة البيت الأبيض بعد عقود من الانقطاع.

وبالنسبة للاحتلال الإسرائيلي والذي يسعى منذ زمن لنسح العلاقات الطبيعية مع القارة الأفريقية، والتي رسّخها بنيامين نتنياهو بالوفود الكبيرة خلال فترة حكمه، من أجل نسج العلاقات مع هذه الدول والاستفادة الاقتصادية منها والتي ربما تسعى هي بدورها للاستفادة من التكنولوجيا المتوفرة لدى الاحتلال الإسرائيلي.

ويرى الباحث أبو ركبة إن الاحتلال الإسرائيلي يريد من التطبيع مع السودان والاستثمار الاقتصادي وقطع الطريق على دول إقليمية كإيران من أن تجد موطئ قدم في السودان التي تمتاز بوجود اليورانيوم المشع في تربتها.

أما البيطار فتذكّر إن السياسة الأمنية للاحتلال الإسرائيلي ترتكز على الأمن المائي أيضًا، وهذا العامل يعود بالنفع على الاحتلال من خلال وجود حكومات إفريقية توفره وهذا مرتبط بدول حوض النيل، فأوغندا وأريتيريا هي دول تعترف بـ"إسرائيل" والتي تأخذ على عاتقها إقامة سد النهضة وتأمين حصة إسرائيلية مهمة من ماء النيل.

وتوضح إن الاقتصاد الإسرائيلي يجد في إفريقيا مرتعًا خصبًا لتسويق منتجاته والحصول على المواد الخام المهمة مثل اليورانيوم والماس والبترول والمنتجات الزراعية، وحتى المنتجات العسكرية البالية يتم تسويقها في إفريقيا بشكل كبير، وكل هذا يدعم اقتصاد الاحتلال.

وينفي أبو ركبة أن يكون ضعيف الدبلوماسية الفلسطينية عاملًا وحيدًا أوصلنا إلى هذه النتيجة، فالمسألة مرتبطة أيضًا بأسباب موضوعية مرتبطة بالتحولات الدراماتيكية التي عصفت بالمنطقة، لكن ما يحدث بحاجة لمراجعة خطط عمل الخارجية الفلسطينية، وضرورة انتقال كافة مهام الخارجية إلي الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها صاحبة الخبرة الأكبر في هذا الأمر، خاصة مع توقعات بانزلاق المزيد من الدول العربية وانكشاف حقيقي للمواقف العربية.

وتعتقد البيطار إن القضية الفلسطينية تم تحويل مسارها الرئيس من اليوم الذي تم فيه توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر واسرائيل، وبالتالي تم تخصيص فكرة الصراع العربي الإسرائيلي في فكرة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي واعتبارها مشكلة خاصة بالفلسطينيين، ويجب حلها على طاولة المفاوضات وينبغي على الدول العربية تأييد حق "إسرائيل" في الوجود، وفي هذا السياق الكل العربي يتماهى فيه إن لم يكن من فوق الطاولة فمن تحتها.