"نكبة" الحدود الشرقية.. مزارعون غزيون يعدمون محاصيلهم
تاريخ النشر : 2020-02-03 08:18

خانيونس:

بينما كان يحمل بين يديه حزمةً تالفةً من السبانخ، بدأ المُزارع عنان أبو دراز بالصراخ: "كنا زرعنا هذه المحاصيل لبيعها في السوق المحلي، ها هي الآن مصيرها أكياس القمامة".

فتح كيسًا أزرق اللون بعصبيةٍ بالغة، وأفرغ على الأرض كميةً من محصول الكوسا المائل للاصفرار، ثم كيسًا آخر فيه كمية كبيرة من البازيلاء الفاسدة، ثم أشار بسبابته نحو الأفق يشرح للصحافيين والصحافيات ما حل بأرضه الزراعية عقب رش طائرات الاحتلال لها بالمبيدات السامة.

يقول: أعدمنا خضراوات كانت مزروعة على مساحاتٍ تفوق الألفي دونم، عند الحدود الشرقية لمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، وكلها تعرضت للرش بالسموم".

يضيف: "أصبحت أراضينا منطقة منكوبة، لقد أتلف الاحتلال محصول 6 دونمات خاصة بي، كنت أستعد لتسويقها محليًا، بينما الآن أصبحت مطالبًا بديونٍ تقّدر بنحو 10 آلاف شيكل، عليّ دفعها لتجار الأسمدة والأدوية وتوريد المياه".

في أواخر يناير من العام الحالي، باشرت سلطات الاحتلال رش أراضي المواطنين الزراعية شرق مدينة خان يونس، وتحديدًا أراضي بلدة عبسان الكبيرة بالمبيدات السامة، مستغلةً اتجاه الرياح الغربي ضمانًا لإحداث أكبر قدرٍ من الضرر. جاء ذلك بعد أيامٍ فقط من استهدافها لأراضي المزارعين شرق حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وإغراقها بالمياه، وإتلاف أكثر من ألف دونم زراعي من الخضراوات الموسمية.

تبلغ مساحة الأراضي الزراعية في قطاع غزة 75 كيلومترًا مربعًا، تشكل الحدودية منها ربع هذه المساحة، وهي تسهم بشكلٍ كبيرٍ في تغطية حاجة السوق المحلي، خاصةً من الخضراوات الموسمية والفواكه.

"الآن.. من سيعوضني؟" تساءل الشاب عنان بغضبٍ شديد، متابعًا: "المزارعون يقضون الموسم بأكمله في رعاية محاصيلهم، وكما هو معروف فهم يحصلون على الأسمدة والمبيدات الزراعية ضمن تفاهماتٍ مع الموردين تقضي بأن يتم السداد عند بيع المحصول، لكن الأمل في السداد أعدم كما أُعدمت الخضراوات تمامًا".

وبينما كان مزارعو المنطقة الشرقية يعرضون خسائرهم أمام عدسات الكاميرات بغضب، ويفتحون أكياسًا تحتوي على كمياتٍ من الخضراوات التي لم تعد تصلُحُ للاستهلاك الآدمي ولا حتى لغيره، يقف المزارع جمال صبح جانبًا مسندًا رأسه إلى ذراعه بحزن، وتبدو علامات الهمّ جليةً في ملامح وجهه العابس.

يقول: "خسرت محاصيل 35 دونمًا، بازيلاء، وقرنبيط، وسبانخ، وملفوف، وكوسا (..) في رقبتي الآن 20 ألف شيكل كدين للموردين، وعلي إما السداد أو الذهاب إلى السجن".

وفقًا للمزارع صبح، فإن الاحتلال الإسرائيلي، دأبَ على تدمير أراضي المواطنين الزراعية بالمبيدات منذ عام 2000م، ولكن هذه هي المرة الأولى التي يستهدف فيها الأراضي بهذه المساحات الواسعة، "أكثر من 2 كيلو متر كلها أعدمت محاصيلها" يضيف.

"أتلفنا مزارعنا بأيدينا" يعقِّبُ بأسى، كونها لم تعد تصلح للسوق، فالمبيدات التي يرشها الاحتلال تحتوي على مواد سامة، وهذا يشكّل خطورةً على حياة المواطنين.

كان يعمل لدى صبح 10 عمال، فقدوا الآن مصدر دخلهم، بينما هو لم يعد قادرًا على تغطية نفقات بيته الشخصية "أناشد الصليب الأحمر، والمؤسسات الزراعية، بالعمل على دعم المزارعين، وإنقاذهم من المصير الذي وصلوا إليه".

ويؤكد المزارعون أن استهداف الاحتلال لأراضيهم، خاصةً مع قرب طرح الخضراوات في السوق، هو استهدافٌ للسوق المحلي كله، فمن يصدق أن سعر كيلو البازيلاء "في عز موسمها" وصل اليوم إلى 7 شواكل (2.5$)؟

وزارة الزراعة الفلسطينية عقدت اليوم مؤتمرًا صحفيًا أعلنت فيه الأراضي الشرقية لقطاع غزة، من شماله إلى جنوبه "مناطق زراعية منكوبة"، نتيجة رشها بالمبيدات السامة من قبل الاحتلال الإسرائيلية، محملةً الاحتلال تبعات "هذه الجريمة".

وقدّرت الوزارة خلال مؤتمرها الذي عقدته أمام مقر منظمة "الفاو" بمدينة غزة، قيمة الأضرار المادية التي لحقت بالمحاصيل الزراعية، بما يزيد عن (مليون وربع المليون دولار)، حيث بلغ مجموع مساحة الأراضي الزراعية التي تضررت محاصيلها أكثر من (2000 دنم).

ونوهت الوزارة إلى أن هذه التقديرات "أولية" في ظل استمرار تكشف تداعيات "الجريمة الإسرائيلية"، ومواصلة الوزارة حصر الأضرار التي تتزايد يومًا بعد يوم.

ودعت الوزارة المؤسسات الدولية إلى العمل على فضح جريمة الاحتلال، والتأكد من كذب مزاعمه حول أن "رش المبيدات الزراعية عند الحدود الشرقية، لم تلحق أي أضرارٍ بالمواطنين والمزروعات والبيئة، ولم تمس بخصوبة التربة"، مطالبةً بمحاسبة الاحتلال على ما وصفته بـ "الجريمة النكراء" بحق القطاع الزراعي بغزة، والضغط لإجباره على تعويض المزارعين عن الخسائر الكبيرة التي تكبدوها في مصدر رزقهم الوحيد.